مغامرة الإنتاج ودقّة الاهتمام بالتفاصيل  في “مش بس عالميلاد” للأخوين فريد وماهر الصبّاغ!

Views: 2261

د. جورج طراد

في هذه الأزمنة البالغة الصعوبة، والمُشْبَعة بالقلق المصيري الشديد، تبقى ثمّة نوافذ تُطلّ منها أضواء واعدة تُشيع بعض تفاؤل وتُبقي على الأمل بإمكانيّة تجاوز المحنة.

من هذه النوافذ المضيئة نشاط فنّي ثقافي أبصر النور قبل أيام، يتجلّى في المسرحيّة الغنائيّة “مش بس عَالميلاد” للأخوين فريد وماهر الصباغ، والتي تُعرّض على خشبة مسرح جورج الخامس – أدونيس. ويشترك في المسرحية عدد كبير من الفنانين البارزين، وفي مقدمهم كلّ من يوسف الخال وكارين رميا وريمون صليبا وأنطوانيت عقيقي وجوزف آصاف وبولين حداد ورفيق فخري وآخرون.

تدور أحداث المسرحيّة حول فكرة تجديد الإحتفالات بعيد الميلاد في قرية نائية، حيث يتولّى الأخوان ميلاد(فريد الصباغ) ومجيد (ماهر الصبّاغ) مهمّة اختيار ممثلين عن عائلات القرية للمشاركة في الإحتفالات المزمَعَة.وهنا تتداخل المعادلات القروية من قبَل رئيس البلديّة (جوزاف آصاف) والمختارة (أنطوانيت عقيقي) وتتكشّف قصص غراميّة قديمة ومتجدّدة، ومؤامرات حيكتْ في الخفاء ضد المطرب الشاب كريس(يوسف الخال) والمطربة الصبيّة كريستا (كارين رميا)، ما أدى إلى افتراقهما وهربهما بعيدا من ذكرياتهما في القرية. ثم تعود وتجمعهما احتفالات عيد الميلاد!

 

شخصيات محبّبة ومعبّرة

الشخصيات، كما رسمها الأخوان فريد وماهر الصبّاغ، محبّبة ومعبّرة في آن. وقد عرفا بمهارة واضحة كيف يوظفان طاقات الممثلين. فيوسف الخال، الحامل تجربة طويلة على الشاشات، يتبدّى هنا شابّا ديناميكيّا موغلا في الحداثة، ليس فقط من خلال شكله وملابسه ورقصه، وإنما خصوصا من خلال أغاني” الراب ” المتحركة التي قدّمها بإتقان كبير. كذلك فإن كارين رميا، صاحبة الصوت الساحر والطلّة القريبة من القلب، قد أدّت باقتدار واضح أغنيات نابضة بالحركة وبالحداثة حتى عندما غنّتْ باللغة الإسبانيّة. والسؤال هنا يفرض نفسه مباشرة: لماذا لا يُستفاد أكثر من طاقات كارين الصوتيّة بحيث يعطيها الأخوان صبّاغ أغنيات خاصة تطل بها أصيلة على الشاشات وموجات الأثير؟

أمّا ريمون صليبا فيكفي ظهوره على الخشبة ليشعل الصالة بالضحك. فهذا الممثل لديه طاقات هائلة في الكوميديا لم يستغلها المخرجون كما يجب حتى الآن، علما بأن الحوار الذي وضعه الأخوان الصبّاغ له وللنجمة أنطوانيت عقيقي قد نجح في استغلال طاقاتهما الكوميدية إلى حد بعيد. فحضور أنطوانيت عقيقي كان آسرا، صوتا وحركة وحوارا. وهذه النجمة الآتية من سلسلة خبرات واسعة ما زالت قادرة على إعطاء المزيد والجديد. كذلك فإن النجم جوزاف آصاف فقد كان حضوره كالعادة لافتا.حركتُه، صوتُه، ضحكته الرنانة على الخشبة هي علامات فارقة للنجوميّة عنده.

بولين حدّاد تفوّقت على نفسها في إدائها شخصيّة زوجة رئيس البلديّة الدلوعة التي يصعب إرضاء دلالها وتلبية طلباتها الكثيرة. بولين التي أبرز الأخوان صباغ موهبتها بشكل جيّد في هذا العمل، تستحق أن تحصل على مساحات أوسع في الأعمال الدرامية التلفزيونية. ورفيق فخري أيضا، بأناقة إدائه وحركته المحبّبة، أضفى على العمل جوّا من خفّة الظل ومن الإداء المدروس جيّدا لخدمة النص.

 

رقصات رائعة وموسيقى مميّزة

 الرقصات في المسرحية كانت رائعة، لاسيما حركة ذلك الشاب في مقدم المسرح حين كان يقف في رقصته على يد واحدة. والملابس جاءت متحركة ومتناسقة ومنسجمة مع أجواء العمل. أما الموسيقى، وهي العمود الفقَري للمسرحية، فأقلّ ما يُقال فيها إنها جاءت مميّزة. فالأخوان فريد وماهر الصبّاغ يعملان على موسيقاهما بكل إتقان، وهما على الأرجح يعرفان أنها نقطة قوتهما الأساسيّة، لذلك هما لا يتساهلان بشأنها على الإطلاق، إنما تراهما يهتمان بأدق التفاصيل المتعلّقة بها.

وهنا لا بدّ من الإشارة ولو سريعًا، إلى النص في حدّ ذاته. فحوار المسرحيّة مشغول إلى درجة كبيرة بحيث ينسجم مع أجواء العمل الميلاديّة، ويناسب بالتالي كل الأعمار ويجتذب عنصر الشباب بأغنياته المعاصرة الروح والإيقاع. كما أن ألأخوين، على ما أعتقد، يحرصان دائمًا، ولو بإشارات رمزيّة سريعة، على تناول الوضع السياسي والإجتماعي اللبناني، من خلال الإشارة الواضحة إلى فشل التقسيم مثلا، أو من خلال ما أصاب الشباب اللبناني من إنعكاسات الحرب الأهليّة، وإن كان الأخوان قد حسما أمرهما في الأغنية الرائعة التي قدماها معًا، وأكدا فيها” صرنا من جيل اللي هنّي/ نسيو قلوبن عَ المسرح”!

 

 ***

ختاما، المسرحيّة الغنائيّة” مش بس عَالميلاد” للأخوين فريد وماهر الصبّاغ، تعتبَر مغامرة فنيّة بكلّ المقاييس. يكفيهما جرأة، لا بل بطولة، أنهما غامرا بمثل هذا الإنتاج المتقن في هذه الظروف الصعبة سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا. لذلك هما يستحقان التهنئة والتشجيع لأنهما، مثلهما في هذا مثل وطنهما لبنان، يرفضان الخضوع والاستسلام.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *