عربةُ الحيّ

Views: 16

د. جان توما

أكرجُ بعربتي فيما يكرجُ عمري. يأخذني الدربُ إلى دروبِ الوجوهِ في الحاراتِ القديمة.

يركضُ الاولادُ حولي. يدفعون العربةَ معي. رزقي على سطحها يتأملُ طلوعَ شمسِ الرزق قبل أن يطلعَ قمرُ الغيابِ والسكونِ في حضنِ الاولاد. كبر الاولادُ، وغابوا خلف البحار. كيف جمعوا في حقائبهم ذكرياتهم؟ كيف وضّبوا أحلامهم في قلوبهم، ومضوا بأجنحتهم المتكسّرة؟

تعبَ ظهري من دفعِ العربة، ولم تتعبْ هي من الدوران. صارت جزءا من أبوابِ بيوت الحارات. تخرج النسوةُ إلى سوق خضاري المتنقّل، يتبادلن الحديث. يشتكين بفرح، من عجقة الحيّ، من أحداث الحيّ، قبل أن تنفجرَ العولمة في وجهِ البسطاء، ويصيرون قلقين على أنماط حياتهم المرتبطة بما يحدثُ في جهات العالم.

في ذلك الحيّ كانَ الطحينُ مُباركًا، يُعجنُ ويخمَّرُ، وكان رغيفُ الخبز رفيقَ أكفِّ الأمهات، وصديقَ بيتِ نار الحطب. في ذلك الحيّ كانت الحكايا مطرّزةً بملح الزمن الذي راح. هنا كان القمرُ يسهرُ مع الناس بفرح، وكانت فوانيسُ الحيّ العتيق تعجُّ بالنور والحنينْ. (Zolpidem) من جديد: من أطفأ القناديلَ وصرفَ الساهرينْ؟

***

*اللوحة للفنان محمد عزيزة ( من أعماله عام 1990)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *