بداية الرمق…

Views: 349

بسكال بلّان النشّار

 

ضمّنته جسدها

 

تربة خام… سهل خصوبة وعطاء… شجرة وحيدة وعصافير مواسم الشباب على أغصانها يغطون… يحلقون… يعودون يرحلون…. إلا ذاك النسر الحزين المترامي على أوراقها متمسكا بأظافر المتردد لا يقرب الغصن ولا يفرد جناحيه….

انتظرت حفنة من نسمة لتجمع اوراقها تحته خوفا من أن يرمي نفسه انتحارا…

أدركت غريزته اهتمامها فمكث وتمكّن من قلبها حتّى ملكه…

نشأت بينهما عاطفة وتعلق، وإدراك اختلاف تكوينهما لم يمنعهما من التقرّب…

واقفة شامخة وثابتة، أخذت على عاتقها حماية ذاك الطائر من قساوة الزمن وقررت ملء عزلته…

طابت له نظراتها حنانها غمرتها وكل طاقتها فألمح رغبة في البقاء وقضاء كل فصوله برفقتها وبدا لها عرضه كمعطف لأغصانها في أيام البرد القارص ولم تشأ إقناع نفسها بغير ذلك… فبدورها قد عانت صقيع الفصل وهو من انعزال الروح…

جمعت الطبيعة بينهما … تغريدا وزهورا فإذا بها من فرط عطائها تمحي كآبته تنعش روحه، تعيدله لذة الحياة وكل ثرواتها فقد وهبته كل الأغصان وحمولتها وثراء السهل وحصاده حتّى تضاعفت الشجيرات الصغيرة حول جزعها … يتأملها تقنعه بالعودة للطيران فيجول في الممتلكات ممتعا نظراته بالرزق الموهوب له وهدفها أن …لا تكون حاجزا أمام فرحه واكتشافه لكرم ما وهبته له…

أمعن في رفضه وتغلغل في فيئها الى ان ضمنته جسدها فحبه قد أشعل فيه بالمثل كل الشهوات…. فأصبحت روحه عائلته أمّ أحلامه وعشيقته…

فكّكت عقده وأيقظت فيه أفكارا تواقة وانسجاما مع الذات فوعدها بالسعادة والوفاء… صدقته أمّنته على أيامها ومن فرحه والأمان المغدق عليه… فرد جناحيه وشرع يقبلها ومنقاره يمزقها…ولدهشتها والمفاجأة امام جمال وعزّة جناحيه لم تنبث ببنت شفة…. و…. بفعل حب لا متناهِ…. هرق دمها وأمام هول ما رأى نفسه فاعلة واكتشافه احتضارها …من الفزع والاستغراب طار…

رحل ولم …

لم يعد ونزّ جرحها أنبت السهل قمح عشق في ذكراه… (ويتبع)

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *