جدارية الأحد الأسود

Views: 585

حركاتي لعمامرة /بسكرة الجزائر

 

كم نحتاج لتلك الذكريات حينما تأتي من بعيد، بعد وقت طويل، من يذكرنا بها؟ ويسترجعها معنا؟ وما يرمز إليها، ومن يقول لنا: اطمئنوا فلستم وحدكم الباقون على الوّد، ولستم وحدكم من يتذكر اللحظات والمواقف الجميلة ويحن إليها ويتمنى إسترجاعها معكم…

تعتريني هواجس غريبة كلما مررت بذلك المكان حيث نصبت في شموخ جدارية كبيرة خلدت الحدث ذات يوم، حيث كان  وحيد طهراوي مع ثلة من أبناء المدينة قد تركوا جزءا منهم بكل حب، كنت يومها صغيرا لاأفهم شيئا مماكان يدور حولي، وكانت المدينة في أوج عطاءاتها في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت الحديقة التي تتوسط المدينة قبالة المحكمة القديمة، حينها مازال تمثال الكاردينال يتوسط الشارع الكبير وكأنه يراقب مجموعة التشكيليين وهم بين الأرض والسماء ولم تثنهم الحرارة ولا غبار الزوابع الرملية التي كانت تزور المدينة بين الحين والآخر، لم تثنهم كل العراقيل، فكان همهم هو إنهاء الجدارية مهما كانت الظروف، كنت كلما مررت بهذا المكان وأنا احمل محفظتي الجلدية ذات اللون البني متجها للدراسة إلا وأبقى مسمرا أراقب الوضع وكأنني أعيش الحدث من جديد، كانت الجدارية تشهد على جريمة شنعاء وثقتها كاميرا ذلك المصور الذي وثق للجريمة بكل تفاصيلها والجثث تنتشر هنا وهناك، كما كانت لمسات الفنانين بادية للعيان وكان وحيد يشحذ الهمم،وبقيت انا كلما مررت بالمكان إلا وكانت وقفتي لهيبة المكان وبشاعة الصورة وكان الوفاء للمدينة وحبها الذي لم يمحَ من قلوبنا.

وجاءت رياح التغيير، ليرحل تمثال الكاردينال إلى غير رجعة، وتفعل الرياح فعلتها بمساعدة الامطار وحرارة أشعة الشمس لتغيب الجدارية التي صار لونها باهتا كأنها تريد أن تعلن استقالتها هي الأخرى فكان لها ذلك،فانسحبت في صمت لتبقى الشهادة، وتبقى هيبة المكان تفرض منطقها ويتملكني الوجل كلما مررت به فأقف وقفتي المعتادة في مدينة نست يوما أسود  مرّ بها ذات يوم كما نست أبناءها بكل برودة متناهية وتبقى كلماتك ياصديقي يتردد صداها في أذني:لم يبق من المدينة إلا اسمها..!

وتدور عجلة الزمن ببطء شديد، وتبقى تراوح مكانها في بعض الأحيان، ويرحل الراحلون ويبقى الباقون فالإنسان لم يعد قادرا أن يعيد نفسه، لكن المكان يبقى خالدا وشاهدا بكل شموخ وعزة أنهم مروا من هنا لامحالة رغم التجاهل والنكران ولئن غابت الريشة والألوان فحضور الأقلام سيعيد للمدينة مجدها ويخلد اسمها… روح يازمان وأرواح يازمان 

19 جانفي 2022

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *