شوقي أبي شقرا… وحساسية الذات الراغبة

Views: 164

 أحمد ديبو

حين تكون الكتابة في جسدها بارعة؛ بسبب تحررها من الكبت التاريخي، تصير انعطافاً شخصياً عند هذه اللحظة من الاستعمال غير المألوف لها، بحيث أن جذر الكلمة، يضئ أنماط استعمالها في القصيدة، ليس وفق القواعد الصارمة، أنما من خلال ابتكار للمعاني، نابع من مناخ القصيدة، التي تنزل فيها هذه المفردات.

في هذا المعنى، تحكم الكتابة عند شوقي أبي شقرا نزوات التعبير الشخصي، وما ينفلت من الكاتب عندما يترك زمام نفسه، وينقاد بلا وعي منه، لقوانين لغته الواعية، كتابته نزوعٌ إلى كسر الزمن نهائياً على غرار الشاعر الفرنسي، هنري ميشو، والتكسير لديه يصير بنية اللاشكل، التعاطف مع نص شوقي أبي شقرا ضروري؛ للدخول إلى عالمه الحميم، والانطلاق في قراءته، يجب أن يكون من المزاج، والحرية، والاختيارات الشخصية، وحب الشعر.

فالقصيدة عنده، في أبعادها اللفظية، واللغوية، والقواعدية، تتحدد كطاقة ديناميكية، قد لا يتقبلها القارئ العادي، أو التقليدي، والمنتمي إلى ثقافة مقفلة، إنها عوالم متشابكة، متقاطعة /متقطعة، متواصلة، متماثلة/ متنافرة، على هيئة شريط ممغنط، يقف على حدود المواجهة بين القارئ، ونفسه والمؤلف وخياله، والمجتمع وسلسلة مغالطاته، التي حوّلها الورق المطبوع المهادن والجامد أنصاف حقائق أو حقائق.

 فشعر شوقي أبي شقرا هو شعر الكمائن اللغوية، بحيث نجد أن حضور المدلول يقتضي اختلافاً في التزامن، وهذا الاختلاف يُرسي لحمة عضوية بين الداخل والخارج، الدال والمدلول، وهذه اللحمة نفسها تخضع لمزاج شخصي لدى الكاتب، من هذا المنظور تبدو اللغة الشعرية موقعاً لا تمر النشوة منه إلى القارئ، إلا بعد استنطاق الفوارق، وتغايرية نمط العلاقة المتوارثة بين اللغة والتفكير. يزاوج شوقي أبي شقرا بينهما على طريقته الخاصة، غير أننا لا نستطيع رسم حدود لهذا التزاوج، لأنها أحياناً تأخذ شكل التجربة الصوفية، وأحياناً السوريالية.

هي ليست الكتابة المستهلكة، لكنها المتناولة بروية، وسحر، وإغراء، والمكسوة بالرعشة النابضة، بالخوف المدجج بالفرح:

“تدحرجت إلى الهاوية فوفقني الله” (من “ماء لحصان العائلة”).

وشوقي أبي شقرا في شعره، يتوسل قاموساً من الكلمات، فهناك دفقٌ من الأسماء، تبحث عن ضرورة التفلّت من عقال إرث ثقافي محمّل آليات مثالية، ولذا نجده يتلذّذ بتبسيط الأمور المعقدة.

فهو كطفل يمزج العامية بالفصحى، لأن القصيدة هي ممارسة متغايرة جذرياً مع كل من سبقه، وكل من لحق به، إنها اختزال جمالي لنزواته “البيولوجية” وممارسة ثوريه تكسر القوائم، التي تساوم عليها السياقات المعقدة، إلى سياقات لغوية عفوية (تبدو عفوية) قادرة على تأمين احتمالات كبيرة لحرية الكاتب، والقارئ معاً، لينتجا كمال البداهة، في الكتابة والقراءة:

” نستأجر الحياة بغلة السكون

وحانوت البهار للأنوف الكسولة

وجنينة المسبات فلفل الشفاه

رحيق النزهة في بحر الأيقونة

نطرد القنديل الذي يطرد الفراشة

والأزرق عريس الخد

والعلبة حوافر، وحراب للخربشة على التنك” .(قصيدة “المعدن” من ديوان” لا تأخذ تاج فتى الهيكل”).

قصائد شوقي أبي شقرا، هي في مجملها توسطات بين الأنا والعالم: الواقعي والخيالي.

وأولوية للكينونة بالنسبة إلى العدم، شعره هو شعر السؤال عن علاقته بالكينونة، بالآخرين، بالعالم، بالأشياء، بالله:

“قدام الباب ثلج

 قدام المرآة غمامة

 قدام الحياة شبح

 إذن أنا المتسائل والمطعون

 وفي المرآب أصلح جرحي غضبي “(صلاة الاشتياق على سرير الوحدة).

كلمات تحتفي بذاتها، تكاد تكون رهبانية في قسوتها على نفسها، وخلوصها لغرضها، هذه كلمات مأخوذة بأصابع رقيقة، وبموجبها يتحرك النص، وينتج صوراً وفاعلية وجمالية.

شعره هو إذاً إعادة نسج اللغة، التي بفضل طابعها التداخلي، تتيح للشاعر انتاج ما لانهاية له من بنى جديدة، عبر دوزنة العلاقات، والأشياء فيما بينها وعلاقتها بالشاعر.

هي تجربة المغايرة في الكتابة، وهج الصور، لعبة موفقة للتضمين وأحياناً لغز مطلق عصي على التأويل أو التفسير، محصلة اندفاعة، وجودية مزنرة بالألم والحرائق.

***

*ronahi.net

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *