“غزو خليج الخنازير”… من أشهر العمليات العسكرية الفاشلة في الزمن الجميل

Views: 262

المحامي معوض رياض الحجل

 

غزو خليج الخنازير“، اسم العملية العسكرية الفاشلة التي أطلقتها الادارة الاميركية في العام 1961، في كوبا، حيث حاولت قلب نظام الحكم اليساري فيها، لتشكل عملية عسكرية تُشعل أزمة غير مسبوقة بين الولايات المُتحدة الاميركية وكوبا، كانت الاضخم خلال حقبة الحرب الباردة، تم حلها بعد مفاوضات شاقة بشكل سلمي ورسمت مسارا جديدا للعلاقات الأميركية الكوبية طوال عقود.

بدأت القصة في العام 1959، حين نجحت مجموعة من الثوار في كوبا بقيادة الزعيم فيدل كاسترو في الاستيلاء على الحكم في البلاد، الذي أصبح رئيساً لها في العام نفسه، بعدما نجحَ وفرقتهِ العسكرية التي شكَّلها في الإطاحة بحكومة فولغينسيو باتيستا.

أعطت إدارتا أيزنهاور وكينيدي وكالة المُخابرات المركزية الضوء الاخضر لاستخدام كافة الطرق والاساليب لإزالتهِ من الوجود: جرت محاولات تسميمه، ودعمت جماعات مُتطرفة مُناهضة للشيوعية داخل كوبا بشكل مُكثف. حتى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أتصلت بالمافيا حول أمكانية العمل سوياً لاغتيال الزعيم فيدل كاسترو. لا شيء نجح.

بدأت الادارة الاميركية تستشعر الخطر عندها، فكاسترو أعتلى الحكم، ولهُ شعبية كبيرة جداً. كانت تخشى من أن تنتقل عدوى الثورة والتغيير نحو الشيوعية فتسير الدول اللاتينية على نهجهِ الثوري اليساري، خاصة أن الدول المُحيطة بالجزيرة الكوبية كانت تعيش واقعاً أجتماعياً ،سياسياً واقتصادياً فاسداً ومُهترئاً، فرسمت بعناية خطة الانقلاب للاطاحة بكاسترو ونظام حكمهِ الثوري المعادي للامبريالية العالمية.

 

الزعيم الكوبي فيدل كاسترو

بدل أقدامها على التدخل العسكري المُباشر، أرسلت الادارة الاميركية قوات كوماندوس من المُرتزقة الكوبيين المنفيين إلى الولايات المتحدة الاميركية، بعدما درَّبتهم وسلَّحتهم في مُعسكرات تابعة للمُخابرات الأميركية، وأطلقت على العملية أسم “غزو خليج الخنازير”، نسبة إلى خليح يقع جنوبي الجزيرةالكوبية.

وفي 17 آذار من العام 1960، أعطى الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور موافقتهُ على مقترح المُخابرات، بإستخدام المنفيين المُعارضين لكاسترو في الإطاحة به.

وفي كانون الثاني 1961، تولَّى الرئيس الأميركي المُنتخب حديثاً جون كينيدي مقاليد الحكم خلفاً لأيزنهاور، فأعطى أوامرهُ باطلاق عملية “غزو خليج الخنازير” ميدانياً.

وفي 15 نيسان من العام 1961، بدأ تنفيذ العملية العسكرية الانقلابية، بحملة قصف جوي شنّتها طائرات أميركية يقودها مُتمردون كوبيون، أستهدفت بشكل رئيسي القواعد الجوية الكوبية، وبعدها بيومين أتبعت الحملة الجوية بهجوم بري.

تصدَّت القوات المُسلحة الكوبية بقيادة كاسترو بشجاعة لهجمات المُتمردين المُرتزقة، إذ كانوا أكثر عدداً منهم، وبعد أربعة أيام فقط كانت القوات المُتمردة مهزومة ومُستسلمة بعدما قُتل منها 110 رجال خلال المعارك، ووقع الباقون في الأسر(حوالي 1100) كما فقدت العديد من طائراتها.

 

فشل ذريع

فشِلت العملية فشلاً ذريعاً بعدما أخفقت الادارة الاميركية في وضع خطة ميدانية ملائمة للأوضاع في كوبا، فضلاً عن أمتناعها عن تقديم غطاء جوي مباشر ودعم لوجستي وسياسي للمُتمردين، حتى لا يبدو أنه تدخل أميركي مُباشر، أو أحتلال مباشر للجزيرة الكوبية.

تم نقل السجناء إلى السجون في جميع أنحاء الجزيرة الكوبية، وجرى استجواب بعضهم على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون: توجه الزعيم فيدل كاسترو شخصياً إلى الاستوديوهات لاستجواب الغزاة والإجابة على أسئلتهم. وبحسب ما ورد أخبر السجناء بأن إعدامهم جميعاً لن يؤدي إلا إلى تقليل أنتصارهم العظيم. اقترح تبادلاً للرئيس كينيدي: سجناء الجرارات والجرافات.

كانت المفاوضات طويلة ومُتشنجة، ولكن في نهاية المطاف، تم تبادل الأعضاء الناجين من الغزاة مقابل ما يُعادل حوالي 52 مليون دولار أميركي من الطعام والدواء. 

وطرد معظم عملاء وكالة المُخابرات المركزية والإداريين المسؤولين عن الفشل أو طلب منهم الاستقالة. 

تحملَ الرئيس كينيدي نفسهُ المسؤولية عن الهجوم الفاشل، الذي أض ربمصداقيتهِ.

إن ظهور الولايات المُتحدة الاميركية كتهديد أجنبي أدى إلى وقوف الشعب الكوبي خلف الزعيم فيدل كاسترو. 

حقق كاسترو، الذي كان دائماً خطيباً بارعاً، أعظم أنتصار، واصفاً إياه بـ “أول هزيمة إمبريالية في الأميركيتين”.

كانت عملية ” غزو خليج الخنازير” نقطة مُهمة جداً في جعل المُتمردين والشيوعيين في جميع أنحاء أميركا اللاتينية ينظرون إلى كوبا كمثال على بلد صغير يمكنهُ مقاومة الإمبريالية. عززت موقف فيدل كاسترو وجعلتهُ بطلاً حول العالم في البلدان التي كانت تهيمن عليها المصالح الأجنبية.

الدبابة التي استخدمها كاسترو شخصيا لصد الهجوم اثناء عملية خليج الخنازير.

 

تبعات “غزو الخنازير”

أدَّى فشل العملية العسكرية إلى ولادة أزمة دولية كبيرة غير مسبوقة بين كوبا والولايات المتحدة الاميركية، لكن في المقابل ظهرَفيدل كاسترو كبطل قومي في بلادهِ وأمام المجتمع الدولي، وبدأت علاقة كوبا بالاتحاد السوفياتي تأخذ منحى آخر من التعاون في مختلف المجالات، لاسيما بعدما زار أخوه راؤول كاسترو الكرملين، واتَّفق سراً مع السوفيات بقيادة نيكيتا خروتشيف على نشر صواريخ بالستية مُتوسطة المدى في أراضي كوبا، وفق أتفاق دفاع مشترك.

أنتشرت الصواريخ السوفياتية البالستية قبالة السواحل الأميركية، لردع مُخططات الادارة الاميركية في حال ما أعادت الكَرَّة وحاولت الاعتداء مجدداً على هافانا، ما أثار حفيظة واشنطن، ففرضت حصاراً بحرياً على كوبا، لمنع سفن الشحن السوفياتية من نقل الأسلحة والصواريخ إليها.

قامت بعدها الادارة الاميركية بتطبيق كل الاساليب الثائرية من خلال فرضها عقوبات سياسية وأقتصادية قاسية على كوبا، تعليق عضويتها في مُنظمة الدول الأميركية بسبب طبيعة النظام الماركسى الكوبى “المخالف للمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان”، قبل أن تُطبّق عليها حصاراً شاملاً ابتداء من العام 1967 شمل جميع مرافق الحياة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *