“فاتك المتسلّط” وقف في طابور المُراجِعين رافضًا أي امتياز

Views: 273

المحامي كابي دعبول

لم يكن شغفي بأنطوان كرباج شغفًا عاديًا بل كاد يصل الى حد الإدمان في مسيرة عشقي للمسرح وللأعمال الفنية المكمّلة له كالمسلسلات والسينما.

لا يزال في اعتقادي أن خشبة المسرح تنزع الحاجز الزجاجي بين الممثل والجمهور، لأن المسرح يضعك في “مواجهة” مباشرة مع شخصياته الى درجة أنك تشعر بهذه الشخصيات “تسيطر” عليك في أدائها وتجعلك مخطوفًا معها الى حيث تريد أن تذهب بك.

أنطوان كرباج دخل في مسرحية “بربر آغا” ممتطياً حصانه على خشبة المسرح الضيّقة بالنسبة الى حصان تعوّد أن يرمح في مساحات لا تنتهي أمامه. كان ذلك الفارس يمتطي جواده على خشبة المسرح بفروسية لم تستطع مساحة الخشبة أن تضع لها قيودًا في الحركة.

هكذا كان أنطوان كرباج فارسًا في فنه في تمثيله على المسرح في التلفزيون والسينما. شخصياته المتسلّطة التي أتقنها رَسمَت له في نفسي هالة كبرى.

التقيت به مرة وحيدة في مبنى إحدى الوزارات منذ حوالي سبعة عشرة سنة أو أكثر، كان ينتظر دوره ليقدّم المستندات القانونية المطلوبة.

اقتربت منه وعرّفته بنفسي معبّرًا له عن إعجابي العظيم به منذ نعومة أظافري، حين كان لدينا في المنزل مكتبة فنّية لأعمال الأخوين رحباني التي كانت له مساحة كبيرة فيها.

أخبرته عن شغفي بالشخصيات التي قدّمها في شتى مجالات التمثيل، وأخبرته بأنني شاهدت له فيديو خاص وهو يغنّني قصائد زجلية للشاعر الكبير خليل روكز، فابتسم وتحوّل الحديث في ما بيننا الى الشعر الزجلي والشعر المحكي.

ما لفتني في الرجل الهدوء الملحوظ والابتسامة الودّية، فطلبت منه أن يترك طابور المراجعين وأن يدخل معي الى مكتب رئيسة الدائرة التي تربطني بها صداقة قديمة، فرفض.

نعم لقد رفض هذا الممثل العظيم أن يترك طابور المراجعين واختار أن ينتظر دوره واقفًا مع أترابه رافضًا أن يمنحه أحد أفضلية عليهم او أمتيازًا.

هكذا كان أنطوان كرباج الذي حرّك قلوب الملايين وتلاعب بقناعاتهم ليُدخل الى نفوسهم حقيقة الشخصيات التي كان يلعبها، متواضعًا محترمًا نفسه والناس الذين قدّم لهم إبداعاته الفنية.

في نهاية الحديث المتبادل معه أخبرته بأن شخصية الحرامي التي لعبها في مسرحية المحطة للأخوين رحباني والتي تمتاز بالرمزية العالية المعتمدة فيها، تعجبني كثيرًا، وهو كان قد تجلّى في أدائه لتلك الشخصية المرفوضة إجتماعيًا وقانونيًا، ولا سيّما الحوار الذي يدور بينه وبين الشحّاذ (الفنان سامي مقصود) حول السرقة بالاقناع (يعني سياسة) والسرقة بالقوّة (يعني بطولة)، فضحك مطوّلاً وقال لي اعلم يا أيها المحامي إن في الأمرين سرقة ولكن يختلف الأسلوب.

وداعًا أنطوان كرباج سيفتقدك المسرح وستفتقدك الشاشات، ولبنان الذي أعطيته من كل قلبك سيفتقدك. شكرًا أنطوان كرباج.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *