الـ”دكتور سقراط”… أسطورة كرة قدم أم مُناضل؟

Views: 749

المحامي معوض رياض الحجل

 

لم يكُن لاعب خط الوسط البرازيلي سقراط مُجرد لاعب كرة قدم مُحترف قام بإمتاع عشاق اللعبة على مدار سنين، بل كان رمزاً للنضال الشريف وأبرز المُعارضين لسياسة الحكم العسكري الدكتاتوري في البرازيل ليصبح واحدا من أعظم أساطير كرة القدم في القرن العشرين.

أسمهُ الكامل هو سوكراتيس بارازيليرو سامبايو دي سوزا فيريرا دي أوليفيرا، المعروف دولياً بإسم Sócrates. أكسبتهُ شهادة الطب ووعيه السياسي لقب “دكتور سقراط“.

حَسمَ سقراط قرارهُ وهو فى الــ25 من عمرهِ حيث ترك مهنة الطب وركز كلياً على شغفهِ بلعبة كرة القدم لينتقل بعدها إلى فريق “كورنثيانس” البرازيلي ويحجز مقعداً أمامياً في تشكيلة مُنتخب بلادهِ ليبدأ أول سطور حكايتهِ البطولية مع السيليساو.

من السهل التعرف عليه على أرض الملعب من لحيته ِوشعرهِ الطويل… أصبح Sócrates اسطورة لجيل كامل من عشاق لعبة كرة القدم. كان يُعتبر من أعظم لاعبي خط الوسط. في عام 1983، حصل على لقب أفضل لاعب كرة قدم في قارة أميركا الجنوبية. في عام 2004، تم أختيارهُ من قبل الاسطورة بيليه في قائمة FIFA 100 لأعظم اللاعبين في العالم.

لعب سقراط في صفوف مُنتخب البرازيل لمدة سبع سنوات، وسجل 22 هدفاً ومثل مُنتخب بلادهِ في دورتين من كأس العالم: قاد الفريق في نهائيات كأس العالم 1982؛ لعب في خط الوسط إلى جانب زيكو وفالكاو وإيدر، الذي يُعتبر أحد أعرق المُنتخبات البرازيلية على الإطلاق.

على مستوى النوادي الرياضية، لعب سقراط في صفوف نادي بوتافوجو- SP قبل أن ينضم إلى “كورنثيانس” في عام 1978. وبعدها أنتقل إلى إيطاليا ليلعب مع نادي “فيورنتينا”، وعاد إلى بلدهِ الام البرازيل في العام 1985 لينهي مسيرتهُ الكروية على ملاعبها.

 

حياتهُ الشخصية

سقراط هو الطفل البكر لرايموندو وغيومار فييرا. ولد في بيليم بارا، وأنتقل مع عائلتهِ إلى ريبيراو بريتو، ساو باولو، في كانون الثاني من العام 1960 بعد أن حصلَ والده رايموندو على منصب مهم كمشرف على الإيرادات، أكسب هذا الاستحواذ على الوظيفة والد سقراط مكانة بطل بلدة صغيرة في  Igarapé-Açu، حيث عاشت العائلة في ذلك الوقت.

عاش الاسطورة سقراط في ريبيراو بريتو مع زوجتهِ وأولادهِ الستة. كان كاتب عمود في عدد من الصحف المحلية، ولم يكتب فقط عن النشاطات الرياضة، ولكن أيضاً عن السياسة والاقتصاد. غالباً ما ظهر في البرامج التلفزيونية البرازيلية كمُحلل لمباريات كرة القدم. قبل وفاتهِ، كان سقراط يكتب كتاباً خيالياً عن كأس العالم 2014 في البرازيل.

كان الاسطورة سقراط طبيباً، وهو إنجاز أستثنائي للاعب كرة قدم محترف. كان خريج Faculdade de Medicina de Ribeirão Preto. بعد تقاعدهِ كلاعب مُحترف مارسَ مهنة الطب في ريبيراو بريتو. شقيقهُ الأصغر “راي” كان أيضاً لاعب كرة قدم ولاعب خط وسط مُهاجماً، كونهُ عضواً في الفريق البرازيلي الذي فاز بكأس العالم عام 1994 في الولايات المتحدة الاميركية، ولعبَ بشكلٍ خاص مع ساو باولو وباريس سان جيرمان.

 

مسيرتهُ مع الأندية الرياضية

بدأ سقراط لعب كرة القدم بشكلٍ مُحترف ابتداءً من العام 1974 مع فريقBotafogo-SP  في موطنهِ الأصلي ريبيراو بريتو، لكنهُ قضى معظم مسيرتهُ، أي بين عامي 1978 و1984، مع فريق”كورنثيانس”.

في 1984-1985، عندما بلغ عمرهُ 30 عاماً، كانت لسقراط أول تجربة كروية لهُ خارج البرازيل، حيث لعبَ في دوري الدرجة الأولى الإيطالي مع “فيورنتينا”. عاد إلى الملاعب البرازيلية بعد ذلك الموسم اليتيم، مُمثلاً فلامنجو، سانتوس ونادي بوتافوجو-إس بي السابق، قبل أعتزالهِ كرة القدم نهائياً في العام 1989.

في عام 2004، بعد مُرور أكثر من عقد على اعتزالهِ، وافق سقراط البالغ من العمر 50عاماً على عقد تدريب للاعبين لمدة شهر واحد مع مدينة غارفورث التابعة لدوري شرق المُقاطعات الشمالية لكرة القدم في إنجلترا.

 

مسيرتهُ الكروية الدولية

لعب سقراط 60 مباراة مع منتخب البرازيل وسجلَ 22 هدفاً نظيفاً. وتولى قيادة المنتخب الوطني في نهائيات كأس العالم 1982 في أسبانيا برفقة العديد من الأساطير البرازيلية مثل فالكاو وزيكو بالإضافة إلى إيدير وسيرجينهو وسيريزو، وظهرَ أيضاً في مونديال 1986 بالمكسيك.

تُعد هذه التشكيلة الأبرز فى تاريخ السيليساو، وعلى الرغم من قوة ومهارة كل هؤلاء الاعبين الا أنهم فشلوا فى الفوز بالبطولة بعد الخسارة أمام المُنتخب الإيطالى بنتيجة 3-2 فى المباراة قبل النهائية التى شهدت تسجيل العملاق الإيطالى باولو روسى هاتريك.

مثل سقراط بلاده أيضاً في بطولات “كوبا أمريكا” 1979 و1983. 

أسلوب لعبهِ

كان سقراط صانع ألعاب من الطراز الاول، ومعروفاً بالتمريرات الرائعة ورؤيتهِ الثاقبة على أرض الملعب، فضلاً عن ليقاتهِ البدنية العالية. 

قال جوناثان ويلسون الذي كان عضواً بارزاً في المُنتخب البرازيلي من أوائل ثمانينيّات القرن الماضي إلى مُنتصفها، “كان سقراط عقل البرازيل. ربما لم يكن يتمتع بذوق زيكو، لكنه كان المُخابرات المركزية”. وقال جيانكارلو دي سيستي، مدرب فيورنتينا السابق: “كان سقراط رجلاً ذكياً للغاية، وكان يتمتع بمستوى رائع”.

 

أثره على السياسة في البرازيل

كان الاسطورة سقراط أحد أبرز المُعارضين لسياسات الحكومة العسكرية البرازيلية مُعتمداً على شعبيتهِ الجارفة بين الجماهير البرازيلية لينتهي الأمر بأن يؤسس حزباً ديمقراطياً جديداً من أهدافهِ محاربة ديكتاتورية وتسلط مالكي الأندية الرياضية على لاعبي فرقهم.

إذ كان العرف المُعتمد بين عامي 1970 و1980 أن يتحكم مالكي الاندية الرياضية في لاعبيهم كيفما شاءوا لدرجة وصلت بأن يمنعونهم من الخروج من غُرفهم في الفندق قبل خوضهم المباريات.

 كمعارض لاي شكل من أشكال الدكتاتورية الكروية، قام الاسطورة سقراط برفقة العديد من زملائهِ في فريق “كورنثيانس” بتأسيس نظام جديد يعتمد على تصويت اللاعبين بخصوص أي موضوع يتعلق بشؤونهم، وهو الأمر الذى نال إعجاب العديد من نجوم كرة القدم لينتشر بعد ذلك كالنار في الهشيم ويقضي نهائياً على الدكتاتورية الرياضية التي سيطرت على ملاعب كرة القدم البرازيلية للعديد من السنوات.

كان نادي”كرونثيانس” بمثابة الارض الخصبة لنظام سقراط الجديد فهو ليس بالأمر الغريب على النادي الذي إشترك دائماً فى العديد من النشاطات السياسية في بلادهِ وعُرف هذا النظام في ما بعد بــــ “ديمقراطية كورنثيانس”.وأبدى اللاعبون دعمهم الكامل للحركة الأوسع من أجل الديمقراطية، من خلال أرتداء قمصان كتب عليها “ديموقراسيا” خلال المباريات.

لم يقتصر الأمر فقط داخل المُستطيل الأخضر، ففي عام 1984 قام اللاعب المُناضل الاسطورة بقيادة مسيرة للمُعارضة مكونة من نصف مليون مواطن برازيلي مُطالباً الحكومة بإعادةأجراء الإنتخابات الرئاسية في مناخ ديموقراطي حُرّ مُهدداً أنهُ اذا ما لم يتم ذلك سيرحل عن الملاعب البرازيلية وينضم إلى الدوري الإيطالى مُعتمداً على شعبيتهِ الجارفة بهدف الضغط والتأثير على صانعي القرار في البرازيل.

في كتاب “ديمقراطية سقراط وكورنثيانس“، يتذكر الصحافي البرازيلي جوكا كفوري كيف “خاطر سقراط بالقول أمام مليوني شخص مُتجمعين في ساحة الكاتدرائية، أنه إذا لم يتم قبول الانتخابات الرئاسية المباشرة من قبل النظام، فسيذهب للعب في إيطاليا”.

ولكن ذلك لم يُحرك ساكناً لدى أهل الحكم لينتقل بعدها سقراط إلى فريق فيورنتينا الإيطالي. 

لم يُحقق سقراط العديد من الألقاب خلال مسيرتهِ الكروية الإحترافية ولكنهُ سيظل يتذكره الجمهور الكروي كأحد أعظم أساطير كرة القدم نظراً لأسلوب لعبهِ المُمتع ونضالهِ المُستمر لتنعم كرة القدم بالديمقراطية ويتحرر شعبهُ من دكتاتورية الطغاة.

 

الوصية والوفاة

أختار الاسطورة بيليه سقراط في قائمة FIFA 100 لأعظم لاعبي كرة القدم على قيد الحياة في آذار من العام 2004، وأختارته World Soccer كواحد من أفضل 100 لاعب كرة قدم في التاريخ. في تشرين الاول 2008، تم تجنيده في قاعة مشاهير متحف باكايمبو البرازيلي لكرة القدم.

في 19 آب 2011، تم إدخال سقراط إلى قسم العناية الفائقة في مستشفى أينشتاين في ساو باولو بسبب نزيف معوي ثانوي نتيجة لارتفاع ضغط الدم وخرج من المستشفى بعد تسعة أيام.

في الشهر التالي، أمضى 17 يوماً في المستشفى بسبب مرض في الكبد. في 1 كانون الاول 2011، تم نقلهُ إلى المستشفى بسبب تسمم غذائي وتم وضعه على أجهزة الإنعاش. توفي في 4 كانون الاول 2011 عن عمر يناهز 57 عاماً. بقي إرثه بسبب زوجته وأطفاله الستة.

وأشادت رئيسة البرازيل ديلما روسيف قائلة إن البرازيل فقدت “أحد أبنائها الأعزاء”. في الميدان، بموهبته ولمساته المُتطورة، كان عبقرياً. خارج الملعب كان ناشطاً سياسياً، مُهتماً بشعبهِ وبلده”.

رفع مشجعو كورنثيانس لافتات تكريماً لهُ، وكانت هناك دقيقة صمت قبل مباراة الفريق ضد بالميراس (التعادل 0-0 الذي ضمن لكورنثيانس لقبه البرازيلي الأول منذ ست سنوات) تطابق النتيجة مع رغبة صريحة منهُ، الذي صرح ذات مرة عن رغبتهِ في “الموت يوم الأحد عندما فاز كورنثيانس بكأس”. وقف فيورنتينا دقيقة صمت قبل مباراة الدوري ضد روما، وأرتدى اللاعبون شارات سوداء تكريماً لروحهِ ووفاء لها.

وغرد رونالدو مهاجم البرازيل السابق قائلاً”بداية حزينة لليوم. أرقد بسلام دكتور سقراط”. زيكو وصفه بأنه “فريد”. ووصف الإيطالي باولو روسي سقراط بأنه “جزء من تاريخنا أنقطع وذهب”. أشاد رئيس شركةGarforth، سيمون كليفورد، بـ “النعمة العظيمة” لسقراط.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *