محبرة الندى
د. جان توما
يكتب الضبابُ القصصَ الحزينة، كما يروي الحكواتي أخبارَ الأيام الخوالي. كان أيلول يحيكُ قصصَ اللقاءات، وحكاياتِ صوف أوّل حطبات الموقدة، واليوم يلتقط الأهل قوارير الشوق، يجمعون حبّات ندى الضباب كتيجان الياسمين، رغبة منهم، في جلساتهم أمام مصطبات بيوتهم، أن يستعيدوا وجوه أولادهم، الذين حملتهم زوارق الضباب، وأخفتهم في شرايين قلوبهم ومسامات أعمارهم.
يا الوجوه النضرة المغادرة كأوراق روزنامة حائط البيت العتيق، افرحي برحيلك، ولو على وجع، فما عاد البلد بساط ريح، بل صار الريح المتقلّبة على ألم وأنين. يحمل الأبناء جراحهم ويغادرون. صارت الطرقات خجلى من خطوات العجائز الوحيدة، لم يعد الاولاد يرسمون بالطباشير على الأرض. لملمت الأشجار في أيلول أوراقها ونثرتها إذ لم تعد تخاف عليها لندرة الخطوات الفتيّة على الدروب، إذ ارتحل المارّة الشباب إلى أرصفة العالم، وصار البعاد سمة المتعلّقين برجاء الحياة.
اطلع أيّها الضباب على مهل، من دون خوف، لن يركض إليك اطفال الحيّ ليخترقوا شفافيتك، ولن تتنسّم وجوه العاشقين طراوة نداك، غادرت الديار ديارها، وبقي الشجر يغني موّاله فيلقى صداه.
***
*إهدن- الصورة من سايد المكاري-