صيف ٢٠٤٨ / ماذا بعد كورونا

Views: 737

منى دوغان جمال الدين

في ليلة مقمرة من ليالي صيف ٢٠٤٨، جلست الجدة نسرين تروي لأحفادها حكاية المساء.

قالت: في زمن غير زمن جيلكم الحالي، كانت شعوب الأرض التي ترزح بغالبيتها تحت خط الفقر، تعيش حالة سكينة وطمأنينة، رغم أنها كانت تنام متضورة جوعا. ذلك أنها كانت تجد أن الهواء الذي تتنشقه والذي تخزنه في النهار كفيل بأن يؤمن لها الراحة التامة في الليل. وكانت تشعر بالسعادة حينما تتنشق الهواء دون جهد أو عناء إذ أنه كان متوفرا اربعا وعشرين ساعة على أربع وعشرين دون مقابل.

وكانوا ان ضاقت بهم الدنيا، ينظرون إلى السماء وهم يتنزهون في الحقول والبساتين والحدائق والمنتزهات شاكرين حامدين ربهم أن الهواء الذي لا غنى عنه ما زال وسيظل المتنفس الوحيد للهروب من هموم الحياة اليومية.

الى أن جاء يوم توقفت فيه الطبيعة عن ضخ الهواء في قلوب الناس بعد أن نصبت جرثومة نفسها ملكة على كافة الأراضي دون استئذان.

بدأ الهلع، وتدافع الناس ليأخذوا ما تبقى من الأوكسجين في كل زاوية من زوايا الأرض، وبدأوا تخزينه في مخابئ سرية خوفا من أن يغير عليهم قراصنة الكوفيد ويسلبوا منهم آخر الأنفاس.

أما من كانوا يعيشون عيشة السلاطين والملوك فقد خرّوا مستسلمين أمام المكلل بالتيجان وبدأوا يتوسلون اليه أن لا يقبض أرواحهم قبل أن ينعموا لهنيهات بالكنوز المكدسة في القصور والبنوك والبورصات. وبدأوا، الواحد تلو الآخر، يخلعون القناع المفبرك طوال عقود، قناعا مزركشا بالأكاذيب والخداع، ليضعوا قناعا معقما للنفوس. ولما نفذت كميات الأقنعة المعقمة ولم تصف النفوس، هرول كل بدوره إلى التجار المتنافسين ، تارة يبتزونهم بالمال الوفير وتارة أخرى يدخلون خلسة فيسرقون ما تبقى من أقنعة جديدة علّها تساعدهم على مسح الذنوب. وظل الحال على هذا المنوال والقرصنة شغالة على كل الجبهات ولم تنفع الأقنعة كلها لتعقيم الذات.

الكل في حالة خوف وقلق… الكل في حالة توجس وهذيان… وحدها الطبيعة كانت في حالة زهو وابتهاج بعد أن خلت الأرض من الانس والجن…

فهل عرفتم من هم الجان؟

 

****

–  جدتي! قصتك تفوق الخيال!!… هل حدث فعلا أن نفذ الأوكسيجين على الارض؟

–  قح! قح! يا بنيتي! يبدو انني بحاجة إلى جرعة هواء منعش.

–  عذرا جدتي! يبدو أن سردك لهذه الرواية ارهقك. تريدين أن تأوي إلى فراشك.

– سأخرج قليلا الى الشرفة، ثم استريح واخلد إلى النوم. لكن قبل أن أنام لا بد أن تعرفوا أن حكايتي ليست من نسج الخيال، بل قصة واقعية واصبحت الشغل الشاغل لكل فرد على الأرض وتداولتها الاجيال، آنذاك، حتى أمست حدوتة الحياة اليومية.

غدا، ان شاء الله، سأروي لكم تفاصيل ما حدث عام ٢٠٢٠. تصبحون على خير !

– وانت بخير جدتي.

***

(*) مقتطف من كتاب:  صيف ٢٠٤٨ / ماذا بعد كورونا، الجزء الأول – الفصل الأول

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *