بوصلة الدم
د. جان توما
كرّت الأفكار، أمام هذه اللوحة واشتدّ إعصارها، كأنّها عنوان كتاب بول شاوول “بوصلة الدم”، وهو قصيدة طويلة يتحدث فيها الشاعر، بجملته المكثّفة، عن صيف للدموع، ونسيان يعبر إلى نسيان.
هذه لوحة ناطقة بالكَلَم، والكَلْمُ في القاموس: الجَرْحُ، والجمع : كُلومٌَ، و كِلامٌ، ولهذا تناصّ معمّم في الكتابات، كما في قول إلياس أبو شبكة: إِجرَحِ القَلبَ واسقِ شِعرَك مِنهُ/ فَدَمُ القَلبِ خَمرَةُ الأَقلامِ.
من هذا الجرح الإنسانيّ، صاغ محمود درويش بإبداعٍ، قوله الذي أنسده مرسيل خليفة:
“لم يبق لدينا ما نعطيه أعطيناه دمنا/ أعطيناه حتى أعظمنا وجماجمنا/ ومضينا مقهورين/ لا نملك إلا بعض تراب من ماضي”.
هذا الماضي الذي يتركك وحيدًا، ولو كنت مع من تحبّ، ولكن كما يقول نيتشه الإلمانيّ: “ما أصعب الوحدة بين اثنين”. في هذه اللوحة يصحّ قول غادة السمّان: “نحن (…) وحيدان حزينان، في أعماقهما جوع الأطفال إلى حكاية دافئة قبل النوم.. ولكن.. لا أحد”…
من صادر أحلام الناس، وأودع قلوبهم جوع الشوق والحنين؟ من بدّل ترتيب جريان الفصول، فاستنسخ فصل الخريف ألف مرّة؟ من منع تفتّح براعم الربيع؟ وجفّف دمع السماء؟ ومحا الزرقة عن وجه الأفق صيفا؟من أوقف مواسم الخير ، ومطارح الحصاد؟ من أطلق النار على العصافير الطريّة؟
صارت حالنا كهذه اللوحة، نستند، خائري القوى، إلى شبه حائط، ننتظر أحلامًا لن تأتي، كأبناء زوارق الحياة، يعبرون البحر خفافًا، “يا بتوصل على الموت، يا بتوصل عَ الحريّه”…
***
*اللوحة للفنان محمد عزيزة.