الظروف المتاحة لوحدة الصف والدفاع عن الوطن

Views: 34

العميد الركن م. صلاح جانبين

 

لقد نشأنا في هذا الوطن وترعرعنا تحت سمائه منذ نعومة أظفارنا، نلعب ونمرح ونجدّ ونجتهد، نتعاون بكل محبة فيما بيننا على اختلاف وتعدد توجهاتنا واتجاهاتنا، حتى تخاصمنا كان مرحًا وحبًا للحياة نجدّدها في كل يوم كما النشيد الوطني الذي نتغنّى به وننشده في بدايات أيامنا المدرسية والإحتفالية.

تعلّمنا التنافس والزّحام على مقاعد الدراسة من أجل الأفضل، نساعد الضعيف ونبارك لمن يصل أولًا، وندعم الذي تأخر، وهكذا من أجل غدٍ نرغب بأن يكون أحسن، في كل النواحي والصعد وفي كل المهن والحرف، وفي كل المجالات العلمية، الثقافية، الرياضية، المهنية، الزراعية، التجارية،…، بعيدًا عن كل المناكفات والنزاعات أو الخلافات حتى نصل بالمؤسَّسات والصروح على اختلافها إلى ما تطمح إليه الشعوب المتقدّمة والحضارية كافة، لبناء دولة قوية قادرة ومقتدرة بهمّة أبنائها وتعاونهم وتوافقهم، وبالتالي إلى سمو الوطن وعزّته وعلو شأنه.

فما هي الدولة التي نطمح إليها في ظلِّ صراع الحضارات والثقافات والنزاعات التي تلاحقنا من جيلٍ إلى جيل؟ لا اجتهاد في ذلك ولا انتقاص بما لدينا من قوانبن، وما لدينا من رجالات وقامات قانونية، وهامات وخبرات وعقول ومراجع علمية عالية، أكاديمية متخصّصة على اختلاف الحقول والصروح، تُرفع لها القبّعات احترامًا وتقديرًا، قد بنت الأسس الدستورية والقانونية المتينة، وأخرى تتابع مسيرة بناء الدولة وتداوم بسهرها على الرقي والسمو في بناء الأوطان.

 فالدولة، ذلك النظام المتكامل لعمل المؤسّسات، والمسؤول عنها، منفّذاً لوظيفته، ويتصرّف تبعًا للقوانين والتعليمات المرعية الإجراء، ووفقًا لاختصاصه. وإنَّ كلّ اختلال في التصرّف، يؤدّي إلى أزمة، تُرتّب أعباءً إدارية ومالية على المواطنين الذين يعملون تحت إمرته. تلك الدولة الملتزمة بالنظام البرلماني الديمقراطي، وقد ظهر ذلك في ديباجة الدستور، والشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات. والنظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، لكن الممارسات القائمة والصلاحيات والاجتهادات، تأخذ أحيانًا تفسيرًا مغايرًا، ما يؤدّي إلى خلل كبير في تطبيق الدستور، يخلق أزمة في السلطة يؤثّر سلبًا على المواطنين، كما على مؤسّساتهم.

تنوّع لبنان الديني والثقافي والحضاري

لقد مثّل لبنان بتنوعّه الديني والثقافي والحضاري، وتعدّدية سلطاته ومؤسّساته، نوعًا من التجانس والتفاعل بين أبنائه في مجتمع تجمع أفراده، روابط تاريخية وثقافية وإنسانية واجتماعية ومناطقية مشتركة، يكفلها القانون ضمن الاحترام المتبادل. وأنَّ هذا التميّز للمجتمع اللبناني، بتعددّيته الدينية والحزبية والثقافية والاجتماعية، مصدر غنىً يتوق إليه كلّ مجتمع وإدارته بعيدًا عن التجاذبات الطائفية والصراعات المذهبية والحزبية.

وإذا كانت السلطة تعني “القوة الشرعية، فإنَّ النفوذ هو الاستطاعة والقدرة على التأثير، والسلطة هي نفوذ مشروع بينما النفوذ هو سلطة غير مشروعة”. فالدولة بشكل عام، هي نظام المؤسّسات، بسلطاتها ونفوذها والتي ليست ملكًا أو صفةً شخصيةً للمسؤول عنها، فكلما كانت المؤسّسات تعمل بشكل مستقلّ، وللصالح العام، ارتقت الدولة إلى الأعلى، وإذا عملت للصالح الشخصي، فلا قدرةً على التأثير ولا نفوذ لها فتضيع المؤسّسة وتَفسد، وبالتالي تَفقد الدولة لمقوماتها وشرعيتها ونفوذها. 

وحينما تكون المساواة الكاملة للمواطنين هي القاعدة، وبأنَّ لكل منهم الحق في مباشرة السلطة في دوره، فمن الطبيعي، أن يرى الجميع التناوب في مباشرتها شرعيًا وقانونيًا، يقرّون لغيرهم حقّ الفصل في مصالحهم. لكن تقاسم السلطات، يُرسي نظامًا غير مستقر، تتنازع فيه الطوائف والمرجعيات لخدمة الشأن الخاص بفئة معيّنة، أو بمجموعة أو بمنطقة، بدلاً من خدمة الصالح العام، أي خدمة المؤسّسة والمواطن أيًّا يكن انتمائه وتوجّهه. وممارسة ذلك العمل، أي التقاسم والتحاصص يؤدّي إلى ضعف المواطنة وخلل في الانتماء الوطني، وبالتالي إلى ضعف الدولة.

نعم، التوافق والوفاق مطلوبان في هذه المرحلة وفي كل المراحل، والصيغة التوافقية التي يتوصّل إليها السياسيون، من منطلق المساواة والاستفادة من الفرص لكلّ أبناء المجتمع، أساسها التراضي، لكن على أساس فصل السلطات، وتنظيم العلاقة وفقًا للقانون، وعدم هيمنة سلطة أو فئة على أخرى، بما ينسجم مع التطّور الاجتماعي والثقافي للدولة. بالرغم من تعارضها مع الديمقراطية، التي تعني المساواة بين جميع المواطنين، في الحقوق والواجبات.

تفعيل الهيئات الرقابية العليا

يجب أن تكون صيغة الدولة منيعة المناعة الكافية، ومحصّنة ضد قسوة المتغيّرات السياسية الدولية، قادرة على الاستمرار في الأداء مهما تطوّرت الظروف، بتفعيل الهيئات الرقابية العليا، واحتكامها إلى المؤسّسات الدستورية، بعيدة عن كل منحى سياسي أو ارتباط ديني ومذهبي.

كذلك تكون الدولة مصدر قوة للبنانيين جميعًا والحاضنة لهم، ما يفرض على المواطنين توطيد ثقتهم بها، ودعم مؤسّساتها، ومن القيادات السياسية الترّفع في اختلافاتهم، وفي تباين وجهات نظرهم، لغة ومضمونًا، وسيلةً وهدفًا، والارتقاء إلى المستوى الذي يمكّن لبنان من مواجهة الصعوبات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يواجهها، ومن الاستجابة لمقتضيات المصلحة العامة والعيش المشترك، الذي من دونهما يفقد لبنان جوهر كيانه.

فالكلّ في لبنان يريد الدولة ومشروعها، والكلّ عاش تجارب مؤلمة وحصد النتائج، فبالوحدة والأمن والتطوّر تقوم الدولة، دولة القانون والمؤسّسات، وإن كان هناك الكثير من العثرات والمشاكل التي تعترضها. إذاً لا بدَّ لنا من التواصل والتوافق والحوار ومدّ الأيادي للتلاقي ونبذ الخلافات، بهدف الوصول إلى نتائج تهمّ كل المواطنين بكلّ فئاتهم، للحفاظ على مؤسّسات الدولة في لبنان في ظلّ ظروفها الراهنة، وفي عالم يشهد التغيّرات وتكثر فيه الأزمات والنزاعات.

ألم يحن الوقت لاستغلال الظروف المتاحة، لأن نكون صفًا واحدًا للدفاع عن الوطن من تشرذمه وانقسامه، لإعلاء شأنه ووضعه في مصاف الدول الراقية والمتطوّرة؟

مهما كان موقعنا السياسي أو الديني أو المذهبي أو المناطقي أو الحزبي، أو….، ومهما تعدّدت السلطات، وتنوعّت المراكز، واختلفت العقليات، وتشعبّت المصالح، أفراداً كنا، أو جماعات، مؤسّسات رسمية أو خاصة، نقابات أو تنظيمات، موالاة ومعارضة في ظلّ مجتمع واحد، وجب علينا، بل حتّم ذلك، أن نعمل يدًا واحدة، بجهود متضافرة لحفظ الوطن، دولةً وكيانًا، لأنَّ ما يُصيبه يطال الجميع، أفرادًا وجماعات من دون تفرقة.

إنَّ تجاوز المشاكل، أيًّا كانت طبيعتها وأهدافها، يتطلّب جهدًا ثقافيًا مثابرًا، وعملًا استثنائيًا، وتضحيات جمّة من أجل الوطن،تبدأ بجمع وتلاقي وحوارات القوى وممثلي الشعب وكل الهيئات المدركة لأخطارها، والعمل لتعميم وعي وطني ديمقراطي ومجتمعي بنّاء للوصول إلى حلول ناجعة.¬ فالكلّ مسؤول أمام التقدّم والرقيّ، والعمل السياسي متاح للعموم لجعل الأرض موطن الجميع من دون استثناء، وبالتالي يجعل الناس إخوة ولو اختلفوا. 

(https://kidsrkids.com/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *