“ياسمين وحنين” سهاد شمس الدين… نساء يبحثن عن أوطان
أنطوان يزبك
يقول الشاعر رينيه شار: القصيدة هي تحقيق الحب! وعلى ما يبدو أن سهاد شمس الدين تحذو حذو رينيه شار، في استعادة لكلّ المشاعر المنبثقة من لحظة الحب والعلاقة بين الحبيبين ، وذلك ليس من باب اختزان اللحظة العشقيّة في بعد زمني معيّن فحسب، بل في تلّون المشاعر بالكلمات على صوت الموسيقى التي تكتنفها الطبيعة، وتنتجها الموسيقى كما لو أنّ اورفيوس قد عبر الأزمنة ليعزف على قيثارته لحنا شجيّا لحبيبته اوريديس، لحن خلود العشق ونشيده، فلا يفرّق الموت بينهما ، ولا تختطفها أطياف الظلام من بين يديه فينزل الجحيم بحثا عنها!..
والطبيعة في القصيدة ماثلة بقوّة : وجه الريح، المغيب، صدى ، السماء والوديان ، منحدرات التلال ، الفجر،… وكأنّ وصف الطبيعة بحدّ ذاته ليس سوى وصف الجسد الأنثوي الجميل في تماهيه مع الطبيعة، وفي حيويّته الصّارخة في وجه الوجود ، وفي حركة الطبيعة التي لا تتوقف كما نداءات السامسرا الهندوسيّة في متاهات لا متناهية عابقة ببخّور التأملات البوذيةّ التجاوزيّة .
وفي سياق الجسد، في بعده الأنثوي المشتهى بين طيات أبيات القصائد؛ يقول نزار قباني:
ليس صحيحا. .
أن جسد المرأة لا يؤسس شيئًا…
ولا ينتج شيئًا..ولا يبدع شيئًا…
فالوردة هي أنثى…
والسنبلة هي أنثى.
والفراشة، والأغنية والنحلة،
والقصيدة هي أنثى..
هكذا أخطأنا أحيانا في رسم مسار الحب ّ والمشاعر ولكن يأتي الشعراء في لحظة زمنية متهافتة، من أجل وضع صورة جديدة متسامية للمشاعر والأحلام الملوّنة بكاليدوسكوب قوس قزح.
وفي القصيدة أيضا اشتمال لعبة الفصول على كادرات الشعر وشموليّة الحالة التي تجتاح الإنسان في كل ما يحتويه من أفكار متمرّدة وأحاسيس قد يعتقد أنها تنتابه لأول مرّة ..
والسرّ كلّ السرّ في القصيدة: تاهت بين الشكّ واليقين كما تقول سهاد شمس الدين، لتتحول إلى سيمفونية صادحة لكلّ الفصول، وفي رحاب الوجود الأرضي الذي صار جنّة غنّاء ترتع فيها الأيائل والطيور!
وفي خلال الكلام على هذه القصيدة كنت قد طرحت جملة أسئلة على سهاد شمس الدين ، جاءت الأسئلة و الاجابات عليها كالتالي:
– هل يرتبط الحبيب في شعرك بتعاقب الفصول؟
نعم ، هكذا تكون الأفكار في الشعر، لأنني أتكلم باسم جميع النساء، وعلى ما يبدو أن كل فصل يحمل في طيّاته قصّة حبّ مخبوءة..
-هل النّساء في خيالك تصوّر يضاهي الفكرة أم أنّك تعبّرين وأنت تستوحين أحاديث حقيقية ، ونساء قيّض لك التعرّف إلى حياتهنّ وقصص جرت لهنّ؟
أنا غالبا ما انطلق من قصص حقيقية كما وأنني أسقط مشاعر واحاسيس النساء من اللواتي عرفت بعض التفاصيل عن تجاربهنّ ، على ما أكتبه من قصائدي، والتي فيها من الحقيقة الشيء الكثير، ليس على الشاعر أن يتكلّم بالضرورة بلسان حاله فقط ، فهو مرآة لما يحيط به، وله صفة الرّائي الذي ينقل كلّ مشاعر الناس خاصّة في الأمور الدقيقة.
-هل تشعرين بأن شعرك يشكل نوعًا من التكثيف للحب الحقيقي أو شعورا ما يصعب تحديده وبلورته؟
ما أدرانا ببواطن النفوس ،إذ نحن حكما لا نعرف ماذا يوجد في داخل الآخر، كما أننا لا نستطيع أن نتكهّن .في هذا السياق أستطيع أن أقول إن لا شيء يبقى على حاله، هذا على الأقل ما هو واضح، وهناك دائما ثمّة توق وشوق إلى علاقات مثالية، خياليّة تخلو من الشّوائب!
أمّا التكثيف لمفهوم الحبّ الأنثوي الحقيقي كما نعرفه في ملكوت الشعر والفنّ وعلم النفس، فأقول نعم هذا ما أقصده فعلا، قمّة الحب هكذا! !.
وتتابع سهاد شمس الدين قائلة :
دائما أشعر أن في لحظات كتابة القصيدة الأكثر صدقًا،ثمة ما يشبه الانعتاق من كل ما هو ارضي والاتجاه إلى ما يفوق المادّة بأضعاف، أي السير قدما نحو مشكاة صافية من أرقى المشاعر والأحاسيس الأكثر صدقا!
وتقول سهاد شمس الدين أيضا عن نساء قصائدها:
بعض النساء يعشقن لكي يتحولن إلى أنصاف آلهة ، فيتبرّجن صباحا بيد أنهنّ يبكين مساء …
والبعض الآخر يعشقن لكي يتحولن عطرًا مشكولا على صدور الرجال أينما رحلوا أو ذهبوا …
وبعض النساء، يعشقن لكي يتحولن مجنّدات في جيش عاشق متهوّر ، لا يعترف بالخطوط الحمر ولا يقيم لها وزنًا!
والبعض الآخر ، وهنّ كثر يعشقن الأوهام! وهم الحب المرتجى من حبيب غائب ، لا يسكن سوى في خيال القصائد…
هذه باختصار نساء قصائدي، قصائد تبحث عن أوطان تطفح حبًّا وعشقا وسلاما، لكيما يصبح الحبيب وطنًا وأرضًا وخُبزا وواحات ماء قراح زلال وراحة نفس وبال…
وقديما قال الشاعر شفيق المعلوف:
تلك الجذوع التي كنّا نيمّمها
وكان منطبعًا في قلبها اسمانا
إن كان ألقى بها للنار حاطبها
فالحبّ عاد بها نارا كما كانا…
***
ياسمين وحنين
سهاد شمس الدين
ياسمينٌ وحنين…
وسائلٌ يسأل وجه الريح
وهو يلهث من طريق طويل
هل يا تٌرى تحبّني؟؟
وهل تزورني كلّما عصَفَ بيَ جنوني وقت المغيب…
وهل تسمع صدى الأمنيات
حين يذبحني على مهل هديل اليمام
وكأنّي أصحو على نغم صوتها المسافر
بين السماء والوديان
ياسمينٌ وحنين…
ووجهٌ مألوفٌ لقصيدة
تاهت يوماً بين براثن الشكّ واليقين
في أن تكون كالشمس كالمرايا
تقبّل سرّاً ثوب البنفسج المُلتصقِ على جسدٍ نحيل
أو تكون كمنحدرات التلال…
آناً تصطاد أحلام الآيائل
وآنا تزرع لها الفجر عُرساً للنصر
وضوء قنديل
ياسمينٌ وحنين…
هذا هو اسم حبيبي
حين يهاجر الصيف باكراً
وحين يأتي الشتاء باكراً
وحين يتسمّر في مكانه خائفاً الربيع
أو حين يأبى الخريف الغناء
بعد أن تهدّج صوته
من مناداته العاشق الحزين…..
الحب في عهدة الأشواق والفصول