الحلقة الأربعون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 263

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

كابي

 

(٤٠)

 

كان اللقاء عاصفًا في منزل الاستاذ رفيق. وكان عليّ يحاول تهدئة حنا والاستاذ رفيق يحاول إبقاء بحرفي المنزل كلّما حاول تركه هربًا من غَضب أبيه.

لم يستطع حنا أن يتمالك أعصابه وهو البحَّار العنيد والصيّاد الصَبور على رزقه. فبعد كل هذه السنين من التَرحال والتغرّب عن الدار وتركه البحر الذي يكاد أن يكون كَليمه الوحيد في هذه الدنيا، ينهار كلّ شيء!

-هدّئ من روعك يا حنا ودَعْنا نَسمع من بحر ما الحكاية. فهو حتى الآن لم ينطق بكلمة واحدة. ولم يصدر عنه أي اعتراف وكلّ ما في الأمر أن شريكه في الغرفة هو الذي أخبرك بأنه ناشط في مكتب الحزب.

-يا أستاذ رفيق لو لم يكن الأمر  كذلك لكان اعترض على تعليق الملصق في الغرفة. لقد نبهته على أنلا يقارب السياسة كما فعلت انا طيلة حياتي.

ظلّ علي يحاول تهدئة حنا قائلاً له: دَع الصبي يتكلّم يا حنا واهدأ حَتّى نستطيع أن نستمع إليه.

-أما آن الأوان أن تتكلّم يا بحر؟

-يا عم عليّ سوف أتكلّم عندما تهدأ الأمور.

أمسك الاستاذ رفيق يد حنا وأجلسه على الكنبة كما طلب من عليّ الجلوس أيضًا ونظر صوب بحر قائلًاله: لقد هدأت الأمور كما طلبت. أنطُق.

-في الحقيقة لقد تفاجأت جدًا بردّة فعل والدي. كلّ ما في الأمر أن نعمِه جاء بالملصق وعلّقه على حائط الغرفة وأنا لم أعترض كونه شريكي في الغرفة ومن حقّه أن يفعل ما يريد.

-ولكن ألم أنبهّك…

-قلنا إهدأ يا حنا ودَع الصبي يتكلّم. وماذا عن النشاط في المكتب الحزبي؟ سأل رفيق.

-دعاني نعمه لحضور محاضرة أقيمت في الجامعة فحضرتها، ومن ثمّ دعاني الى حضور اجتماعفي المكتب الحزبي فحضرته. هذا كل ما في الأمر.

-ماذا كان عنوان المحاضرة؟

-الحرية والسيادة.

-الحرية والسيادة؟ حرية مَن وسيادة من؟

-حريّة الوطن وسيادة أراضيه.

(يتبع غدًا)

***

*إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء.

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *