فيروز شاعرة الصوت والكلمة 

Views: 781

سليمان بختي 

ارست مطربتنا الكبيرة فيروز تقليدا صميما في مسيرتها الفنية المميزة.

لا اطلالات صحافية غير مرتبطة بعمل سيعرض وهذا ما جعل اي اطلالة لها حدثًا بحد ذاته لا بل حلمًا لاي صحافي او مؤسسة اعلامية ولو للحظات.

لا غناء لأشخاص او رؤساء وحكومات وملوك وقصور وفنادق بل غناء للشعوب والاوطان والناس.

لا خطابات او رسائل على المسرح او قبل العمل او خلاله او بعده.

هذا التقليد، وبالتعاون مع الاخوين رحباني افضى الى احترام عميق للتجربة والذات والآخر.

كان عاصي ومنصور رحباني يرددان دائما “نحن حياتنا قاسية واخترنا قيمًا قاسية. الفن ابن الوعي ابن النبالة ابن الكرم”.

ولكن على عكس السائد حول صمت فيروز تلفتنا كلمات لها وطرائق تعبير تقارب الشعر ان لم تكن الشعر بعينه.

تطلق كلماتها مثل نوتات موسيقية او كلمات مدوزنة شعريا. تطلع من الوجدان وباستهداف بسيط وشديد للمعنى.

 

عام 1964 زارت فيروز القدس برفقة عاصي ومنصور واثناء تجوالها في شوارع القدس استوقفتها سيدة وتطرق حديثهما الى مأساة فلسطين فتأثرت فيروز ولم تتمالك. ادمعت فأهدتها السيدة مزهرية تحملها وكتب الاخوان رحباني كلمات الموقف الاغنية على الشكل التالي: ” مريت بالشوارع/ شوارع القدس العتيقة/ قدام الدكاكين/ اللي بقيت من فلسطين/ حكينا سوا الخبرية/ عطيوني مزهرية/ قالولي هيدي هدية/ من الناس الناطرين”.

كتبت ذات مرة ردا على اسئلة مي مكارم حماده في “الحياة” 30/ 11/ 92 تصف عاصي :” لا رجل له دمعة بجمال دمعة عاصي. كريما حتى الطفر حتى الفقر. رجل يعلن ضعفه”.

وعن خلافاتهما قالت:” قد نكون في خلاف اثناء التدريبات وفي الكواليس ولكن عندما اخرج الى المسرح وابدأ بالغناء يتحول عاصي الى عاشق”.  ومن يشاهد عاصي يقود الفرقة في حفلة فيروز على مسرح الاولمبياد في باريس 1979 وكيف يدير وجهه اليها واضحا مفتونا ويقود صوتها بعصا المايسترو يدرك ما قصدته فيروز.

بعد وفاته قالت في احدى المقابلات “كل ما بغني بمطرح / بيكون موجود/ موجود بشخصو/ ومش بالغنية”.

 

عام 1995 اصدرت فيروز بالتعاون مع زياد البوم “الى عاصي” وفيه توزيع جديد للاغاني وكتبت على غلاف الشريط” اخترت البساطة بالكلمة. اخترت البساطة بالموسيقى. دخلت بيوت الناس ببساطة.  كتبت تاريخ وفليت”. ولما سئلت عن توزيع زياد لاعمال عاصي قالت :” لم يحب احد اباه مثلما احب زياد عاصي”. 

 

ومن الملحنين الذين تركوا الاثر البين في مسيرتها فيلمون وهبي (1916-1985). قالت عنه بحب واعجاب. “فيلمون شيخ الملحنين بحب قول شغلة عنو انو بياخد العقل وبحب شعرو وخطاباتو وتمثيلو وشكلو وقت اللي بينسى حالو هو وعم يسمعني اللحن. فيلمون خلق ضد الفشل. يعني انا بعرف فيلمون اللي جوا كمان. انسان حساس كتير وحزنو هوي اللي بيخلق الحانو مش ضحكو. ليش هوي حزين اسالوه”.

وفي عام 1989 وبعد وفاته باربع سنوات اصدرت فيروز شريط “بليل وشتي” وكتبت على غلاف الشريط” كل اللي تركتن اشتاقولك وكل اللي جايين رح يحبوك”.

 

ولكن بدا واضحا تأثرها بغياب الفنان نصري شمس الدين (1927-1983) وكان الصوت الرجولي الشريك والمعادل لصوتها. وكان الامير والجد والاب والخال والوزير والمستشار في ادواره معها. كتبت عندما توفي عام 1985 هذا الكلام:” غيابك بكاني يا نصري.. كنت قول اذا غبت بكرا بيرجع، اذا فليت بكرا بشوفو، ولا مرة غبت هيك، وفليت هالقد. كان بيلبقلك تعيش كتير بعد، كان بيلبق لصوتك يغني بعد، كان بيلبقلك العز، والاسم،..والضو يا نصري. ما سبق طلعت ع مسرح ب بلدي.. وانت مش معي.. اليوم.. لا وجهك ، ولا صوتك، ولا قلبك اللي بيشبه الدهب رح يكونوا معي.. بالماضي .. عالمسرح كنت انطرك بفرح. اليوم.. رح اتذكرك بحزن. نصري يا رفيقي الوفي / وفناني الكبير في شي بفني زاد لانك جيت وفي شي بفني نقص لانك رحت. كنت ربحي الكبير وخسرتك يا نصري”.

 

ومن الغائبين الكبار الذين خصتهم بلفتة او كلمة عميقة الفنانة صباح (1927-2014). عندما كتبت على باقة الزهر التي ارسلتها الى الكنيسة “شمسك ما بتغيب”.

 

اما الشاعر انسي الحاج (1937-2014) والمفتون بفيروز وصوتها السابح نحو المطلق فكذلك ارسلت باقة زهر الى الكنسية في يوم الوداع وكتبت “وداعا انسي”.

 

عام 2021 توفى الياس رحباني (1948-2021) وهو الضلع الثالث في العائلة والذي لحن لها العديد من الاغاني وروى لها الكثير من اللطائف. ومن خلال شريط فيديو لالياس عازفا على البيانو وعاصي  يتأمله، ومشهد له نازلا من سلم الطائرة وضحكته ملء وجهه، كتبت فيروز “هجروا الاحبة الحارة”. 

اذا كانت فيروز شاعرة الصوت الذي ملأ حياتنا وجاورنا الانجم فانها هنا وهي تكتب او تقول في المواقف التي تمس روحها ووجدانها شاعرة الكلمة وساكبة المسك على نضارة الحياة وخواء الايام. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *