سفر  الحُبّ (قراءة أولى في سفر الحب الطرابلسي”علمتنا الحياة”)

Views: 507

 

د. جوزاف ياغي الجميل

 

علمتنا الحياة…عنوان يغري بالقراءة والقراءة.

علمتنا فعل ماض يحاكي الحاضر. والماضي ذكريات تعرش في البال. تخط عِبرا وحكما

على جدران الذاكرة.

ماذا تعلمنا الحياة؟

دروس الحياة وفيرة، غلالها الحبر والحب.

أبجدية العمر أرادها الإعلامي الكبير، الأستاذ جورج طرابلسي، بحجم أيام السنة.

هي الحياة معلمة وفاعلة، تقرأ على الإنسان مزامير الشهادة والفداء.

في كل رسالة درس وعبر.

علمتنا الحياة أن نرى أخانا الإنسان بعين الرضا والجمال؛

“وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ”

واللام نهي وأمر مرصعان بالٱمال.

والميم موج من الأعماق منبعث.

والتاء قلب وتر مرصع بٱيات الفن والجمال.

ونا الجماعة نور فكر وناي إيمان بأن يد الله مع الجماعة.

وبعد، ماذا تعلّمنا مدرسة حياة جورج طرابلسي؟

دروس الحياة صعبة ومتشعبة. ولكن الدرس الأبقى والأنقى هو الحب.

بين الحب والكلمة عشرة عمر، بل وصال لا ينتهي، وسعي إلى اكتناه الكمال.

بين الكلمة البنّاءة وأقاويل الهازئين الحاسدين خيط رقيق لا تَعرِف عمقه إلا ساعة الصلاة في معبد الذات .

وتبدأ الصلاة من الآهداء: “إلى وجه أبي، ومسبحة أمي، والمرٱة…”

الوجه رمز للإباء والعنفوان.  والمسبحة رمز للإيمان. أما المرٱة فهي الوجه الٱخر للذات، في نرجسيتها والفخر، في مدينة القيم الطرابلسية والإيمان.

وفي مجال الحديث عن مرايا الذات، لفت نظري تكرار درس في غير كلمة وردت في الكتاب. إنه حتمية سقوط الأقنعة، كأن الحياة مسرحية لا تعرف نهاية لها إلا حين تسدل الستائر، ويتفرق المشاهدون.

درس ثان علمتنا إياه الحياة. إنه درس المحبة التي تتحول برقّتها إلى “زهرة العمر الوحيدة” (ص ٣٤).

أما الدرس الثالث فهو الصدق مع الذات، ومع الٱخر، خصوصا في مجال الكتابة، فلا يكتب الإنسان إلا “بصدق، ومحبة”( ص ٥٦)

دروس الحياة كثيرة وصعبة. وأصعب ما فيها أنها مبنية على قيم ثلاث أصبحت من التاريخ، في خضم اختلاف المعايير الجديدة التي يرتكز عليها المجتمع الإنساني: الصدق والمحبة وحتمية سقوط الأقنعة.

وبعد، فإننا لو تعمّقنا في دروس الحياة التي تفيض بها صفحات الكتاب، نجد أنها أسفار حبّ، في صميم مدرسة الحياة، بل قوانين إلهية وبشرية تعلن تجدّد الصدام بين الواقع والمرتجى، الحقيقة والحلم، وتفتح ٱفاق جديدة، تحيط بالصراع الحقيقي بين الكينونة والعدم.

قديما، أعلن الفيلسوف الإغريقي تأسيس المدينة

الفاضلة. وكانت أعمدتها الحقيقة والفلسفة والإنسان. أما مدينة الأستاذ جورج طرابلسي فهي مدينة الصدق والحب والجمال. وفي ذلك يقول بولس الرسول، في رسائله:

إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ.” (1 كو 13: 1).المحبة المرتكزة على فضيلتي الصدق والجمال، جمال الخير المطلق، والإيمان، والفن الراقي في الموسيقى والفكر الإبداعي الخلاّق.

يقول الفقهاء القدامى والمحدثون: ناقل الكفر ليس بكافر. ونضيف نحن: شكرا لك، أستاذ جورج طرابلسي، تنقل لنا خلاصات أعمار وأعمار بكل ما فيها من العَبر والعِبر وعبير الإيمان. كنوز معرفة شاملة، وزبدة حقائق إنسانية تستحق دراسات

ودراسات.

أستاذ جورج طرابلسي ، مبارك زادك الفكري، سفر الكلمة التي في البدء كانت، “علمتنا الحياة”، تجمع فيه مئات، بل آلافا من الدروس، أعظمها المحبة، وهي صفة جوهرية في شخصيتك المعتّقة بالعطاء والتضحية والغيريّة حتى الثمالة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *