جوزف ستالين والحرب العالمية الثانية (2)

Views: 159

د. إيلي جرجي الياس

 

*الحلقة 14 من سلسلة القيادات الروسيّة والسوفياتيّة 1900-2022، رؤية تحليليّة واستراتيجيّة!! 

 

من أقصى فرص المفاوضات والاتّفاقيّات، إلى أقصى المواجهات العسكرية برّاً وبحراً وجوّاً بين الطرفين، لم يكن ثمّة مجال لعلاقة معتدلة ووسطى بين الاتّحاد السوفياتي الشيوعيّ بقيادة “الفوجد” (أي القائد) جوزف ستالين، وألمانيا النازيّة بقيادة الفوهرر أدولف هتلر!!

جوزف ستالين

 

في هجومه الشامل على الأراضي السوفياتيّة بدءاً من 22 حزيران 1941، لجأ هتلر إلى المعادلة الأوروبيّة في مواجهة السوفيات،  تحت شعار: أوروبا الموحّدة في مواجهة الشيوعية العالمية… كتائب من فرنسا فيشي، وإيطاليا الفاشية الحليفة، وإسبانيا المحايدة،  وبلجيكا وهولندا والدانمارك وبولونيا والدول الإسكندنافية، ودول البلقان الحليفة أو قيد الاحتلال،  تشترك كلّها إلى جانب القوّات الألمانيّة الغازية، فيا للهول…

ناهيك عن دعم مجموعات في الاتّحاد السوفياتي نفسه، كالفاشية الكرواتية بقيادة ستيبان بانديرا مثالاّ للاحتلال الألمانيّ القاسي والعنيد،  وسط مقاومة شعبية سوفياتية أسطورية…

صورة نادرة لبداية استسلام الجنود الالمان

 

وانطلاقاً من جميع تلك المعطيات،  وبعد انقلاب السحر على الساحر، ورجحان دفة الحرب للسوفيات بعد معركة ستالينغراد جاء الثأر السوفياتيّ الستالينيّ جبّاراً ومضاعفاً… “انطلق ستالين في انتقامه الكبير والتاريخيّ! وترك للجيش السوفياتي وخصوصاً لدى دخوله الأراضي الالمانية، أمر ترويع ألمانيا النازية قيادةً وشعباً مع ما تبع ذلك من سرقة وقتل واغتصاب وتعذيب! واستمر العنف ضد المدنيين في المناطق التي احتلها السوفيات حتى بعد انتهاء القتال. 

  الجنرال جودل والأدميرال هانس-جورج فون فريدبرغ خلال توقيعهم وثيقة الاستسلام

 

في صيف 1945، قلقاً من نطاق العنف، أصدر المشير جوكوف، القائد الأعلى لقوات الاحتلال السوفياتية، أوامر تطالب بإنهاء العنف والإساءات بحق السكان المحليين. لم يكن لهذه المطالب تأثير كبير … وفي لحظات الانتصار، تدخل ستالين في كل التفاصيل ولم يشأ أن يغضبه الحلفاء الغربيون ولو بتصرفات عابرة، فالنصر المطلوب برأيه على الالمان يجب أن يكون كاملاً، حتى دون الحدّ الأدنى من المفاوضات،  واستسلم الالمان في رامس بتاريخ 7 ايار 1945، ثمّ في برلين بتاريخ 9 ايار 1945 بحضور كبار قادة الحلفاء! وكانت الكلمة الاخيرة والفاصلة لجوزف ستالين: فانتهت حكومة فلينزبورغ، خليفة الفوهرر، حكماً! واعتقل الأميرال دونيتز، رئيس حكومة فلينزبورغ، وفريق عمله،  على يد الأميركيين!

 الجنرال جودل والأدميرال هانس-جورج فون فريدبرغ خلال توقيعهم وثيقة الاستسلام

 

 حتى في مسألة مصير الفوهرر، تدخل ستالين لترجيح الرواية الرسمية والضعيفة  أصلاً،  والتي تكلمت عن انتحار أدولف هتلر وإيفا براون في المعقل، وقد ظهر لاحقاً مدى رغبة ستالين الانتقامية تجاه هتلر! ولكن، وفي سنة 2009 سمحت السلطات الروسية للعالم الأمريكي نيكولاس بيلاتوني، بإجراء فحوصات الحمض النووي على أجزاء من جمجمة قيل أنّها لهتلر، وكانت النتائج صادمة! فالحمض النووي لتلك الجمجمة، لا يطابق مثيله، لأفراد عائلة هتلر أو إيفا! إنّ ذلك، ينسف الرواية الرسمية،  بشكل نهائي وكامل وحاسم!

صورة لوثيقة الاستسلام الموقعة في ريمس بتاريخ 7 أيار/مايو 1945

 

 ثأر الديكتاتور القويّ، جوزف ستالين، لا حدود له ، وهو عنيف للغاية! ومهما كانت الأسباب، فالنتيجة  واحدة: مزيد من الضغط على الشعب الألماني الخارج من كارثة كبرى!

العاصمة الالمانية بعد الهزيمة…

 

 ثأر ستالين بعد الحرب العالمية الثانية من هتلر والالمان حكماً، يفوق في أيامه الأولى، ثأر الفرنسيين والبريطانيين بعد الحرب العالمية الاولى من الالمان! ولولا تدخل الاميركيين  ورغبتهم باستيعاب الالمان على حساب النازية ومواقف هتلر العنصرية والمتطرفة، لكان مصير الأحداث بعد الحرب، صعباً ودقيقاً للغاية! فالمنطق أساساً، يقضي بملاحقة هتلر والقيادات النازية  السياسية والأمنية والعسكرية وحتى الادارية والاقتصادية، وليس معاقبة الشعب الالماني، لتكرار الخطأ نفسه من جديد !”

 (من كتابي: أدولف هتلر وإيفا براون من برلين إلى الأرجنتين حبّ أقوى من الحرب، دار سائر المشرق، 2019، ص 54، 56، 57).

***

* د. إيلي جرجي الياس، كاتب، وباحث استراتيجيّ، وأستاذ جامعيّ.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *