الحريالوجيا فن إنتاج المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية

Views: 207

حسن عجمي

 

   الحريالوجيا مركَّبة من “الحرية” و”لوجيا” بمعنى عِلم وبذلك الحريالوجيا عِلم الحرية الذي يدرس الحرية علمياً من خلال تحليلها على أنها معادلة رياضية. بالنسبة إلى الحريالوجيا، الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة. لهذه المعادلة فضائل عديدة منها حلّ إشكال فلسفي أساسي ألا وهو كيف أننا أحرار رغم محكومية الكون بالعلاقات السببية والقوانين الطبيعية. 

   الكون محكوم بالقوانين الطبيعية والعلاقات السببية. وبذلك أفعالنا أيضاً محكومة بالقوانين الطبيعية والعلاقات السببية ما يتضمن أننا لسنا أحراراً لأنَّ أفعالنا نتائج العلاقات السببية والقوانين الطبيعية التي لا نتحكّم فيها. من جهة أخرى، إن لم نكن أحراراً فحينئذٍ نحن غير مسؤولين عن أفعالنا. ولكن نحن مسؤولون عن أفعالنا ولذا لا بدّ من أننا أحرار. هكذا لدينا معضلة فلسفية ألا وهي وجود حجة قوية على أننا لسنا أحراراً لأنَّ أفعالنا كالظواهر كافة محكومة بالقوانين الطبيعية والعلاقات السببية ووجود حجة قوية أخرى مناقضة للأولى دالة على أننا أحرار وإلا لم نكن مسؤولين عن أفعالنا. 

   لكن معادلة الحريالوجيا تقدِّم حلاً ناجحاً لهذه الإشكالية الفلسفية على النحو التالي: بما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة، وعلماً بأنه من الممكن ومتاح لنا أن ننتج كل المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية الممكنة (كالقِيَم والأخلاق واتباعها) لكونها ممكنة وبذلك منسجمة مع القوانين الطبيعية والعلاقات السببية الحاكمة للكون، إذن نحن أحرار رغم محكومية الكون بالعلاقات السببية والقوانين الطبيعية. هكذا تحلّ معادلة الحريالوجيا هذه الإشكالية الفلسفية فتكتسب هذه الفضيلة الكبرى ما يدلّ على صدقها. 

 

معادلة رياضية فلسفية

   معادلة الحريالوجيا معادلة رياضية فلسفية ولكنها أيضاً علمية لكونها قابلة للاختبار. إن كانت الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة+ إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة فحينئذٍ الحرية العليا كامنة في صياغة فوجود كل المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية الممكنة ما يتضمن سيادة التنوّع العقائدي والاعتقادي والسلوكي وسيادة التعدّدية في المجتمع نفسه. من هنا، إن وُجِدت الحرية أو الحريات بلا تعدّدية فحينئذٍ المعادلة السابقة كاذبة. وبذلك من الممكن اختبارها ما يجعلها علمية. ولكن لا وجود لحريات بلا تعدّدية ما يبرهن على صدق معادلة الحريالوجيا وما يفسِّر لماذا المجتمعات المتصفة بتعدّدية كبرى متصفة أيضاً بامتلاكها لحريات أكبر وأكثر. هكذا أيضاً تملك معادلة الحريالوجيا مقدرة تفسيرية ناجحة ما يشير إلى مصداقيتها. فبما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة، إذن تتحقق الحرية بتحقق التعدّدية المتمثلة بإنتاج كل المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية الممكنة المختلفة. ولذا المجتمعات المتصفة بالتعدّدية متصفة أيضاً بالحرية. 

   بالإضافة إلى ذلك، تنجح معادلة الحريالوجيا في التعبير عن أنَّ الحرية تتضمن بالضرورة الإنجازات الحضارية كالأخلاق والمعارف والعلوم والفنون والعدالة. فلا حرية بلا هذه الإنجازات لأنَّ هذه الإنجازات الحضارية تحرّرنا كأن تحرّرنا المعرفة من الجهل والتخلّف وتمكّننا من الاستمرار والتطوّر. فبما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة، وعلماً بأنَّ المعارف والعلوم والفنون والأخلاق والعدالة معتقدات وسلوكيات إنسانوية بفضل فوائدها فبها يحيا الإنسان ويتطوّر، إذن الحرية تتضمن بالضرورة إنتاج المعارف والعلوم والفنون والأخلاق والعدالة. وبذلك لا حرية لمَن لا يصوغ المعارف العلمية والفلسفية والفنون ولا ينتج الأخلاق والعدالة. هكذا تنجح هذه المعادلة في التعبير عن أنَّ الحرية تتضمن بالضرورة الإنجازات الحضارية كالأخلاق والعدالة والمعارف والفنون ما يعزِّز صدقها. 

 

ضمان التطوّر الإنساني الدائم

   تنجح معادلة الحريالوجيا أيضاً في ضمان دورنا الفعّال في بناء الحرية. فإن كانت الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة، وعلماً بأنه نحن مَن ننتج المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية، إذن الحرية من صنعنا. وبذلك تطالبنا هذه المعادلة ببناء حريتنا من خلال صياغة كل المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية الممكنة فتضمن أن نكون فعّالين في إنتاج الحرية. من هنا، تنجح معادلة الحريالوجيا في ضمان دورنا الفعّال في بناء حريتنا. 

   تتضمن هذه المعادلة أيضاً أنَّ الحرية مشروع مستمر ما يضمن التطوّر الإنساني الدائم. فبما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة، وكل المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية الممكنة تتضمن المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية التي أُكتشِفت في الماضي كما تتضمن كل المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية في المستقبل والتي لم تُكتشَف بعد، إذن تطالبنا هذه المعادلة بالاستمرار في البحث عن كل المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية التي لم تُكتشَف بعد واكتشافها ما يجعل الحرية مشروعاً مستمراً معتمداً على عملية بحث دائمة عن كل المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية غير المعروفة لدينا ما يضمن بدوره استمرارية تطوّر الإنسان وحضارته من خلال اكتشاف تلك المعتقدات والسلوكيات الإنسانوية التي لم تُعرَف سابقاً. هكذا تنجح معادلة الحريالوجيا في التعبير عن أنَّ الحرية مشروع دائم وتضمن التطوّر المستمر للإنسان وحضارته. 

   من نجاحات معادلة الحريالوجيا أنها أيضاً تعبِّر بنجاح عن أنَّ الحرية مسألة درجات فمن الممكن أن تزداد حرية الفرد أو تتناقص. فبما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة، وعلماً بأنه من الممكن لنا أن ننتج معتقدات وسلوكيات إنسانوية ممكنة أكثر أو أقل، إذن من الممكن لنا أن نكون أحراراً أكثر أو أحراراً أقل. وبذلك الحرية مسألة درجات قد تزداد أو تنقص. فمتى أنتجنا معتقدات وسلوكيات إنسانوية أكثر عددياً وتطوّراً إزدادت حريتنا وإلا تناقصت لأنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة+ إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *