هل دخل الشعر “نادي الوجبات السريعة؟”

Views: 404

أنطوان يزبك

 

طفرة الشعراء جعلت من الشعر  يعادل الوجبات السريعة .

الشعر له قدسية ورهبة وطقوس تعادل طقوس العبادة .

 

قيل لابن المقفع: لمَ لا تقول الشعر؟

فقال : الذي أرضاه لا يجيئني، والذي يجيئني لا أرضاه .

إعلموا يا معشر الشعراء، أن الكلام في الشعر يوزن بالقيراط وليس كل ما يقال شعرا حتى ولو بدا لكم كذلك. فلا تكثروا ولا تحولوا كتابة الشعر إلى تسلية أو تجزية للوقت وفي غالب الأحيان،  إلى رياضة يومية ! فشتّان ما بين رياضة الأذهان وتلك المتعلقة بالأبدان !

نحن نعيش في زمن ، فاق فيه عدد الشعراء والشاعرات عدد رمال البحر ، وصار كل من يكتب كلمة ، يعرّف عن نفسه بلقب شاعر ! وكم هي وفيرة الإصدارات ومتعددة، للشاعر الواحد أو الشاعرة والتي تنبت مثل الفطر في الحقول بعد زخات المطر ، فتتكدس الدواوين ولا أحد يشتري أو يبيع!

في البدء كان الكلمة يقول الإنجيل، الكلمة مقدسة  أيها الأحباء، كما يقول فكتور هوغو في ديوانه العملاق les contemplations: “الكلمة هي كائن حيّ!”

 يقول اللورد بايرون سيد الشعر الرومنطيقي بلا منازع، في قصيدة دون جوان ، النشيد الثالث: ” أما الكلمات فهي كائنات، تتساقط مثل حبات الندى على الأفكار ، وتنتج ما هو محفز على التفكير ألف مرة!؟ لا بل مليون مرّة!”

 الشعر  هبة من الله،   لغة وجدت للصلاة منذ أن صار الإنسان عاقلا وتعلم النطق وعرف أن لهذا الكون خالقًا! الشعر  هو الكلام المقبول في سكينة المعابد ورحاب الطبيعة وفوق الرواسي والمحيطات الشاسعة الواسعة. 

كذلك يقول لورد بايرون: “الشعر هو لغة الخيال ، يبعث الروح في العدم فتسري فيه الحياة! الشعر إذن بحسب بايرون هو يد الله المحيية،أول المعجزات وأول النطق،  إنه لغة مقدسة علوية ، ربانيّة، إنه صلاة المزامير ومن الواجب أن يتلى في لحظات خاصة من خشوع وعبادة، وباختصار الشعر له حرمته، وقد حوّله كثر إلى سلعة رخيصة ومناسبات اجتماعية تافهة وفولكلورية كلها ثرثرة وخفة ومضيعة للوقت والعقل!”

مع الأسف ، تحول الشعر إلى عمل من لا عمل له وصار كل طالب شهرة، سواء من الرجال أوالنساء، يعمد إلى كتابة هذيانات يطلق عليها تسمية شعر، وهي لا تعدو كونها مجرد خواطر تمرّ بذهن طفل رضيع، ويطبعها في كتب ويدعو الأصدقاء إلى حفلات التوقيع، وتنتهي الرهجة كما تنتفي السكرة حالما تقفل أبواب الصالة ، ويقفل المعرض أبوابه..

دعوة  إلى وقفة ضمير شعرية، والحد من الإفراط في كتابة مواضيع مكررة واجترار صور سمجة بلغت حدّ الكآبة والهستيريا  من كثرة التكرار، وكأننا في رقصة حفلات الزار واستحضار الأرواح التي تنتهي بالإغماء، وفي حال استيقظ المريد ، يكون قد فقد عقله ولسانه وقلبه وسؤاله عن معنى لوجوده،  ولاتها ساعة مندم!

أتوجه باحترام ومحبة إلى الشعراء وأقول لهم: تهيبوا اللحظة وصلّوا بضراعة وتقوى وإيمان الى الشعراء الراحلين، طليعة ثقافتنا، وتذكروا الكبير محمود درويش الذي قال يوما: “الشاعر الكبير هو من يجعلني صغيرا حين اكتب ، وكبيرا حين أقرأ !”

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *