الصراع الحادّ بين حلفي شمال الأطلسي ووارسو

Views: 73

د. إيلي جرجي الياس

 

*الحلقة 18 من سلسلة القيادات الروسيّة والسوفياتيّة 1900-2022، رؤية تحليليّة واستراتيجيّة!! 

 

امتدّ الصراع خلال الحرب الباردة الثانية 2000-2020، بين المعسكرين الشرقيّ بقيادة مشتركة من موسكو وبكين، والغربيّ بقيادة واشنطن ومشاركة من الاتّحاد الأوروبيّ وحلف شمال الأطلسي، ضمن مواجهة سياسية وعسكرية واستخبارية واقتصادية خطيرة ومفتوحة على جملة من الاحتمالات والمغامرات والمفاجآت…

starsoffline jpg 768w, https://aleph-lam.com/wp-content/uploads/2022/08/DR.-Elie-Elias-soviet-leaders-2-16.jpg 1360w” sizes=”(max-width: 710px) 100vw, 710px” />

 

الحرب الباردة الثالثة

ومع الحرب الأوكرانية، ومع انحسار زمن الكورونا كوفيد 19، بدأت بالفعل الحرب الباردة الثالثة، ضمن معايير مشابهة للحرب الباردة الثانية،  مع استشعار الصراع الاقتصاديّ،  وتقدّم الحضور الصينيّ في المعسكر الشرقيّ، وتقدّم حضور حلف شمال الأطلسي في المعسكر الغربيّ على حساب الاتّحاد الأوروبيّ خصوصاً بعد انفصال بريطانيا عنه، على أمل أن تحتلّ أوروبا الجديدة دور الوسيط المفاوض بين المعسكرين المتواجهين…

إلّا أنّ المواجهة بين الجبّارين،  خلال الحرب الباردة الأولى 1947-1991، كانت أكثر وضوحاً وتمدّداً: الصراع الشاقّ والحادّ والضاري بين حلفي شمال الأطلسي بقيادة واشنطن، ووارسو بقيادة موسكو…

 

المشروع الغربيّ الأهمّ

 “منظمة حلف شمال الأطلسي واختصاراً: الناتو، هي المشروع الغربيّ الأهمّ لمواجهة التمدّد السوفياتيّ في أوروبا خصوصاً، دفاعاً في الأساس وهجوماً إذا اقتضت الظروف السياسية ذلك،  وهي منظمة عسكرية دولية تأسست عام 1949، برغبة أميركية عالية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبناءً على معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في واشنطن في 4  نيسان  1949. 

يشكل هذا الحلف نظاماً للدفاع الجماعيّ بوجه الأخطار المحدّقة، تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية، ويأتي الاتحاد السوفياتي في المركز الأوّل للدول المهدّدة للاستقرار والسلام العالميين. ثلاثة من أعضاء الناتو المؤسسين (الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة المتحدة) هم أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي، يتمتّعون بـحق الفيتو، وهم رسمياً دول حائزة للأسلحة النووية، وفي مقدّمة خط الدفاع بوجه حلف وارسو الداعم للاتحاد السوفياتي. ويقع المقر الرئيسي لحلف الناتو في بروكسل – بلجيكا، في حين أن مقر عمليات قيادة حلف الناتو يقع في بلجيكا أيضاً.

 

تفكك حلف وارسو

 أدّت ثورات 1989 إلى انهيار المنظومة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، وبالتالي إلى تفكك حلف وارسو في عام 1991، وأبرز تداعيات هذه الأحداث، زوال الخصم الفعليّ لمنظمة حلف شمال الأطلسي، وبروز ضرورة إعادة تقييم إستراتيجية الناتو وطبيعته ومهامه وأهدافه. وقد برز هذا التحول بالتوقيع في باريس على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا بين الناتو والاتحاد السوفياتي، والتي نصت على إجراء تخفيضات عسكرية محددة في جميع أنحاء القارة الأوروبية، استمرت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في كانون الأول 1991. أمّا حلف وارسو الناتج عن معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المشتركين للدول الدائرة في فلك الاتحاد السوفياتي، فهو منظمة عسكرية ترعاها المنظومة السوفياتية ومحورها موسكو. أسّست هذه المنظمة عام 1955، لتواجه التهديدات الناشئة والمفترضة من أعضاء حلف شمال الأطلسي الناتو، ومن أبرز أسباب إنشائها هو انضمام ألمانيا الغربية لحلف الناتو سنة 1955، ما اعتبره الاتحاد السوفياتي تحدياً كبيراً!! استمرت المنظمة في عملها خلال فترة الحرب الباردة حتى سقوط الأنظمة الشيوعية الأوروبية وتفكك الاتحاد السوفيتي رسمياً سنة 1991، وحينذاك بدأت الدول المنضمّة إلى الحلف تنسحب منه واحدة تلو أخرى، إلى أن حلّ الحلف بشكل نهائيّ في تموز 1991. كما انسحبت ألبانيا رسمياً من حلف وارسو عام 1968 بعد أن تبعت قيادتها النظام الشيوعي الصيني، في إطار الصراع السياسيّ السوفياتيّ – الصينيّ. كما أنّه خلال الثورة المجرية التي قامت عام 1956، قامت الحكومة وقتذاك بالانسحاب من حلف وارسو، ما أغضب القيادة السوفياتية كثيراً.

 

ربيع براغ واقتحام المجر

 ونتيجة لذلك، اقتحم الجيش السوفياتي الأحمر حصراً  المجر، وقمع تلك الثورة بعنف شديد، مستنداً  إلى مفاهيم حلف وارسو والمعايير التي يستعملها. ولاحقاً تمّ استخدام قوات حلف وارسو عدة مرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، خلال ثورة ربيع براغ عام 1968، قامت القوات الشيوعية التابعة للحلف، باقتحام تشيكوسلوفاكيا للقضاء على تلك الثورة التي كانت بقيادة ألكسندر دوبتشك.

 صراع حادّ بين حلف وارسو ومحوره الاتحاد السوفياتي، وحلف شمال الأطلسي ومحوره الولايات المتحدة الأميركية، ولكن خلف هذا الصراع السياسيّ – العسكريّ، حافظ الأميركيون والسوفيات على قنوات اتصال وتفاوض، وهيئة غامضة مشتركة بين البلدين، لمنع المواجهة المباشرة بينهما، بشكل يؤدّي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، تقضي على طموحات البلدين بالسيطرة!!” (من مقالتي العلمية: الحرب الباردة تمتدّ والمواجهات الاستخباريّة تشتدّ (1975-1990)، الدراسات الأمنية، مجلة فصلية محكمة، تصدر عن الأمن، العدد 86، نيسان 2021، ص 136، 137).

***

* د. إيلي جرجي الياس، كاتب، وباحث استراتيجيّ، وأستاذ جامعيّ.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *