المفكِّر حسن عجمي: طاغيتنا لا يموت لأنه يحيا في عقولنا

Views: 30

 محمّد خريّف

(ناقد تونسي)

 

في نطاق انشغالي بمسألة السّيميائيّة العربيّة أجريت هذا الحوار مع المفكِّر اللبنانيّ المقيم في الولايات المتحدة الأميركية حسن عجمي، إبان صدور كتابه الجديد “السّوبرحداثة في مواجهة السوبر تخلّف” عن دار مصر المحروسة في القاهرة:

 

العالم كومبيوتر متطور

*هل توجد سيميائيّة عربيّة حديثة واعية بما وصلت إليه السّيميائيّة في تصوّراتها العلميّة للأكوان البيوسيميائيّة؟

_ لا بد من تعريف المفاهيم أولاً. السيميائية هي علم دراسة العلامات وعلاقاتها كنتاج إنساني. فالسيميائية تدرس كيف ترتبط العلامات ذات الدلالات في ما بينها وكيف يصنعها الإنسان ويتأثر فيها. فمثلاً، يقول أمبرتو إيكو إن كل ظاهرة منتمية إلى ثقافة ما هي في الحقيقة نظام سيميائي تواصلي. من هنا، بدأت السيميائية كحقل دراسي يُعنى بتحليل الأنظمة المُكوَّنة من العلامات وارتباطها بالإنسان. لكن تطور هذا العلم فنشأت البيوسيميائية التي تدرس الأنظمة البيولوجية على أنها أنظمة سيميائية كما نمت البيوفيزيائية التي تدرس الأنظمة الفيزيائية على أنها أنظمة سيميائية. فبعد أن كانت السيميائية تهدف إلى التمييز بين النظام السيميائي أي المتكوِّن من علامات دالة من جهة والأنظمة الفاقدة لصفة السيمياء أي لصفة العلامة والدلالة من جهة أخرى، تطورت السيميائية بشكل مغاير فأصبحت كل الأشياء والظواهر أنظمة سيميائية حاملة للعلامات ودلالاتها. والسبب وراء ذلك هو أنه من الممكن دراسة أي شيء على أنه مجموعة معلومات، وبذلك كل شيء يتشكّل من علامات ذات دلالة علماً بأن المعلومات لا تكون معلومات سوى من خلال دلالاتها. من منظور هذا النموذج الفكري، تمكن العديد من الفيزيائيين من النظر إلى الكون الفيزيائي على أنه نظام معلوماتي ؛ فالكون يتكوَّن من معلومات وبذلك هو نظام سيميائي حائز على دلالات.

هكذا أمست وظيفة السيميائية التوحيد بين الظواهر بدلاً من التمييز بينها. وهذا ما تقوم به البيوسيميائية حين تعتبر أن الأجساد الحية تتشكّل من تدفق المعلومات الكامنة في جيناتنا. وهذا ما تؤكد عليه البيوفيزيائية التي تعتبر أن كل ظاهرة فيزيائية هي مجموعة معلومات معينة ووظيفتها التواصل مع الظواهر الفيزيائية الأخرى من خلال تبادل المعلومات.

من هنا، أصر الفيزيائي سيث لويد على أن العالم كومبيوتر متطور ويتكوَّن من حفظ وحساب وتدفق المعلومات، واعتبر الفيزيائي لي سمولن أن العالم كائن حي يتشكّل من معلومات وأن العلاقات بين الظواهر الفيزيائية ليست سوى انتقال للمعلومات. من هذا المنطلق أيضاً، تنمو البيوفلسفة التي تحلل المفاهيم على أنها تشكّل أنظمة بيولوجية سيميائية. مثلاً، بالنسبة إلى البيوفلسفة، الديموقراطية نظام بيولوجي معلوماتي كالكائنات الحية تماماً. فالديموقراطية تتكوّن من خلق المعلومات وحرية تبادلها ؛ فكلما زادت المعلومات وحرية نقلها كلما زادت نسبة الديموقراطية. فجوهر الديموقراطية كامن في إنتاج المعلومات ولذا تزدهر الفلسفات والعلوم في ظل الحرية والديموقراطية.

أما بالنسبة إلينا، فنحن معادون للسيميائية، بل ننتج اللا سيميائية من خلال صياغة اللا لغة. فمعظم ما نقول ونكتب اليوم شبيه بعبارة “العدد سبعة متزوج ” الخالية من معنى ودلالة. وهذا متوقع لأننا نحارب العلم والتفكير الفلسفي، وخطابنا لا يعتمد على العلوم والمنطق. من هنا، أصبحت لغتنا لا لغة وأمسينا أول شعب في التاريخ يصوغ اللا سيميائية كحركة ثقافية معادية للمعاني والدلالات. فلا توجد سيميائية عربية حديثة، بل ثمة لا سيميائية عربية حديثة تنتشر بسرعة هائلة وتنتصر في كل المجالات. وماهية هذه اللا سيميائية العربية المعاصرة قائمة في اعتبار أن اللعب على الكلمات وجمع ما لا يجتمع من مفاهيم أساس الأدب والفكر.

فمثلا ً، أمست الديموقراطية، بالنسبة إلى العرب والمسلمين، حكم الأكثرية بينما الحقيقة هي أن الديموقراطية هي حكم الحقوق الإنسانية والديموقراطية بالفعل نقيض حكم الأكثرية. نشهد اليوم نمو وانتصار الحركة اللا سيميائية في العالم العربي، والسبب الأساس في ظهورها وتفوقها كامن في أننا أصلا ً نرفض الإنسان أي الكائن الوحيد الذي نظر إلى ذاته والعالم على أنهما نظام سيميائي واحد. فالإنسان مجموعة حقوق كحق الفرد في أن يكون حراً. لكننا نرفض اليوم الديموقراطية الحقيقية وما تتضمن من حقوق إنسانية كالحرية الحقة، وبذلك نرفض الإنسان ونعاديه. فحربنا ليست مع الآخرين بل حربنا هي مع أنفسنا. نحن الذين نحتل ذواتنا ونسجنها في قبور أجدادنا.

 

عصر السوبر سخافة

*ربطك مسألة السيميائية الخاصة بالسيميائية العامة في الغرب بالاستمرار في التدريس وكسب الرزق، هل يعني أن السيميائية الغربية خاضعة لمنطق النجاعة أي نجاعة المنفعة الحرفية؟ فكيف يظهر ذلك من خلال نماذج من الباحثين في هذا العلم وهل في ذلك انعكاسات سلبية على تطور علم السيميائية ونموه؟

_ النظام في الغرب مختلف عن النظام في الشرق، وهذا هو السبب الأساسي وراء عدم التفاهم بين الشرق والغرب ما أدى إلى نشوء الحروب المستمرة بينهما. مثل ذلك أن النظام التواصلي السيميائي في الغرب يهدف إلى إنتاج ونشر المعلومات المُبرهَن عليها بينما النظام التواصلي اللا سيميائي في شرقنا فيهدف إلى إخفاء المعلومات وتشويهها وقتلها ولذا تنتشر عندنا عادات التقية التي تفرض عدم الإفصاح عما نعتقد كما تزدهر لدينا عادة تشويه المفاهيم والنظريات كتشويه مفهومي الحرية والديموقراطية. من هذا المنطلق أيضاً، النظام الغربي يدفع بالناس إلى ما هو أفضل في الفكر والسلوك وبذلك المنفعة لديه تغدو عامة بمجرد أن تكون خاصة.

بمعنى آخر، بمجرد أن يقوم الفرد في الغرب في تحقيق منفعته الخاصة تصبح تلك المنفعة عامة فمفيدة للجميع. هذا لأن النظام الغربي تنافسي حر ما يحتم بقاء الأفضل للجميع. على ضوء هذا الاعتبار، ربط إنتاج السيميائية والعلم والفلسفة بالمصلحة الفردية وكسب الرزق لا يتضمن بالضرورة تشويه العلوم والأفكار السيميائية بل على الأرجح يدل على غنى الحراك الثقافي والفكري. فكل باحث يحتاج إلى بناء نظرياته الخاصة المختلفة عن أبحاث الآخرين كي يستمر، وفي هذا نشاط ثقافي وغنى فكري لا مثيل له.

من جهة أخرى، وفي بعض الأحيان وتحت ضغط السوق العلمي والفلسفي وعلى ضوء مبادىء العرض والطلب، لا يخلو الأمر من سخافة. يبدو اليوم أن الغرب قد يتجه نحو السوبر سخافة. ففي عصر السوبر سخافة، السخافة هي القيمة العليا ؛ فمَن لا يشارك في نشر سخافاته لن يلقى الدعم الاعلامي ولن يجد الشهرة المطلوبة. مثل ذلك أن الكتب العلمية والفلسفية الجادة لا سوق قوي لها اليوم في الغرب بينما كتب السوبر سخافة لها الحظ الأكبر في المبيع والشهرة والانتشار. تتعدد الأمثلة على السوبر سخافة فمنها قول المفكر والمؤرخ برنارد لويس بأن إسرائيل ستساعد العرب في تطوير أنفسهم. لكن هذا يعارض منطق أي دولة تسعى إلى تحقيق مصالحها دون مصالح الدول الأخرى كما يعارض حقيقة أن إسرائيل معادية للعرب وتحتل أراضيهم وتقاتلهم. أما الباحث روبرت رايلي فيقول مثلا ً إن فكرة أن الله مجرد في الاسلام هي السبب في تخلف المسلمين. هذا عين السوبر سخافة. لكن إذا كان الغرب يتجه نحو السوبر سخافة فنحن في الشرق نحيا بل نموت في سوبر تخلفنا.

فنحن الشعب الوحيد الذي يستخدم العلم والتكنولوجيا من أجل نشر الجهل وتطوير التخلف وتمتين التعصب والطائفية والمذهبية. بالإضافة إلى ذلك، كل بحث أكان بحثاً فلسفياً أم علمياً هو بحث سيميائي لأنه يوضح دلالات واقعية أو ممكنة. وكل نص هو نص سيميائي لأنه يحتوي على دلالات معينة. من هنا، وبفضل الحركة اللا سيميائية المسيطرة على عالمنا العربي والإسلامي المعاصر نحن اليوم لا ننتج نصوصاً بل ننتج اللا نص واللا خطاب. فمعظم ما نقول ونكتب خال ٍ من معنى ودلالة لأن المعاني والدلالات معتمدة على العلم والمنطق ونحن أصلاً نرفضهما. هكذا نستخدم اللغة من أجل صياغة اللا لغة.

 

من سوبر تخلف أدنى إلى سوبر تخلف أعلى

*هل ترى من نجاعة لما يقوم به بعض المحاولين، العرب لا سيما المهجرون منهم، في ميدان البحث السيميائي وغيره من الميادين العلمية الراقية والحال إن العالم العربي داخل بامتياز في تقهقر نحو حقبة أو زمن السوبر تخلف كما تسميه أنت وهذا زمن الرجعة بسبب صعود ديكتاتوريات الحكام الجدد إبان ما يسمى تفاؤلاً بربيع الثورات العربية، والربيع خريف كما تذهب السوبر جدلية والعبارة لك؟

_ بالنسبة إلى السوبر جدلية، الظاهرة ونقيضها والمركّب الذي يوحِّد بينهما كلها ظواهر تولد معاً في الوقت نفسه وتشكّل حقلا ً وجودياً واحداً. لذا ولدت الثورة العربية مع نقيضها المتمثل بالطغاة الجدد والمركّب منهما ألا وهي الأصولية الصاعدة ذات البُعد الثوري والبُعد القمعي معاً. من هذا المنطلق، كي تنجح الثورة العربية لا بد من ثورات متتالية أولها الثورة على الذات بهدف تغييرها. نحن مرضى نحتاج إلى علاج ثقافي. فمعظم المثقفين العرب يشاركون بقوة في تطوير التخلف.

نحن المسؤولون عن ظهور حقبة السوبر تخلف لأن معظم ما نقول ونكتب لا يستند إلى علم ما ولا يعتمد المنطق. بالإضافة إلى أننا نستغل ما نعرف من أجل الدفاع عن يقينياتنا المُسبَقة وقتل معتقدات الآخرين واغتيال أية محاولة في طرح أفكار جديدة. لقد أمسى المثقف العربي خادم السلطان أكان سلطان المال أو سلطان الشهرة وبذلك باع نفسه لهذا الطاغية الكبير أو الصغير. فالعديد من المثقفين العرب أصبحوا موظفين في السفارات الأجنبية. والذين كانوا ينادون بالحرية والديموقراطية أو اليسارية والعلمانية صاروا مدافعين عن هذا الأسد الطاغية أو تلك الأصولية الدينية التي تناقض معتقداتهم أصلا ً. هكذا نقع دوماً في التناقض لأننا نرفض المنطق. نحن اليوم نحيا في زمن السوبر تخلف لكوننا نستغل العلم والتكنولوجيا كي ننشر الجهل والتعصب. فمثلا ً، نستخدم وسائل الاعلام لشن الحروب ضد المذاهب الدينية الأخرى. ويبدو أننا نتجه نحو عصر السوبر تخلف الفائق حيث التخلف ليس فقط هو الوسيلة للنجاح بل هو أيضاً القيمة الأخلاقية والمعرفية الأعلى. أما حال المثقفين العرب في الغرب فلا يختلف عن حالهم في الشرق. فكل فرد منا يرث طائفيته وعنصريه كما يرث جيناته بالضبط .

من هنا، اللا سيميائية المنتشرة في الشرق العربي تسيطر أيضاً على عقول العرب في الغرب. وهذا أمر متوقع لأن لا سيميائيتنا آلية تشويه لِما يوجد في الغرب من أفكار وعلوم ومنجزات، وبذلك الاحتكاك الفعلي بالغرب يسهّل عملية تشويه الآخر والذات. مثل ذلك أن العديد من العرب الذين يسيطرون على المنابر الثقافية في الغرب، ورغم أنهم مقتنعون بالحرية والديموقراطية إلى حد كبير، ينتجون خطاباً يصب في مصلحة الأصولية النقيض الشرعي للفكر الديموقراطي. فمثلا ، نقرأ لديهم أن الاسلام قد أنصف المرأة بينما الحقيقة غير ذلك. كل خطاب سيميائي لكن خطابنا لا سيميائي بامتياز لأنه خال ٍ من دلالات أو لأنه يحمل دلالات مستحيلة كدلالة أن الاسلام مثلا ً يتفق مع الديموقراطية.

لا بد من أن نكون صادقين وإن كلفنا ذلك خسارة هذه الفرصة أو ذاك العمل وإلا لن نورّث أحفادنا سوى السوبر تخلف. كما أن الدراسات قد أثبتت أن معظم العرب الذين يتخرجون من الغرب يعودون إلى بلدانهم أصوليين متعصبين ومنادين بقتل الآخر المختلف. هذا ما حدث مع سيد قطب الذي عاد من الغرب أصولياً بامتياز. وهذا غير مستغرب لأننا نستغل العلم والمعرفة من أجل الترويج ليقينياتنا الكاذبة واغتيال معتقدات الآخرين. فنظام عقلنا نظام ديكتاتوري قامع، ولذا من المتوقع أن نستبدل طاغية بآخر فتفشل ثوراتنا. على هذا الأساس، لا بد من أن نثور على أنفسنا ونغيّر نظام فكرنا وسلوكنا فنمتلك نظاماً فكرياً وسلوكياً ديموقراطياً لكي تنجح ثوراتنا العربية وإلا سننتقل من سوبر تخلف أدنى إلى سوبر تخلف أعلى. فطاغيتنا لا يموت لأنه يحيا في عقولنا. مَن لا يثور على نفسه لا يستطيع أن يثور على الآخرين.

 

الحقيقة قرار علمي

*يقول بعض المتشائمين “إن سمحت ديكتاتورية الحكام العرب” في وقت ما بهامش “السوبر حداثة” في ظل الخوف والتخويف بالمصادرة والسجن، فإن الديكتاتورية التي حلّت محلها مدعومة بصناديق الاقتراع لن تسمح إلا بإبادة هذا الهامش بالقمع والقتل. كيف ترى ذلك؟

_ الماضي للعرب بينما المستقبل للآخرين. فلم يسمح الديكتاتور السابق بالسوبر حداثة أو بالسوبر مستقبلية بل سمح فقط بالكلام عنهما. بالنسبة إلى السوبر حداثة، اللامحدَّد يحكم الكون وبذلك أي نص كالنص الديني مثلا ً غير محدَّد في معانيه ودلالاته بل نحن الذين يجب أن نحدِّد مضامينه فيغدو النص محرراً لنا بدلا ً من أن يسجننا. لكن هذا مرفوض من قبل المجتمع العربي الحالي وليس مرفوضاً فقط من قبل الطاغية ؛ فمجتمعاتنا تتكوّن من طغاة بدلا ً من مواطنين أحرار. وبالنسبة إلى السوبر مستقبلية، التاريخ يبدأ من المستقبل ولذا تحلل السوبر مستقبلية المفاهيم من خلال المستقبل فتعتبر مثلا ً أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل. لكن بالنسبة إلينا، التاريخ يبدأ من الماضي ويتجه نحو الماضي وينتهي في الماضي. من هنا، يستحيل علينا اليوم أن نقبل السوبر حداثة والسوبر مستقبلية، فتبقى هذه الأفكار مجرد أفكار ممكنة بالنسبة لنا. فنحن اليوم نتبع السوبر ماضوية التي تصر على أن التاريخ يمضي من ماض ٍ إلى ماض ٍ.

ونتجه اليوم في عالمنا العربي والاسلامي إلى عصر السوبر ديكتاتورية. فبما أننا نحيا في السوبر تخلف ونمارس السوبر ماضوية، إذن من المتوقع أن نصل إلى السوبر ديكتاتورية. الديكتاتورية هي حكم فرد أو مجموعة أفراد بدلا ً من حكم الحقوق الإنسانية. وبينما الديكتاتورية تظهر على أنها حكم فرد أو مجموعة أفراد وتبدي آليات حكمها القامع، السوبر ديكتاتورية تظهر على أنها ديموقراطية فتخفي آليات قمعها واستبدادها، وذلك من خلال اعتماد الاقتراع. مع السوبر ديكتاتورية لا هامش ولا متن. السوبر ديكتاتورية عملية اغتيال العقل فهي آلية تحويل الفرد إلى سجين ذاته. في ظل السوبر ديكتاتورية القادمة في العالم العربي والاسلامي يقتنع الفرد في أنه حر بينما الحقيقة هي أنه ديكتاتور نفسه وسجين معتقداته وسلوكياته المحدَّدة سلفاً. (https://linksmagazine.com) الأخطر من القتل الجسدي هو القتل العقلي.

آلية اغتيال الحاضر والمستقبل

*كيف ترى مستقبل “السوبر حداثة” في العالم العربي الإسلامي ولا سيما تونس بعد أن أفاد محور “السوبر تخلف” من حصاد ثورة الهامش ومسك بزمام أمور الحكم ولو بصفة وقتية، وقد أقيمت في وجه “السوبر حداثة” حواجز “السوبر تخلف” المعروفة وعلاماتها حمراء كما يجيء في شعارات أحزاب الأغلبية المؤتمنة على كتابة دستور البلاد التونسية أنموذجاً؟

_ للأسف، لقد انتصر السوبر تخلف على السوبر حداثة في العالم العربي والاسلامي. فبينما تقول السوبر حداثة إن معتقداتنا يجب أن تكون غير محدَّدة فنتحرر من اليقينيات فالتعصب ونبحث بشكل دائم عن المعارف والحقائق فنضمن استمرارية البحث الفكري والعلمي، يحتم السوبر تخلف أن تكون معتقداتنا وسلوكياتنا محدَّدة سلفاً، وبالفعل هي كذلك اليوم. هذا لا يعني أن نكون ضد الثورات العربية. فمثلا ً، لا بد أن نكون مع الثورة في سورية، وهذا واجب أخلاقي ووطني. ويجب أن تتطور ثورتنا العربية الشاملة لتصبح ثورة على ذواتنا أيضاً بهدف تغيير سلوكياتنا ومعتقداتنا وجعلها ديموقراطية تقبل الآخر ولا تميّز بين الآخر والأنا.

لا مستقبل للسوبر حداثة في العالم العربي والاسلامي لأننا نرفض الفكر المنطقي والعلمي أصلا ً ولأننا مشغولون في تطوير التخلف والجهل والعصبية. فمثلا ً، إبتكرنا السوبر ماضوية وهي آلية اغتيال الحاضر والمستقبل كما نتجه نحو السوبر ديكتاتورية وهي آلية قتل العقل ودفنه وتحويل الإنسان إلى لا إنسان أي روبوت يتصرف على ضوء برامج محدَّدة مُسبَقاً. وهذا ما يحدث في العالم العربي والاسلامي وما يحدث في تونس أيضاً. لقد أمسى السوبر تخلف فائق القوى فأنتج السوبر ماضوية وينتج الآن السوبر ديكتاتورية. سوف تغرق تونس والعالم العربي والاسلامي معها في ألف عام من السوبر ظلام. ويا ويلنا حين يظهر السوبر مهدي في العراق. على الأرجح، وفي مستقبل ليس ببعيد، سينهار العالم العربي كلياً.

 

قتل القارئ الافتراضي

*وبعد، فلمن نكتب؟ وكيف نكتب؟ وما نكتب؟ وهل للبيوفلسفة وغيرها حظ الحضور في المحافل الثقافية العربية وبعض دور النشر تمنع من المشاركة في معارض السعودية وغيرها تحت ضغط المواقف السياسية لبلدان السوبر تخلف؟

_ كنت أكتب لقارىء افتراضي. لكن تم قتل القارئ الافتراضي في ظل انتصار السوبر تخلف. ومن الخطأ أن نملي على الآخرين كيف وعما يكتبون وإلا نكون قد حددنا سلفاً مَن نحن. فعملية صياغة الفكر والثقافة لا بد أن تكون حرة وغير مقيدة بعقيدة محدَّدة. وإن حضرت البيوفلسفة والسوبر حداثة في معارض الكتب أو على بعض الصفحات الثقافية، فنحن نستغلها دوماً من أجل التجهيل كما نستغل الديموقراطية من أجل تطوير ديكتاتوريات أقوى. المشكلة فينا وليست في النص. والحرب حرب شرسة بين السوبر حداثة والسوبر تخلف. والمعركة معركة تأويل. الإنسان تأويل يحتاج إلى تأويل.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *