وَشمٌ صَباحِيٌّ (16)

Views: 652

د. يوسف عيد

 

على صاجِ الشمسِ خَبيزَةُ كلماتي نَضُجَتْ واستوَتْ.

ومن ماءِ النَّدى اللاهثِ صعوداً في هذا الصّباحِ لِعناقِ أمّه،

شرِبَتْ حروفي الحياةَ،

وانبحَّ صوتُ الرّيحِ على أوراقِ نخيلي،

وصَرَّ  ضِلعُ الياسمينِ المُهَوشِلُ في حديقتي،

وارتجفَ خَشبُ الزيتونِ بين أصابعي مُناجياً المبدعَ الأزليّ .

أعطيتُ نهدي للأرض قالتِ الزيتونةُ:

ليرضعَ الانسانُ من صدرِ حبوبي الزيتَ،

ووهَبتُ فَمي لِحِقِّ البَخُور. 

يا بناتِ حديقتي سأعطي أحلاكنَّ فُستاني نادتِ الغاردينيا.

لكنّ الياسمينةَ لا تبالي،

لأني أعرِفُ عنها أنّها تخرُجُ في الليل عاريةً،

حتى إذا رآها قَمَرُ أيلول الخجول،

نَشرَتْ شَعرَها حول جَسَدِها واختفَتْ خلفَ جُبِّ “اللاَّفَنْدِ”.

أيتها العرائس:

سأخلعُ لأحلاكنَّ خواتمي وعِقدي

نادتِ الزّهورُ المُشتَعِلةُ المتَّكيَةُ على ضِفافِ العشب.

إذا رآني أحَد الزائرين،

سأختبئ خلفَ الفراشاتِ التي تعبُّ الماءَ من بعضِ الثُّقوب في تيجان النَّرجسِ،

وألتصقُ خِلسةً على صدرها المُرتَجفِ في بهاء النور.

يا بناتِ حديقتي وعرائِسِها

سَأهِبُ أحلاكنَّ صِندَلي الأخضرَ

قالت “التُّويَا”

وأشرُدُ بين عُمدانِ الصنوبر حافيةً كي تمدَّ أصابعَها الى لحمي.

تلك أغنيتي عندما يأتي حبيبي،

فَيَنحَني لها الخَيزرانُ،

ويَغمُرُها بين ذراعَيه ،

ويُبرعِمُ الحَبَقُ والرَّنْدُ ويغمُرُ قلبي غِمارُ الورقِ،

وأدفنُ شَفَتيَّ في شَهقَة الوردِ

ويخضَرُّ صوتُ البُلبلِ صديقي ومؤنسي ورفيقِ حَديقتي،

ويدومُ المشهدُ حتى المساءِ، حِينَها نَشْتَمُّ رائحةَ النجومِ المُحتَرِقَة.

يا لهذا الصَّاجِ المُتَوَهِّجِ الذي ينتظرُ في كل صَباحٍ أرغِفَةَ العُمرِ،

أرواحَنا تذوبُ في حَمأتِه فَيتقدسُ الجَسدُ الفاني.

(صَباحُ الأمَلِ)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *