هو البحر

Views: 268

د. جان توما

أنتَ في مينائِكَ جَدّي، فَنَمْ قريرَ العين، إذْ تَحْرُسُكَ طيورُ السنونو، فيما الموجُ يغسلُ قدمَيكَ بملحِهِ لِتَطيبَ شفتاي.

هذا ساحلٌ كَتَبَ التاريخُ بعضًا من حكاياتِهِ. فكم مِنْ زورقٍ رسا هنا، أَنْزَلَ عابرينَ وَنَقَلَ مسافرينَ. كم مِنْ وجهٍ تَبَدَّلَتْ ملامِحُهُ، لوَّحَتْهُ الشمسُ، وأَحْرَقَتْهُ نارُ الرّحيل.

ترتاحُ جَدّي على رصيفِ مدينةٍ بحريّةٍ، رَسَمَ أبناؤُها سِمَاتِ مَدَنيتِهَا الحديثة. أنتَ هنا، ترمي الحصى على وجهِ الماء، تواجِهُ الموجَ والأفقَ، َوَتُجَدِّلُ ضفائرَ الجُزُرِ المنسيّة، تَرْصُدُ طيورَ أيلول مارّةً  في سماءِ الميناء، ترتاحُ على صخورِ جُزُرِ النخيل، قبلَ أنْ تُتَابِعَ طيرانَها، كما أبناءُ البحرِ، إلى بلادِ الدفء.

زادَ الصقيعُ عندنا يا جَدّي. كانَتْ أحلامُنا ترتاحُ عندَ الشاطىء، وكنّا نحمِّلُها زوارقَ الورقِ التي كنّا نصنَعُهَا، وأحيانًا من خشب.كَمْ أَوْدَعَنَا القناني الفارغةَ رسائلَ الدهشةِ إلى ما وراءِ الأفق. زادَ الصقيعُ عندنا يا جَدّي، فَانْعمْ أنتَ بدفءِ غُرْبَتِكّ مَعْ والدَيك. غدًا، عندما تَكْرُجُ على هذا الشاطىءِ ستلتقي أحلامُكّ بأحلامِنَا، ولكن مع فارقِ مسافةٍ، وتُخْتَصَرُ بأنّنا كنّا نرى هذا الشاطىءَ العالمَ كلَّه، فيما صارَ العالمُ عندَك، وعندَ جيلِك، شاطئًا من شواطىءِ كونِ المعرفةِ التقنية. 

نَمْ جَدّي، سيبقى البحرُ على ملوحَتِهِ واتساعِه، وسيردُّ الموجُ ذاكرةَ الناس، وسيعجُّ الرصيفُ البحريُّ بحقائبِ العودة، كما تعودُ السنونو بعد ارتحالْ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *