حياة تستحق أن تعاش 

Views: 578

سليمان بختي

كتبت الروائية الأميركية آنا كويندلين، حائزة جائزة بوليتزر، هذا النص الذي ألقته في إحدى الجامعات إثر نيلها شهادة الدكتوراه الفخرية، وأنقله هنا إلى العربية لما يختزن من معان إنسانية وروحية :”أنا روائية. جوهر عملي يتمحور حول الطبيعة الإنسانية، والحياة الواقعية هي كل ما أعرفه. فلا تتحيروا إذن ولا تخلطوا بين الأمرين حياتكم وعملكم”. 

“عصر اليوم ستغادرون هذا المكان وفي حوزتكم شيء لا يملكه أحد سواكم.

عشرات الأشخاص يحملون الدرجة العلمية عينها، والألوف منهم سيفعلون ما تفعلونه للعيش.

لكنك ستكون الوحيد الذي يملك السيادة على حياته، الحياة “الجوانية”، لا الحياة خلف المكتب أو شاشة الكومبيوتر، أو خلف المقود، أو في الباص، بل حياة القلب.

ليست الحياة ما تعنيه أرقام الحساب المصرفي بل ما تعنيه الروح.

لا أحد يتحدث عن الروح في هذه الأيام. فمن السهولة بمكان أن أكتب ملخصا عن السيرة الشخصية بدلا من الكتابة عن الروح، لكن كتابة السيرة قد تبعث الراحة في ليل الشتاء البارد.

لكن عندما تكون حزينا او منكسرا أو وحيدا ماذا يعني ذلك، أو عندما تتسلم نتائج الفحوص والتحاليل المخبرية ولا تكون على ما يرام.

 

سأضع أمامكم ملخص السيرة:

“أنا أم لثلاثة أولاد. حاولت دائما ألا أدع عملي يقف في طريقي كأم صالحة.

لا أعتبر نفسي محور الكون.

أتحرك في الحيز العام.  أصغي…أستمع. أحاول أن أضحك.

أنا صديقة مخلصة لزوجي، وصديقة وفية لأصدقائي، وهم كذلك.

من دونهم ليس لدي ما أقوله اليوم لأنني مجرد ورقة مهملة. لذا أهاتفهم وألتقيهم على الغداء. من دونهم أتعفن، وفي أفضل الأحوال أكون مجرد وسيط في عملي، إذا لم تكن كل الأشياء التي أوردتها حقيقية.

لا يمكنك أن تكون في المصاف الأول في عملك إذا كان عملك هو كل ما تملك في الحياة.

هذا ما أود قوله لكم اليوم.

إبحثوا عن حياة حقيقية لا عن مطاردة مضنية للترقي في الوظيفة، ولا عن أكبر شيك، ولا عن أفخم منزل.

هل تعتقد أن هذه الأمور ستهمك إذا تبيّن ذات يوم أن قلبك يبطئ في حركته أو أنهم وجدوا ورما في صدرك. 

إبحث عن حياة يمكنك فيها أن تشتم رائحة الماء المالح في هبوب نسيم قرب البحر، حياة تستطيع فيها أن تراقب الصقر الموشح بالأحمر، محلقا في دوائر فوق البحيرة، أو ملاحظا الطفل الصغير مقتربا من قطعة حلوى محاولا بكل انتباه وتركيز التقاطها بأصابعه الصغيرة المرة تلو المرة.

حياة لا تكون فيها وحيدا، حياة تلتقي فيها من تحبهم ويحبونك.

تذكر دائما أن الحب ليس الفراغ، أو الانتظار. إنه عمل. هاتفهم. أكتب لهم رسالة بريدية أو إلكترونية. إبحث عن حياة تكون فيها كريما وتحقق من أن الحياة نفسها هي القيمة الأغلى ، وأن الخير فيها هو ما تسعى إلى نشره.

هذه اللحظات مختلفة حقا ومتميزة.

خذ المال الذي وفرته لمتعتك الشخصية وقدمه إلى جمعية خيرية، انهمك في تحضير حساء ساخن لأمسية دافئة.

كن أخا كبيرا أو أختا كبيرة.

كل ما تريده في الحياة أن يكون متقنا وحسنا، إن لم يكن خيّرا ونافعا فسيبقى أبدا غير كاف وناقص.

من السهل أن نضيع حياتنا وأيامنا وساعاتنا ودقائقنا، ومن السهل أن نتأكد من لون حدقات أطفالنا، ومن طريقة تصاعد السمفونية الموسيقية وهبوطها ثم تصاعدها من جديد، من السهل أن نعيش حياة بدلا من أن نحيا، تعلمت أن أحيا منذ سنوات، تعلمت أن أحب الرحلة وليس المحطة.

تعلمت أن الحياة ليست الأثواب التي نبدلها.

اليوم هوالضمانة الوحيدة التي نملك.

تعلمت أن أنظر إلى الخير في هذا العالم وحاولت أن أعيد بعضا منه لأنني آمنت بذلك تماما وكليا.

حاولت دائما أن أخبر آخرين وأفيدهم بما تعلمت وأشاركهم خبرتي. 

اعتبروا من زنابق الحقل ومن زغب الشعر في أذن الطفل.

إفتح كتابك وإقرأه وأنت تحدق إلى الشمس.

تعلم كيف تكون سعيدا، وأحسب دائما أن الحياة مرض لا شفاء منه، لذا ستحياها بفرح وشغف وكما تستحق أن تعاش”. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *