اللحظات الأخيرة في حياة الثائر الماركسي أرنستو غيفارا

Views: 504

المحامي معوض رياض الحجل

 

أرنستو “تشي” غيفارا (14 تموز 1928- 9 تشرين الاول 1967) المعروف باسم تشي جيفارا (Che Guevara)، أو التشي (El Che)، أو ببساطة تشي (Che)، هو ثائرماركسي ولد في الارجنتين، عملكطبيب وقائد عسكري ورجل دولة وشخصية بارزة في الثورة الكوبية التي أطاحت بنظام باتيستا في العام 1959.أصبحت صورتهُ منذ أعلان وفاتهِ رمزاً للثورة والنضال في كل مكان وشارة عالمية ضمن الثقافة الشعبية.

غادر غيفارا كوبا في العام 1965 من أجل أشعال الثورات الشعبية في الكونغوومن ثم في بوليفيا، حيث تم إلقاء القبض عليه من قبل وكالة الاستخبارات الاميركية المركزية بمساعدة القوات البوليفية وتم إعدامه.

نُقل أرنستو غيفارا (39 عاماً) الذي كان قد وقعَ في الاسر بعد ظهر يوم الاحد الواقع في 8 تشرين الاول 1967 إلى مدرسة “هيفيرا” بعد أصابتهِ أثناء المعارك برصاصة في ساقهِ منعتهُ من الفرار. وقد تعرّض طوال الليلة لاسئلة العسكريين البوليفين وشتائمهم. وقال أحد الضباط الحاقدين بسخرية: أنظروا إلى هذا المسكين الذي كان يتحدث في الماضي عن خلود الحمار. رد عليه غيفارا بحزم بقولهِ: أنني لا أؤمن الا بخلود الثورات الشعبية التي لا يخشاها الا أمثالكم الذين يخدمون مصالح بلاد الآخرين. ثم طلب أحد الضباط من أرنستو أن يوقِّع لهُ على بطاقتهِ فرفضَ رفضاً تاماً.

ثورة حتى في السجن

وقبل أعدامهِ بساعةٍ واحدة، دخلَ عليه أحد الكوبيين المُناهضين للثورة، كان يعمل كمُخبر وجاسوس لحساب المخابرات المركزية الاميركية، وبادر بالقول: أخيراً حلت ساعة الانتقام… لقد طردتني من كوبا، أتذكر ذلك؟ ورد عليه أرنستو: أنتقم ولا تخف. وهنا تقدم الكوبي من غيفارا وصفعهُ بشدة على وجههِ.

تردد الضابط الذي كُلف بإعدامهِ في البداية ولكن غيفارا شجعهُ بقولهِ: لماذا تتردد؟ وأجاب: لانك أثمن من أن تقتل.

وهنا ثار غيفارا وقال للضابط: يا أبن … أقتلني. وأجاب هذا الاخير: أنت أبن… وأطلق عليهِ رصاصة أصابتهُ في صدرهِ.

ونهض غيفارا مُحاولاً الوصول إلى مُطلق النار، إلا أن هذا الاخير بادرهُ بعدة رصاصات من رشاشهِ أصابتهُ في صدرهِ ويدهِ اليمنى وكتفهِ. وأنحنى غيفارا إلى الامام وهو يعضُ على شفتيه، ولاحقته الرصاصات فأصابتهُ مُجدداً في صدرهِ وبطنهِ وكتفهِ، كما طاشت رصاصات أخرى كثيرة أصابت الجدار من خلفهِ.

 

غيفارا في لحظة الوداع

وما هي الا لحظات حتى أنهار غيفارا وسقطَ أرضاً، بينما عيناهُ تتطلعان إلى مُطلق الرصاص وكأنه شعر بأن نهايتهُ قد أقتربت.

وراح يُتمتم: “الوداع يا أولادي الصغار، الوداع يا ايما(زوجته) الوداع يا فيدل، أوصيك بالاولاد…”. وكان دمهُ يسيل بغزارة من جروحهِ.

وعلى أصوات الرصاص، تدافعَ عدد من الضباط الذين كانوا يقفون في الخارج إلى داخل الغرفة يراقبونهُ بدهشة وهو يحتضر. حاول أن يرفع يده إلى رأسهِ، ولكنه لم يتمكن وسقطت اليد إلى جانبهِ. وفي هذه الاثناء صوّب الضابط مُسدسهُ من عيار 45 بإتجاه قلب غيفارا وأطلق عدة رصاصات ولكنهُ تحركَ ولم يمت. وأخيراً أطلق عليه الرصاصة القاتلة في رقبتهِ، ففارقَ الحياة.

بعد مرور أكثر من 55 عاماً على أغتيالهِ، أصبح غيفارا رمزاً خالداً من دون مُنازع في حياتهِ ومماتهِ. تم تحويل الغابات في بوليفيا حيث تم القاء القبض عليه والمدرسة حيث تم أعدامه إلى معالم سياحية، كذلك تم تحويل المغسل حيث وضع جسده بعد عملية أعدامهِ إلى نصب تذكاري، وجرى تشييد تمثال لغيفارا في بلدة “هيفيرا” حيث تم كتابة جملة تقول: ” أنت مثل يُضيء فجر جديد”.

أصبحت صورة وجههِ الثوري من أكثر الصور أنتشاراً، يمكن العثور عليها في مجموعة لا تعد ولا تُحصى من المُنتجات الاستهلاكية، بما في ذلك القمصان والقبعات والمُلصقات والوشم. 

من سخرية القدر أنها تُسهم في تشجيع ثقافة المُستهلك التي كان يُحاربها ويحتقرها غيفارا طوال نضالهِ الثوري، ومع ذلك لا يزال غيفارا شخصيّة يتم ذكرها على وجه التحديدعلى النطاق الشعبي الواسع كرمز للتمرد الشاب.

أن نضال أرنستو غيفارا أثبت من دون شك أن الثورة الحقيقية لا تعرف حدوداً في المكان والزمان. من الأرجنتين أنطلقإلى كوبا ثم إلى الكونغو ثم أخيراًإلى بوليفيا، رفعَ غيفارا ورفاقه نفس الشعار ونادى بنفس المبادىء من دون تغيير أو تبديل في المواقف. كان من السهل جداً على غيفارا ترك الثورة والعيش برخاء مع عائلتهِ وأولادهِ الصغار وخاصة أنهُ تم تعيينه في وقت سابق كوزير في كوبا. ولكنهُأختار الطريق الشاق والاصعب والاخطر في الوديان والغابات بحثاً عن ثوار الارض الاحرار ضد الظلم والجوع والفقر. ربما قدرهُ كرمز من رموز الثورة العالمية أن يموت باكراً. كما يُقال موتهُ فتحَ الطريق لكل ثوار الارض كونهُثائر كرس حياتهُ لنشر مبادىء الثورة. يشاء القدر أن يكون أغتيال غيفارا فرصة لتخليدهِ على صفحات التاريخ الثوري وليس نهايتهِ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *