الحلقة الرابعة و الأربعون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 113

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

كابي

 

(٤٤)

صبيحة ذلك الأحد وقعت الكارثة. وسمع حنا عبر الراديو أن حادثة إطلاق نار قد وقعت في إحدى ضواحي العاصمة وأن عددًا كبيرًا من القتلى قد سقط في الحادثة المشؤومة. راح حنا يدور حول نفسهفي براح الدار ويضرب الكفّ بالكفّ الى أن خطرت له فكرة الاتصال بالمطبعة لعلّ أحدًا يطلعه على مايجري في العاصمة.

توجّه حنا الى منزل المختار واتّصل بالمطبعة فأجابه الناطور بأن عليًّا وعددًا من العاملين محتجزون فيمسكن العمال، فأشار عليه حنا باستدعاء عليّ الى الهاتف وأخبره بأنه سيعاود الاتصال من جديد.

-“آلو عليّ شو صاير عندك”؟

-“الدِني مَخروبِه يا حنا” صوت الرصاص مسموع وبقوّة.

-بَحِر بحر أين بحر؟

-ألم يذهب الى القرية؟

-كلا لم يأتِ الى هنا. إسمَع يا عليّ حاول أن تجده.

-أين سأجده يا حنا؟ الدنيا مقلوبة هنا رأسًا على عقب.

-إذهب الى مسكن الطلاب عساه يكون هناك.

-يا حنا وصفت لك ما يحدث، ما أن تهدأ الأمور سأبحث عنه لا تقلق.

أقفل حنا سماعة الهاتف وانطلق الى بيت الاستاذ رفيق فعلم من شقيقته أنه لم يأتِ الى القرية هذاالاسبوع،  فطلب منها الاتصال به على رقم هاتف منزله أو على رقم هاتف مكتبه.

-“ما حدا عم بيردّ يا حنا. الدنيي مقلوبِه هَونيك”.

اشتدت الاشتباكات في العاصمة وعدة مناطق أخرى من البلاد. وقسمت هذه الاشتباكات العاصمة الىشطرين.

وبعد عدة أيام من بدء الاقتتال استطاع حنا أن يصل الى مركز عمله في ضاحية العاصمة لناحيةالشرق، وكان العمل متوقفًا فيها، غير أنه أراد أن يبحث عن وحيده بغية العثور عليه واصطحابه معه الى القرية.

وجد حنا عليّا زميل عمله في مسكن العمال في المطبعة، وفرح بلقائه سالمًا، غير أنه أخبره بعدم قدرته علىالبحث عن بحر نظرًا للأوضاع الأمنية الساخنة.

-كانت القذائف تتساقط علينا يا حنا فلم أستطع الخروج للبحث عن بحر.

-كيف السبيل الى ذلك يا علي؟

-يبدو أن الامور قد هدأت بعض الشيء دعنا نقصد منزل الاستاذ رفيق.

في الطريق الى منزل الاستاذ رفيق لاحظ حنا وعلي أن الطرقات تكاد تخلو من السيارات التي لميشاهدا إلا القليل منها، لكنهما لاحظا مرور سيارات جيب عسكرية وسيارات مدنية تنقل شبّانًا بزَيعسكري يحملون بنادق ورشاشات.

وصل الرجلان الى منزل الاستاذ رفيق فوجدا رجال شرطة على مدخل البناء الذي يسكن فيه، عملوا علىالتدقيق في هويتيهما قبل أن يسمحوا لهما بدخول المبنى.

-كيف استطعت الوصول الى هنا يا حنا؟

-جئت من القرية برفقة قريب لي وهو عسكري برتبة معاون أول.

-هل عثرت على بحر؟

-كلا يا استاذ.

-ما المطلوب مني الآن؟

-العثور على بحر وتأمين خروج عليّ الى محافظته.

-تأمين خروج عليّ هو من الممكن، أما العثور على بحر فقد يكون أمرًا صعبًا. دعنا ننجز الممكن أولاً. (Alprazolam)

أجرى الاستاذ رفيق اتصالات بمسؤولين أمنيين رسميين واستطاع تأمين ايصال علي الى نقطة عسكريةقريبة من منزله، تولّت إرساله مع موكب تحت إشراف أجهزة الدولة الى محافظته.

قبل انطلاق عليّ من المنزل، عانق حنا لفترة طويلة وقبّله قائلا له: لن يطول الفراق يا صديقي وسنلتقي عاجلا أم آجلا، بلّغ تحياتي الى أختي أم بحر، وعندما تلتقي ببحر خذه معك الى القرية. إنه وحيدك ياحنا، فاعلم كيف تحافظ عليه.

(يتبع)

***

*إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء.

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *