الحرية… “رغيف”
أنطوان يزبك
حين تعزّ لقمة الخبز، في بلد كان يلقّب بلد الخير والوفر والسخاء!
عندما كان عمري أربعة عشر عاما ، سرقت قطعة خبز لآكلها، فوضعوني في السجن وأعطوني خبزا مجانيا لمدة ستة أشهر ، هذه هي عدالة البشر !
فكتور هوغو – رواية البؤساء
تعود إلى ذاكرتي فصول رواية فكتور هوغو ، والبطل جان فالجان ، أجل البطل ولو ان البعض يعتبره سارقا آثما أو ضحية مجتمع، وهو يصارع من أجل البقاء، بحثا عن كسرة خبز يقتات بها !
مرعب هو الجوع، والقلق منه كفيل بتحويل البشر إلى آلات قتل وأدوات ذلّ وأشباه بشر ، كائنات زومبي بشرونا بها منذ اندلاع ثورة تشرين..
عرف لبنان المجاعة في الحرب العالمية الأولى وهلك ثلث شعبه جوعا ومرضًا، وبقي الكلام عن فظاعة هذه الحرب بضع مرويات على لسان العجائز من الذين عاشوا تلك الحقبة وبضعة أسطر في كتب التاريخ الواهية التافهة على شكل واضعيها، التي لم تعلمنا حقائق الوطن وحقائق التاريخ ، لا بل حرمت الأجيال من المعرفة الصحيحة لحقيقة الأحداث وما حصل في كل مفاصل الوطن وليس كارثة المجاعة فحسب، وتاليا بقي الوطن وكيفية حمايته مشروعا وهميًا- علمًا أن محاولة تأليف كتاب التاريخ، بقيت مشروعا كافكاويا،له نقطة إنطلاق ولكن لا نقطة وصول.
في مناجاة جبران خليل جبران “يا بني أمي”، التي غنتها فيروز من ألحان زكي ناصيف ما يلي:
“يا بني أمي يا بني أمي
الحقّ الحقّ أقول لكم
وطني يأبى السلاسل
وطني أرض السنابل”…
كيف لأرض السنابل أن يجوع شعبها ، ويهلك أبناؤها طلبا لرغيف خبز!!
في فلسطين وعلى بحيرة طبريا أطعم السيد المسيح جموعًا غفيرة تعد بالآلاف الخمس من بضعة إرغفة وسمكتين..
قال تعالى: “إنّ الله لا يظلم الناس شيئا ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون” (يونس44).
هذا الرغيف الذي قاتلت من أجله شعوب الأرض منذ بداية الأزمنة قال عنه لينين: “الحرية رغيف”،أجل الرغيف هو العدالة هو الحرية هو السلام وإلا فعلى الدنيا السلام!!
الطمع وانعدام الضمير والأنانية أهلكت الإنسان، وما بدا علة في نفس البشر تحول إلى إبادة لا ينفع معها شيء.
ولكن يبقى بعض الخير والنوايا والمقاصد المحدودة حيث دفن الضمير ، يقول بشار بن برد:
“إذا تكرهت ان تعطي القليل ولم
تقدر على سعة لم ينفع الجود
أورق بخير ، ترجى للنوال فما
ترجى الثمار إذا لم يورق العود
بت النوال ولا يمنعك قلّته
فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود.”..
