“هنا ترقد الغاوية” – كائنات لغوية

Views: 376

د. وفاء شعراني

 

تترك لك هذه الرواية هاجساً حول زمنها السردي المتحرك، وفضائها الدلالي لتأخذ رواية محمد اقبال حرب ” هنا ترقد الغاوية ” معناها من عالمٍ يبدأ وراء مستوى القصّ، قتل المرأة بدافع غسل العار وانتقاما للشرف، وجوب قتلها قديم قِدمَ الرغبة في المرأة وجوب قتل المرأة، فوجوب قتلها قديم قِدمَ أنها لا تُعفى من اتهامٍ بحجة سلوكها الجنسي، السبب الكامن وراء تلويث شرف العائلة، يخوض محمد اقبال حرب مسألة العنف القهري الجسدي ضد المرأة، سيقولون : متى كتبت الرواية ؟ أرى يد كاتبها منغلقةً على قلم روائيٍ شاعر، يحدد المكان في قلب العالم الأول من غير تفاصيل، يبني سرده على حوارات الحب، بالهمس العذري وذكريات الطفولة بصرخات الألم، يصعّده على الإيروتيكية مبتعدةً عن اللوجوس مجيزاً القول بأن هذه الرواية هي مجالٌ نموذجيٌّ لاعتبار العنف والجنس هما القوة المولّدة للعالم ، يسردهما الكاتب على  تنسيق لمتتالياتٍ من الأحداث تجري في ذلك المكان ،

أحاول استبعاد زمن القراءة، واستبعاد ايحاءات دلالات المكان ورمزية الفضاء الروائي، تنضبط القراءة بين الواقع والتخييلي، بطلٌ مهووسٌ بجسد امرأة، ستقتله الرغبة فيها، حدثٌ هائل، كارثي ، يجلب دماراً فاقمته السنون ، وعاشق شاعرقتله المستحيل في الحب ، ، وامرأة واحدة بينهما . وعلى لغزٍ كامنٍ في مونولوغ عاشق شاعر تُفتتح به الرواية ، سيؤجل حل اللغز  ، فيغلق الكاتب الرواية على عنف مشهدٍ جنسي هستيري فيسعى السرد حثيثاً إلى إقامة توازنٍ  سوريالي عجائبي بين العنف والحب ، بين شاعر وبين عاشقة أحبّتْه ، وينفذ ألعاباً ( أحداثاً ) تجعل من المعلومات المؤجلة حول الحب والعنف ، شيئا يحاول تقديمه مرادفاً للحقيقة ، يأخذك الهدف النهائي والمعنى للمبنى السردي  ، فلا يُخضع العشق والموت للعقل بل يثق بأن تلك الحالة لا يمكن إخضاعها للعقل ، بين الحياة والخضوع إحساسات ،فهل  بين السعادة والتضحية إمكانات جديدة للعقل ، يترك الجواب في خطّ بياض لتبرز مسألتان أساسيتان : الأولى أن الرواية يسردها شاعر ، والثانية أنه في مركزية قضية الرواية تحوّلت  الشخصيات إلى  كائنات لغوية ، وتجربتهم إلى تجربة لسانية،

قصائدٌ أم كابوس؟

على عتبة التحليل النفسي

كان  سامح / حودة ، يظهر ثم يختفي ، فيهز زمن القراءة ، بين اختفائه ثم ظهوره ، سمة شبحية ، سيأخذ المراهق المتلصص على جسد صابرين الحيّز الأكثرعنفاً في الرواية ،  يتقدم حودة في أعلى درجات تجليات العنف  كاشفا عن أصول غابت إشاراتها،  وبقيت غامضة حتى رمق الرواية الأخير، تعرّف على جسد صابرين مراهقاً يتيماً  متلصصاً ،( الانقضاض ص 196)، يصل إلى العالم الأول ، جميلاً أنيقاً ، حين يروي نمنة حياته ووهنه ،  وإحساسه بالعجز والكبت ، يتضح أنه ضحية أمه ، فيضيع المعنى ،  وبينما رجال الرواية ضحية العنف الذكوري وهيمنته ، والجريمة غسلاً للعار ،بعيدا ورفضا للقانون ، تأخذ رواية سامح منحىً آخر ، فتتحول صابرين في لغة التحليل النفسي إلى البديل الاستيهامي لأم سامح ، الزانية ، حملتْ به حراماً سِفاحاً ورمته على باب الملاجئ رمية الكلاب ، فوق جسد صابرين وفي اقوى وتيرة الهوس الجنسي كان يصب غضبه على أمه مصرَّاً على الانتقام منها،  ووجوب قتلها،

سامح / حودة بين الذات وذاته ، تكشفه اللغة  كما آدم وصابرين ،  وتامر ،  فإن  فهم وجودهم الانساني تحقق عبر سرد محكيات حياتهم، يعيد الكاتب تشكيل وصياغة بنيانه وأبعاده بحسب التشخيص المتخيَّل للحبكة ، يتركهم  يطلقون العنان لكوامنهم الخاصة ،  يتحاورون في قضايا الحب والدين والعادات : حوار صابرين / هنادي ، حوار آدم / هنادي ، دائما على المونولوغ واستخدام تقنيات سردية يختبئ الكاتب خلفها ، يروي بضمير الغائب ، فيكون العليم العارف ، ثم لا يلبث أن يتخلى عن هيمنته،  فيعطي الشخصيات الأخرى المروي عنها حقها في الكلام ، يضبطها جميعا في اتجاه هدف محدد ، أن تتحول إلى كائناتٍ لغوية ، وهي جميعها تقف على عتبة دخول الرواية مدخل التحليل النفسي ، و حرية التسلسل الكلامي عن تلك القوة الراغبة والمحرّكة الكامنة في اللاشعور المركّب ، كتركيب اللغة ،  إن ذهاب الراوي المباشر والصريح  إلى التحليل النفسي يتطلّب  حضورقراءة ديناميكية نفسية، نتساءل هل أن اكتشاف التحليل النفسي عن باطن الذات هو ما أنقذ صابرين ، أم أنها كانت متمتعة بمفاهيم روحية ومعنوية لكينونتها الانسانية ؟

يظهر جلياً في حوارصابرين  مع د. جون ( ص 43- 45 ) ،( 101-102) ،( 106 – 107 -108 ) أن المشكلة عميقة ، كامنة في الجذور ، وفي اللجوء للعلاج بالصدمة الكهربائية ( 111-117 ) كتقنية طبية بدا التحليل النفسي على النهج الأميركي غير واضح النهج ، تفهَّم الطبيب قلقها الحضاري ، ومحاولتها مغادرة الأراضي الأميركية وجامعتها ،  لم يشرأبداً  إلى أن الانسان العربي لا يستطيع أن يستمر في تخلفه تحت ستار الروحانية والتراث المتقوقع على ذاته ، كان موافقاً على ثقتها بالماورائيات ،  وفي حين لم تتجه الرواية الى معالجة الهوس الجنسي الهستيري لدى سامح / حودة يتبادر الى ذهن القارئ العربي سؤال حول هل  ان التحليل النفسي باكتشافه للمكبوت يتجانس ويتماشى  مع المفهوم العربي الاسلامي ؟ فليس الفعل موضوع التحليل النفسي ، إنما الهوام موطن الرغبة المكبوتة ، ليس التوغل في الهوامات الجنسية المنحرفة هو القصد من هكذا طروحات مبدئية عن العلاج النفسي، ففي أعلى درجات الانتباه واليقظة من مخاطر وصعوبة الخوض في قضايا التحليل النفسي ومتطلبات الاختصاص ، وهو ما لا أدّعيه ، يتوجه القصد إلى أمرِ ” فن العلاج ” ،  الحب هو وحده ما يجمع بين كائنين ، ادم / صابرين يلتحمان  لمجابهة الموت في وحدة ارتقائية تؤمن استمراريتهما ، لم يعرف سامح الحب كما عاشه آدم /غسان ، ولم يتخلص من الصراع فبقي على عكس تامر أسير الكبت والبُعد عن الذات ، تامر ، أبصر بنور القلب ، الحقيقة ، مؤمناً ببراءة صابرين،  لقد  أثار موته قبل الاعتذار من صابرين ( ص 98 ) حزناً في قلبها،  فكانت لدلالات هذا الموت معنىً عما يقابل قوة الحب من قوة تدميرية،  معاكسة تحبطه ، في عالم يتأرجح بين الخواء والعدم ،  لافرق في ذلك بين عالمٍ أول،  وعالمٍ ثالث،

 كيف ينبغي تركُ الآبار القديمة ايديولوجية كانت، أم اقتصادية، أو دينية … الكاتبُ مغرمٌ بالجمال، وبالحب.. هناك ما يجعل من كافة الدلالات، حالات مجردة، لا أقول وهميّة، تقول صابرين: يا هنادي في قديم الزمان وفي كل الحضارات كانت الأنثى مكان احترامٍ وتقدير ( …. )،  يا هنادي كان ذلك في الماضي العميق وقبل التوحيد ( ص 177) اليوم تنهار الآمال بالرقيّ الإنسانيّ وبسيادة العدالة ،  نتحول بفعل الحروب إلى خراب : فلا يتوقف زمن القراءة عن الإلحاح بسؤال :  من أنت يا سامح ؟ زمن القراءة يضبطك في مكانٍ ما؟ إنك تدفعني إلى أن أتوهّم عنك قصةً أخرى، لتنبثق قصةٌ عن قصة، عن قصة ، وهكذا.. إلى ما لانهاية.                                                                                                 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *