الحلقة العشرون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 154

*“للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

كابي

 

 (٢٠)

لم يتعدَّ اتصال حنا مع العاصمة الدقيقتين، بعد أن أبلغته عاملة الهاتف بوجوب حضوره شخصيًا الى مكاتب المطبعة لتقديم الطلب وإجراء المقابلة.

تقدّم حنا بكتاب الى إدارة المطبعة حيث لا يزال يعمل، يطلب بموجبه إجازة مدفوعة الأجر  لمدة ثلاثة أيام، فأجيب طلبه بالقبول.

وكان حسيب قد تدخّل في كتابة الطلب وأشار عل حنا، الذي أخبره بنيته بالتوجه الى العاصمة لشراء بعض الحاجيات لبحر،  فأشار عليه بتضمين الكتاب طلب سلفة على أجره الشهري بقيمة خمسين ليرة, فوافقت الادارة بدعم من حسيب على طلب السلفة.

في اليوم التالي توجه حنا الى موقف الباصات في المدينة واستقل باصًا يتوجه الى العاصمة من دون توقف.

أصيب حنا بالدهشة لدى وصول الباص الى الساحة المركزية في العاصمة بعد مشاهدته الأبنية وزحمة الناس والسيارات. وتوجه حنا بواسطة سيارة إجرة الى مكاتب المطبعة التي تقع في ضاحية من ضواحي العاصمة لجهة الشرق.

قدّم حنا طلبه الى مسؤول عن الاستخدام بعد ملئه استمارة الطلب، وجلس في مكتب الاستقبال ينتظر دوره لإجراء المقابلة.

       ⁃     ست سنوات من الخبرة في طباعة الكتب والملصقات الاعلانية وخلافه… عظيم يا حنا.

       ⁃     الحمدالله يا أستاذ.

       ⁃     ولكن هل تجيد العمل على ماكينات حديثة؟

       ⁃     في الحقيقة يا أستاذ يبقى على المرء أن يتعلّم كل أمر جديد في مجال التقنيات . فأنا استطعت تعلّم الكثير من شؤون الطباعة.

       ⁃     ما أقصده يا حنا أن مطبعتنا لا تطبع الكتب فقط، فنحن نطبع مجلات من حين الى آخر وملازم المجلات تختلف نوعًا ما عن ملازم الكتب.

       ⁃     نتعلّم يا أستاذ.

       ⁃     حسنًا عليك أن تعلم أنه يحق لإدارة المطبعة أن تستغني عنك بعد ثلاثة أشهر من بدء العمل أو أن تقوم بتثبيتك في العمل.

       ⁃       على الله الاتكال يا أستاذ.

       ⁃     نحن نؤمّن مسكنًا للعمال في آخر طابق من مبنى المطبعة وهذا سيسهل عليك الأمور في حال لم يكن لديك مكان للسكن في العاصمة.

       ⁃     نشكر الله على كل شيء يا أستاذ.

       ⁃     ولكن لم تسألني عن الأجر يا حنا.

       ⁃     يا أستاذ ما يهمّني هو الثبات في العمل واستدامته، وطالما أنني سأسكن في المبنى ذاته، من دون مصاريف وعناء المواصلات، فهذا يعني أنني أستطيع أن أعمل بمقدار دوامَي عمل نهارًا وليلاً وهذا سيؤمن لي دخلاً أعلى من دخلي الحالي.

       ⁃     هل أنت متزوج يا حنا.

       ⁃     نعم ولدي ولد وحيد في السابعة من عمره.

       ⁃     عظيم في حال تثبيتك في العمل ستستفيد أنت والعائلة من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من تغطية لنفقات الطبابة ومعاش العائلة وتقديمات مدرسية.

       ⁃     الحمدلله يا أستاذ.

       ⁃     عليك أن تمضي ليلتك في العاصمة لأنك ستخضع غدا صباحًا لاختبار تقني ومن بعده نبلغك بالنتيجة.

شعر مسؤول المطبعة بأن حنا أصيب بالإحباط لدى سماعه الخبر، فسأله عن السبب وعمّا إذا كان خضوعه للاختبار جعله يشعر بالخوف.

       ⁃     لا والله يا أستاذ فأنا لا أعرف أين سأقضي ليلتي فبالحقيقة لا أعرف كيف أتدبّر أمري في العاصمة بعد.

ضحك المسؤول وقال: تخاف من زحمة العاصمة يا حنا؟ لا تكن متوترًا، فهناك العديد من الفنادق الصغيرة في الجوار تدبّر أمرك.

خرج حنا من مكتب المسؤول شبه مصدوم. أينام في العاصمة وهو لم يقضِ ليلة واحدة في حياته خارج داره؟

 (يتبع غدا)

 ***

 

*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *