بوتين، وكرة اليمين المتطرّف الملتهبة من أوكرانيا إلى أوروبا

Views: 119

د. إيلي جرجي الياس

 

 *الحلقة 39 من سلسلة القيادات الروسيّة والسوفياتيّة 1900-2022، رؤية تحليليّة واستراتيجيّة!!

 

في خطوة انتخابيّة أوروبيّة لافتة، وبعد أسابيع معدودة من انتصار اليمين المتطرّف في الانتخابات السويديّة، فاز حزب جورجيا ميلوني المعروف بـ “فراتيلي ديتاليا”، أي إخوة إيطاليا، والذي له أصول وجذور فاشيّة جديدة، بنسبة عالية من الأصوات في الانتخابات الإيطاليّة، يوم الأحد 25 أيلول 2022، وفق النتائج العامّة…

 

ميلوني التي تقود ائتلافاً محكماً، يتوقع أن يفوز بغالبية مقاعد البرلمان، ويؤلف حكومة هي الأكثر يمينيّة في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية!! وعلى ضوء الحرب الأوكرانية، فهذا التغيير هائل ومتقدّم في إيطاليا، وهي العضو المؤسّس في الاتحاد الأوروبيّ، وثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو!!

أخيراً وليس آخراً، عبر اندلاع الحرب الأوكرانيّة منذ 24 شباط 2022، تلقّف الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، بيديه الباردتين، كرة اليمين المتطرّف في أوكرانيا، الملتهبة والمدعومة من الغرب، ورماها باتّجاه أوروبا، لإحداث التغيير المنتظر… “عشرون سنة 2000 – 2020 – خلال الحرب الباردة الثانية – بين المعسكر الشرقيّ بزعامة روسية – صينية مشتركة والمعسكر الغربيّ بزعامة الولايات المتّحدة الأميركية!!

 

***

محطّات من المواجهات السياسية والاستخبارية تميل إلى السخونة أحياناً… وأبرز هذه المحطّات بالنسبة للمواقف الروسية الصامدة في خضمّ الصراع الروسيّ – الأميركيّ: لقد قرّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعزيز مكانة روسيا وتمتينها في المناطق التابعة سابقاً للاتحاد السوفياتي، سياسياً، وعسكرياً إذا اقتضت الحاجة، فالحرب الشيشانية الأولى 1994 – 1996 أدّت إلى استقلال فعليّ لا رسميّ لجمهورية الشيشان وانكفاء روسيا… إلّا أنّ الرئيس فلاديمير بوتين قرّر حسم القضية لمصلحة روسيا، فكانت الحرب الشييشانية الثانية 1999 – 2009 !! في 23 أيلول 1999 أعلنت روسيا الحرب، ودفعت بنحو ثلاثين ألف جندي إلى الحدود الشيشانية، لتدخلها وتواصل تقدمها إلى غروزني التي وصلتها في اليوم الأول من عام 2000، أي بعد يوم واحد من تولي بوتين رئاسة البلاد إثر استقالة يلتسين.

 

***

وهكذا بدأ الرئيس بوتين عهده، بقبضة حديدية في القوقاز!! وفي نهاية المطاف، تمكن المركز الفدرالي من حشد الدعم لمفتي الشيشان أحمد قديروف، والذي انتخب فيما بعد رئيساً لجمهورية الشيشان. اغتيل أحمد قديروف في 9 أيّار 2004، وقد بات ابنه رمزان لاحقاً، رئيساً للجمهورية الشيشانية، سنة 2007… كلّ ذلك وسط حرب استخبارية ضروس بين الروس والمعارضة الشيشانية وخلفها خصوم موسكو!! لقد برهن النجاح الروسيّ في الشيشان، مع الرئيس بوتين، حجم القدرات العسكرية والإمكانيات الأمنية والاستخبارية الروسية، في مناطق الاتحاد السوفياتي السابق، بحيث بات يحسب لروسيا ألف حساب، من قبل الأميركيين والغربيين، في حال محاولتهم إثارة الاضطرابات في المناطق المحسوبة على روسيا، التي استعادت قدراتها الاستراتيجية مع الرئيس فلاديمير بوتين…

 

***

تابع الرئيس بوتين خطّته الاستراتيجية، مدعوماً من الرئيس ميدفيديف… فتدخّل ضد جورجيا سنة 2008، وثبّت الاستقلال الذاتيّ لأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا بحماية روسية!! وضمّ القرم إلى الاتحاد الروسيّ، بعد استفتاءٍ فيها، إثر مواجهة حاسمة مع أوكرانيا، سنة 2014!! وتدخّل إثر الحرب بين أذربيجان المدعومة من تركيا وجمهورية أرتساخ المدعومة من أرمينيا، سنة 2020، متوسطاً بين الطرفين، فارضاً شروطه الاستراتيجية، رغم انتصارٍ محدود لأذربيجان!! إنّه زمن النجاحات الروسية السياسية والاستخبارية والأمنية ، في منطقة القوقاز، والمناطق التابعة للاتحاد السوفياتي سابقاً…” (من مقالتي العلمية: ما بين تجلّيات الحرب الباردة الثانية، وبداية الألفية الثالثة، الدراسات الأمنية، مجلة فصلية محكمة، تصدر عن الأمن، العدد 89، كانون الثاني 2022، ص 102، 103).

 

***

* د. إيلي جرجي الياس، كاتب، وباحث استراتيجيّ، وأستاذ جامعيّ.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *