“فخاخ”… على جوانب الطريق

Views: 11

أنطوان يزبك

 

إنّ القدّيس لا يهدر طاقاته متذمّرا من عيوب الآخرين ، إنّما هو قادر أن يصمت إزاء أخطاء الإخوة ، ويتجنبّ العنف الكلامي الذي يدمّر ويسيء المعاملة . . .  قداسة البابا فرنسيس (من رسالة إفرحوا وابتهجوا).

 

من اقذع المثالب والارتكابات المنحطة أن يقهر إنسان، إنسانا آخر بكلام وألفاظ نابية مسيئة قاهرة مهدمة للنفس والشخصية، يستتبعها بأعمال وحركات وأصوات هي أكثر قتلا من الرصاص أو القنابل ، فالفتك المعنوي خطر للغاية وأكثر إيلاما من كل أسلحة الأرض وسيوفها وخناجرها وسكاكينها المسننة كالشفار الحادّة!!…

سمعنا كثيرا أن التنمّر، في بلدان  حول العالم، أدّى إلى الانتحار والقتل،  وقد تجنّد جهابذة العقول لدراسته والحؤول دون حصول هكذا كوارث ومع ذلك يسير القطار من دون هوادة ويتسارع بجنون!

عندما كانت تلميذة على مقاعد  الدراسة، تعرضت القدّيسة تريزيا الطفل يسوع للتنمّر من قبل فتاة بليدة كسولة تعاني نقصًا في العقل  والأخلاق، فأمعنت  في قهرتريزيا  من دون حسيب أورقيب، في وقت كانت القديسة الصغيرة تتألم من فقدانها المبكر لوالدتها زيلي .

معروف أنّ تريزيا   كانت متفوقة في العلم والمعرفة.  تلقت دروسها الأولى على يد شقيقتها بولين التي دخلت الدير فكان على الطفلة  أن تذهب إلى المدرسة لإكمال تعليمها، وهناك  تعرّضت الفتاة النجيبة والرقيقة لكلّ هذا الألم النفسي المدمّر!

مسألة التنمّر وعلاقتها بالقداسة وبكل مفاصل العلاقات الاجتماعية،  مهمّة جدّا وتحصل في كل مكان وزمان. برأيي، هي عمل شيطانيّ  يدفع بأشخاص مجبولين بالإثم إلى تعذيب أنفس بريئة طاهرة ضعيفة تعجز عن الدفاع عن نفسها، في دوامة مجتمع مادي تغيب فيه  مظاهر الإنسانية والرأفة والعدالة والذوق والأخلاق والحسّ السليم!

خلال  تجربتي التربوية ، التي امتدت  ثلاثة عقود ونيّف، شاهدت بأم العين كيف يتنمّر تلميذ على آخر أو مجموعة من التلامذةعلى تلميذ أو استاذ أو معلمة، وكيف ينضمّ إلى حلقة المتنمرين  الجلادين تلامذة وأساتذة وحتى الإدارة، فتحاصر الضحية  حتى النزع الأخير والموت القريب!

تكمن البشاعة، هنا، في  أن العامّة تنضمّ إلى المتنمّر وتصفّق له ، وتقسو على الضحية وتتناولها بالسخرية والهزء، ما يدفع بالإنسان – الضحية إلى الجنون حتى ينضم إلى جوقة الشياطين والمتنمّرين ، ليشكلوا جوقة من الزعيق والصراخ ، معتبرين أنهم في عملهم هذا  يقضون على الكائن الانساني ، ويدمّرون صورة الله فيه!

هذا الشيطان الذي اسمه التنمّر ، والمتمثّل على شكل جوقة ( لجئونlegion)  أخرجه المسيح من إنسان ممسوس ( لوقا8;28)، وانتصر عليه القديسون الذين آمنوا بانتصار القداسة والتواضع على أفعال الشرّ؛ فها هي القديسة تريزيا الطفل يسوع ، تغلب كل الشرور التي حصلت معها وتقول: “عمّا قريب سيقوم يسوع ليخلّص جميع ودعاء ومتواضعي الأرض”.  “لكلّ إثم رحمة، والله قادر أن يهب تقوى لمن هم بلا تقوى!”

على كل صاحب ضمير،  يؤمن  بحضور الله في قلب الإنسان، أن  يكشح كلّ هذه الظلمة ويحارب هذا الظلم ويبعد أصحاب السوء والأخطار الداعمة،  ويعمل على إسقاط خططهم الهادفة إلى إغراق القلوب في السواد والضياع، ويشقّ الطريق إلى منابع النور والحب والرأفة والخلاص!! متخذًا من شربل القديس خير مثال، عندما أضيء سراجه بالماء طاردا الشرور ومسبّبيها في كلّ أرض ومكان. ففي ليلة كالحة مظلمة من ليالي دير عنايا ، وضع  أحدهم الماء بدل الزيت في سراج شربل بهدف السخرية منه؛ فكان أن أضاء السراج وعمّ النّور قاهرًا العتمة… 

يقول القديس اغسطينوس:

لا تخف من تجارب إبليس فالشيطان لا يستطيع أن ينصب فخاخه في الطريق بل على جانبي الطريق ، لأن المسيح  هو الطريق والحق والحياة.

من يريد سلوك دروب الحياة ليسر على الطريق الرحب ويتفادَ الجوانب المظلمة حيث الأرواح النجسة تسرح وتمرح!..

(https://fisheries.org/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *