طرابلس تستفيقُ على جريمة بحقّ الطفولة يندى لها جبينُ الإنسانية!

Views: 306

د. مصطفى الحلوة

في هذا الزمن اللبناني، حيث البلاد عند مشارف الانهيار، وحيث انعدام الدين والسقوط المريع لمنظومة القيم، لم يعُدْ مُستغرَبًا أن ننام، كلّ يوم، على خبر مؤلم، ونستفيق على خبر أشدَّ إيلامًا!..هكذا استفاقت طرابلس صبيحة اليوم (الأربعاء 19تموز 2023)-كما أورد موقع “Lebanon Debate”، على الفايسبوك – استفاقت على “قصة مروّعة، إذْ عثرَ أحدُ المواطنين على كيس أسود، يجرّه كلب، وبداخله رضيعة على قيد الحياة!”.

هي مشهدية “سوريالية”، مكتملة العناصر، تصلح لتكون فيلمًا، يختزن بعض دروس وعِبر!

تفصيلًا، فإنّ الحادثة وقعت الساعة الثالثة فجرًا، على مقربة من مبنى بلدية طرابلس، حيث مرّ أحد المواطنين في المكان، فشاهد كلبًا يجرّ هذا الكيس، الذي يصدر منه أنين، هو أنين تلك الطفلة، التي تتوجّع من جروح وخدوش، في مختلف أنحاء جسدها!

من منطلق إنساني وأريحيّة أخلاقيّة، سارع هذا المواطن لنقل الطفلة إلى المستشفى الإسلامي، القريب من موضع الجريمة!

..تعقيبًا، وقبل صدور بيانات عن المرجعيات الطبيّة الرسمية- حيث ترقد الطفلة في المستشفى الحكومي- وعن المرجعيات الأمنية والقضائية، فإنّ هذه الحادثة تتجاوز إطارها الفردي الضيّق لتغدو قضية مدينة ومجتمع، قضية رأي عام لبناني، بل هي جريمةٌ ضد الانسانية، مِصداقًا لقول الله تعالى في القرآن الكريم: “مَنْ قَتَلَ نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض، فقد قَتَلَ الناس جميعًا”(المائدة: 32).

هذه القضيّة/الجريمة تُشرّع الباب واسعًا على معاناة الطفولة المعذّبة، جرّاء العنف الجسدي والجنسي الذي يُمارس ضد الأطفال، والذي غدا ظاهرة مترسّخة، لدى شرائح واسعة في المجتمع اللبناني. علمًا أنّ جريمة اليوم، تأتي على مرمى أيام من جريمة احتلّت حيّزًا واسعًا في وسائل الإعلام على اختلافها، حول موت الطفلة لين طالب (6أعوام)، جرّاء اغتصاب جنسي لها متمادٍ، ولا زالت هذه الجريمة الشنيعة موضع متابعة من قِبَل القضاء، وثمة موقوفون من أهل الضحيّة!

..بما يخصّ جريمة اليوم، لا نريد ترجيح أيّ من الاحتمالات، حول اقترافها. فقد تكون ثمرة علاقة غير شرعيّة بين رجل وامرأة، أرادا التخلّص من آثار هذه العلاقة. ولربما كان الدافع الفقر المدقع لأسرة هذه الطفلة، فعمد الأبوان “الشرعيّان” إلى جريمتهما للتخلص من عبئها المادي. وقد يكون ثمة احتمال آخر، لا يعلمه إلّا من أقدَمَ على فعلته المروّعة!

كيفما أدرنا الأمر، وتشعّبت التحليلات والفرضيّات، حول خلفيّات هذه الجريمة، فهناك مجرمان: المجرم المباشر، أي الفاعل المادي، والد هذه الطفلة ووالدتها، والمجرم غير المباشر، وهو المتمثّل بالدولة، التي لا يمكن إبراؤها! فهي بإزاء لائحة إتّهام طويلة: وضع اللبنانيين في أتون الجوع والقهر ومعاناتهم سائر ألوان العذاب، المادي والنفسي/التساهل في الأحكام القضائية بحق ممارسي التعنيف ضد المرأة والطفل/ ترك مجتمع الطفولة من دون حماية حقيقية وتوفير العيش الكريم والهانىء له.

أجل! الدولة مسؤولة، كونها راعية شعبها، ويُفترض بها توفير الحماية لسائر فئات المجتمع، لا سيما الفئة المستضعفة، متمثّلةً بمجتمع الطفولة ومجتمع المرأة.

..لا فائدة من الكلام، ولا فائدة تُرتجى من هذا المقال/الصرخة، فدولتُنا غائبة عن السمع، ومستقيلة من كلّ مهامها ووظائفها تُجاه مواطنيها، ويصحّ فيها قول الشاعر: “لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا/ولكن لا حياةَ لمن تُنادي”.

تعقيب: على رُغم المجاعة، التي تُعانيها الكلاب الشاردة و”المشلطحة”، على أرصفة المدينة، لم يعمَد الكلب، الذي أنقذ الطفلة، حديثة الولادة، إلى التهامها!

وا أسفاه، إذْ وصلناوإلى زمن، غدا فيه الكلب أكثر إنسانيةً وعطفًا على الإنسان من بعض “الآدميين” المجرمين، عديمي الشفقة، الذين لم يرحموا الطفولة البريئة، أضعف خلقِ الله!

***

* من بيادر الفسابكة/قراءة نقديّة في قضيّة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *