جورج طرابلسي “رجل الدين ورجل المخابرات”!

Views: 870

سهيل مطر

 

*في تكريم جورج طرابلسي (مسرح القصر البلدي، الجديدة 7/7/2022)

 

أيها الأصدقاء

زمن قاهر، ارض مبللة بالدمع، اجراس مصادرة للحزن، اضحى وضحايا ولا اضاحي، اهراءات تتأوه، دخان، ضجيج، وجع، ويطلُّ هو:

قلم واسم علم، وأمير الأناقة والجمال والقيم.  عِطره المفضّل الحبر، وسلاحه قلم وورقة، وما استخدم مرّة لا الأظافر، ولا الأسنان، ولا السكاكين.

ولكن، ثقوا، أنّ بعض الأظافر علّمت في وجدانه، وبعض الأسنان مزّقت في شخصيّته، وبعض السكاكين، وما أكثرها في هذا الزمن، أوجعت وجرّحت ولا تزال دون التئام.

إنّه جورج طرابلسي، عشق الصحافة، وألبسها ثوب الكرامة، ثمّ دفع الثمن وتعلّم…  ويل للعشّاق من ابتسامة مغرية الى حدّ الخيانة.

هذا الصحافيّ العالي الجبين، ودّع، في هذا الكتاب، مهنة الصحافة، لينتحل، دون أن يدري، شخصيّتين:

الأولى:  شخصيّة رجل المخابرات، وراح يتنصّت علينا…  وبكلمة، ببسمة، بهمسة، ودون أن يرفع الصوت أو يهدّد بالسوط، وضعنا في زنزانة، وقال لنا:  اعترفوا، ماذا علّمتكم الحياة…؟

ورحنا نعترف:  كذبنا أحياناً، فنّصنا، ادّعينا، بكينا، ضحكنا، وصدقنا مراراً، وبحنا بجميع الأسرار، خبّأنا الكثير من الفضائح، في كتاب واحد تحت عنوان:  علّمتنا الحياة.

هل نجح جورج كرجل مخابرات؟

أمّا الشخصيّة الثانية التي تقمّصها هذا الرجل، فهي شخصيّة رجل الدين، أو كرسي الاعتراف، وفي كرسيّ الاعتراف، بعض من أسرار المخابرات.  

واعترفنا، ببعض الخجل، مع كثير من الصدق، بالأخطاء والخطايا، كنّا نبوح بما خبّأنا، وكأنّنا لا نطلب الغفران، بقدر ما نحلم بالثورة والتغيير والتمرّد، وصولاً الى الجنون، لا سيّما، كما يقول جورج، أنّ أقسى الدروس، نتلقّاها في الغالب بعد فوات الأوان.

لماذا أسألك يا رجل، لماذا يصل العاشق دائماً، متأخّراً على موعده؟

فضحتنا، يا جورج، وجاء الآن وقتُك:  أنتَ ماذا علّمتك الحياة؟

لا أسألكَ لأنتقم، ولكن لأتنصّت على صمتك، ولأتحرّش بكبريائك، وأستقي بعض الدموع العارية، وكأنّك أبو فراس وهو يقول:

إذا الليل أضواني بسطتُ يدُ الهوى وأذللتُ دمعاً من خلائقه الكبرُ.

لن أتوسّع بحكايات الوجع، ولكنّني أقرأ في عينيك، وفي جبينك، خمس أمثولات علّمتك إيّاها الحياة:

  1. الفنّ أو الفناء، وأنتَ فنّان، وباقٍ، فيما الآخرون…  ما لنا ولهم.
  2. إنّ اللذة موجة والفرح بحر، وأنتَ لا تستأهل إلّا الفرح (معليش شويّة لذّة).
  3. إن الصراع بين القلم والمال، صراع طويل، ولو كنت أنتَ من جماعة أعطنا خبزنا كفاف يومنا.

وويل لناكري الجميل، ومستغلّي عرق الجبين، والمتربّعين، على عرش سلطة، ولو كانت رابعة، ولكنّها دون ضمير.

  1. أنّ لا بديل عن حنان، وفي عينيها كلّ حنانات الحبّ والأمومة.
  2. إنّ التواضع، يا جورج، أيّها الطفل الكبير، هو بعض الجمال الذي نلهث وراءه.

واسمح لي أن أستعير بيتاً لسعيد عقل في فؤاد افرام البستاني، وأتوجّه به إليك:

إن رحتُ أُطريه يفضي رأسَه دَعَةً كرأس صنّين، يهوي، إن هوى، صُعُدا.

أخي جورج، شكراً لك، نحن ننتظر كتاباً آخر.  كتبنا نحن “علّمتنا الحياة”، قبل أن نحيا السنوات الثلاث الأخيرة، التي ربّما، علّمتنا، أكثر بكثير من أربعين وخمسين سنة ماضية.

لهذا، أضيف، مع مفعول رجعي، ما علّمتني إياه الحياة، شخصيّاً، أنّ الحياة لا تساوي شيئاً ولكن لا شيء يساوي الحياة.

بورك قلبك والقلم…  وما أجمل الأقلام التي تسرّب الحزن، وتشعّ كبرياءً وحبّاً…  وشكراً.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *