العالم الشّعريّ في رموزه المسيحيّة لدى يوسّف الخال من خلال: البئر المهجورة والحوار الأزليّ

Views: 315

اعداد آمال شعيا

 

تمهيد

تُعرف شخصية الشاعر ودقائقها من أسطر أو أبيات يصوغها. أمّا المضامين، في ذات الشاعر، فتلتفع، لتَعذبَ وتحلو، بالألفاظ والتراكيب التي تماثلها، بعد أن تذوبَ في أتـّـونِ نفسه، لتتحوّلَ من فحمات باردة، مظلمة الى جمار شفـّافة حارقة، فتصبحَ هي نفسها الفكرةَ، الإحساس والعاطفة.

فاللغة الشعرية، إذًا، لا تعبّر عن علاقة موضوعية بالأشياء، بل عن علاقة ذاتيّة. وهذه علاقة احتمال وتخييل. وهكذا تكون اللغة الشعريّة جوهريًّا، لغة مجاز لا حقيقة. كما أنّ أساليب التعبير لا يحصُرُها شكل ولا عدّ، إذ هي تتنوّع بثقافة أصحابها ونفسياتهم ومواقفهم وبيئاتهم.

وفي موضوع بحثنا، لقد اخترنا الشّاعر “يوسف الخال” كي ندخل إلى عالمه الشّعريّ، والعمل على استقراء الرّمز الدّينيّ، في شعره، بغية الكشف عن جوانب من رؤيته الفكريّة، التي لم يتوان الشاعر يوسف الخال، عن تطويرها وجعلها السمة الأبرز في نتاج الشّعراء التمّوزيين، ونذكر منهم: بدر شاكر السياب، ويوسف الخال، وعلي أحمد سعيد(ادونيس)، وخليل حاوي، وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصّبور، وغيرهم ممن غاصوا في معنى التجربة الشعريّة، وتحقيق الوحدة العضوية([1]).

ثمّ أنّهم عملوا على التجديد في الصورة الشعريّة، حتّى باتت مشهدًا كاملًا من الرؤى، متكاملة في الجوهر، متماسكة، بحيث يضحى المشهد، أو تضحى الأسطورة صورة تحوّلت الأفكار فيها والمشاعر أشكالا رمزية معادلة لنموّ المأساة واحتدام الصراع في الشاعر.

فكيف تجلّت الرموز المسيحيّة في شعر يوسف الخال؟

وماذا ضمّنها من أبعاد ودلالات؟

وهل تمكن من ترسيخ غايته المنشودة في فكر القارئ أيّ المتلقي؟

ولكن قبل أن نغوص في هذا الإطار، سنلقي لمحة موجزة حول حياته وأهمّ ما جاء فيها من إنجازات.

 

أولًا – نبذة حول حياة يوسف الخال

أ- الولادة والمسيرة:

ولد يوسف عبد الله الخال في 5 أيار من العام 1916، في عمار الحصن وهي إحدى قرى وادي النصارى، في سوريا، والدته هي رحمة سليم المن. وفي صباه جاء ليعيش في مدينة طرابلس، في شمال لبنان. درس الفلسفة على يد شارل مالك (1906 – 1987)، إلى أن تخرج بدرجة بكالوريوس علوم من الجامعة الأميركية في بيروت([2]).

أنشأ ” يوسف الخال” في بيروت دار الكتاب، وبدأت هذه الدار نشاطها بإصدار مجلة “صوت امرأة” الّتي تسلم الخال تحريرها، أضف إلى ذلك إدارته للدار حتّى سنة 1948. وقبل هذا التاريخ انتسب إلى الحزب السوريّ القومي الاجتماعيّ في سنة 1934، ثمّ في تموز من العام 1947 تمّ فصله من الحزب.

سافر سنة 1948 إلى الولايات المتحدة للعمل في الأمانة العامة للأمم المتحدة في دائرة الصحافة والنّشر. كما تزوج من الرسامة “هلن الخال”. وحين قرّر العودة إلى لبنان سنة 1950، استدعي للسفر مع بعثة الأمم المتحدة لتهيئة ليبيا للاستقلال. وعاد بعدها إلى لبنان سنة 1955.

قام بتأسيس مجلة شعر الفصليّة، وهي صدرت بين العام 1957 والعام 1964. ثمّ عاودت العمل في بداية 1967. وأعيد طبع مجموعتها كاملة. وفي سنة 1967 أنشئت دار النهار للنشر، فانضم إليها مديرًا للتحرير. أنشأ (1957-1959) صالونًا أدبيًّا، المعروف ب”صالون الخميس”. أمّا أركان الصالون فكانوا الشعراء: “يوسف الخال”، “أدونيس”، “أنسي الحاج”، “شوقي أبي شقرا”، “فؤاد رفقة”، عصام محفوظ، وأسعد رزّوق وغيرهم، الى جانب عدد من النقاد والمفكرين، أمثال عبد الواحد لؤلؤة، وغازي براكس، وغيرهما.

هو ومن دون شكّ، شاعر متمرد، كما حاول ان يجدّد في شكل القصيدة العربيّة، وهو من مؤسسي قصيدة النثر، أوقد عُنيَ في شعره بمعالجة قضايا الإنسان المعاصر وهمومه، مثلما شغله التعبير عن هويّته ومصيره وما بعد حياته.

 حصل “يوسف الخال” على وسام الاستحقاق اللبنانيّ، وقام باستلامه من رئيس الجمهورية “أمين الجميل”، وكان ذلك في أيلول سنة 1987، كما منح أيضًا درع الثقافة في لبنان للعام (1999) تسلّمتها أرملته. تزوج للمرّة الثانية من الشاعرة “مها بيرقدار”، وأنجب منها ولدين، هما: الممثل “يوسف الخال” والممثلة “ورد الخال”. توفي سنة 1987 بعد صراع مرير مع مرض السرطان.

 ب- بصمات “يوسف الخال” في الشعر

كان الشاعر “يوسف الخال” من المجددين في الشعر، وذلك في النصف الثاني من القرن العشرين والذي سار على دربه العديد من الشعراء الأجانب وفي الغرب.

1- أبرز دواوينه الشّعريّة:

– ديوان الحرية الّذي صدر عن دار الكتاب في بيروت بين عامي 1944-1948.

-البئر المهجورة الّذي صدر عن دار مجلة شعر في بيروت في عام 1958.

– قصائد في الأربعين، صدر عن مجلة دار الشعر في بيروت عام 1960.

2- أهمّ قصائده الشعريّة:

– الفجر الجديد.

– هذه الأرض لي.

– عن بلادي.

– إلى وردة.

– حلوتي.

– أتنسى؟.

– غدٌ يحتضر.

– شعاع.

– قبلتان.

– الموكب.

– الموعد الضائع.

– ثمر.

– إلى موسى.

3- ترجمة الكتب الشعريّة:

ترجم “يوسف الخال” الكثير من الكتب الشعريّة وحده أو بالاشتراك مع آخرين، أبرزها:

– وجوه سوفياتية في تسع قصص 1955.

– الديموقراطية: أمل الإنسانيّة الأكبر 1956.

– الأرض الخراب 1958.

– ديوان الشعر الأميركي 1958.

– خواطر عن أمريكا 1958.

– إبراهيم لنكولن، من الكوخ إلى البيت الأبيض 1959.

– روبرت فروست (قصائد مختارة) 1962.

– الحكماء السبعة 1963.

– ثلاثة قرون من الأدب 1966.

– الكتاب المقدّس، العهد الجديد 1978.

 

ثانيًا- الرموز المسيحيّة في شعر الخال ودلالاتها

أنّ الحديث عن الرموز المسيحيّة في شعر الخال، يضطرنا للتحدث عن الموارد التي استلهم منها الشّعر العربيّ الحديث موضوعاته ورموزه وقضاياه بما في ذلك الأساطير العربيّة والعالميّة والاشارات الدينيّة أيا يكن مصدرها والمعتقدات كيفما كانت توجهاتها.

لا شكّ في أنّ شعراء الحداثة العرب قد غرفوا من الموروث الثقافيّ، العربيّ منه أو العالميّ ووظفوه بطريقة فنيّة بهدف ايصال الرسالة التي ينهض بها وتبليغ المضمون الّذي ينطوي عليه. حتى لا يكاد ديوان من الشعر العربي الحديث يخلو من الإشارات والرموز الدينيّة والاسطوريّة التي اقتبسها أحد الشعراء العرب من أجل بث مضامين لها صلة بمفاهيم الصراع والسلطة والحب والخلود والموت والخصب وغيرها من القضايا المعاصرة.

كما أنّ العودة إلى تلك الرموز والاستقاء منها إنّما هو رجوع إلى المنابع الأصليّة للتجربة الانسانيّة. وقد لجأ شعراؤنا إلى الأساطير اليونانيّة والبابليّة والآشوريّة والفرعونيّة والى الكتب المقدسة فنهلوا منها وجعلوها سبيلًا فنيًّا للتعبير عن خواطرهم وما يجول في نفوسهم. وقد زودتهم التوراة والانجيل والقرآن بموضوعات وتجارب جاهزة ينطلقون من خلالها للتطرق إلى المفاهيم التي يودون بسطها والأفكار التي ينشدون عرضها، بالاضافة إلى تقوية البناء الفنيّ للقصيدة.  كما أفادوا من بعض المراجع الكبرى، مثل الغصن الذهبي، وكتب التصوّف، وترجمة قصائد عزرا باوند وتي. اس. إليوت الى العربية من الإنكليزية، لينهلوا منها الكثير من الصور والرموز والنماذج القديمة والرموز والأساطير الشرقية والغربية، وغيرها([3]).

وعلى الرغم من التوجه الحاد للشعر العربي الحديث نحو التجديد، فهو في رأي “إلياس خوري([4]):”قد احتفظ بنبرة تراثية وكأنه يريد عبر ثورته إثبات هويته. فليس صدفة أن تأخذ اللغة الصوفية والرموز الصوفية هذا الحجم في الشعر المعاصر. فهي الى جانب ظواهر أخرى: الأسطورة، الرمز التاريخي، الرمز الواقعي، تحمل في جانب منها محاولة تأكيد الذات لحظة الخروج من ماضيها”.

و”يوسف الخال” شأنه شأن معظم الشعراء العرب المعاصرين، تكثر في شعره الإشارات الدينيّة بسبب ما تحمله من شحنة رمزية من ناحية، ولكونها تمثّل ركنًا من أركان الثقافة الجمعية من ناحية ثانية. الى كونه أحد شعراء مجلة “شعر” الذي يصدر في شعره عن المسيحية” على حد وصف علي أحمد سعيد (أدونيس) في المقدمة التي اعدها لمختارات الخال الشعريّة([5])

أ- تحديد الرمز:

اختلف تحديد النّاس مفهوم الرّمزيّة، فتضاربت آراؤهم بحسب المظاهر التي بها تجلّت، واختلطت عليهم الحقيقة حتّى ذهبوا في أمر تحديدها مذاهب شتّى، واعتبر معظمهم أنّ كلّ أدب غامض هو أدب رمزيّ وأنّ الغموض هو شامل أركانه ومجمل شروطه الأساسيّة. فورد في لسان العرب التّعريف الآتي:

“إنّ الرّمز هو تصويت خفيّ باللّسان كالهمس، يكون بتحريك الشّفتين بكلام غير مفهوم، باللّفظ من غير الإبانة بصوت، إنّما هو الإشارة بالشّفتين، وقيل الرّمز إشارة وإماء بالعينين والحاجبين، والشّفتين والفم. والرّمز في اللّغة كلّ ما أشرت إليه ممّا يبان بلفظ أيّ شيء أشرت إليه بيد أو بعين، وإلى ذلك ذهب صاحب معجم مقاييس اللّغة والصّحاح في اللّغة. وبالإضافة إلى ذلك المعنى، يشتمل الرّمز على معاني الاضطراب والحركة، يقال ارتمز الرّجل إذا اضطرب، وكتيبة رمّازة إذا كانت ترتمز من نواحيها لكثرتها، أي أنّها تتحرّك وتضطرب كما ورد في المعاجم العربيّة السّالفة الذّكر.

وعرّفه بعضهم بتعريف عامّ، أنّ الرّمز في اللّغة، هو الإشارة والعلامة وبتعريف آخر سيكولوجيّ خاصّ، الرّمز معناه الإيحاء أي التّعبير غير المباشر عن النواحي النّفسيّة المستترة التي لا تقوى اللّغة على أدائها أو لا يراد التّعبير عنها مباشرة.

ب- استخراج الرموز الدينية من: البئر المهجورة/ الحوار الأزليّ

وفي محاولة فهم الفن الشعريّ وعلاقته بالمقدس، نرى الشّاعر “يوسف الخال” يقترب من رواد الكلاسيكيّة الأوائل، الّذين شرعوا أسسها ومبادئها، حيث كانوا ينظرون إلى الشاعر نظرة مقدّسة، فالعبقرية الشعريّة موهبة إلهيّة تصب عنده في وسيلة إلهيّة وهدفها كذلك؛ فالشعر كالدين يجب أن يوضع في طقوس دينيّة، تنظم له العبادة الفنيّة بدقة، ويصير الهوى الشعري، إيمانًا دينيًّا وشعريًّا، وبذلك يُكبح تعنت الطقس الديني التحرر الشعري، بصورة كاملة، فبدلًا من التنوع الشخصي في الموضوع الذي قيدته طقوس شاملة وعنيفة، “يذكّر رونسار أن الشعر هو في الأصل عنصر من عناصر الدين، يمنع الشاعر من إساءة استعماله بدون نبل”. ولأن الشعر” لم يكن في أول عهده سوى لاهوت رمزي، يُدخل إلى عقول الناس الغلاظ بالأمثال المسلية والملونة، الأسرارَ التي ما كانوا ليستطيعوا فهمها حينما كانت تكشف لهم الحقيقة بصراحة تامة([6])“.

من هنا نتساءل؛ إلى أيّ حد يمكننا اعتبار “يوسف الخال”، مسيحيًّا؟

أنّه ومن دون شكّ، وكما ورد في شعره، تناول المسيح أنموذجًا للمعاناة الإنسانيّة ومنبعًا للخلاص، وجاءت الرموز المسيحية صوراً لمواقفه الشعريّة ولكنه في المقابل لم يضيء أمامنا الدرب إلى المسيح، من خلال تجربته كشاعر مؤمن بهذا المنبع.

 أنّه شاعر يحمل روحاً إنسانية ذات طابع دينيّ، ولم يكن فيلسوفًا دينيًّا، إنّما هو شاعر أحس بأشياء الوجود تؤرقه، فلجأ إلى الله يستنجد به. وأخذ يصرخ كإنسان وكشاعر، لا كمسيحيّ وحسب، وإن تداخلت عنده المسيحيّة بالشعر، فهذا ما قدمته له الحياة والبيئة التي ترعرع فيها.

كما نعلم أنّ الشّاعر ” يوسف الخال” قد نشأ في أحضان بيت مسيحيّ، وطقوس كنسية، ومجتمع وحضارة طابعهما مشبع بالأفكار المسيحيّة أكثر من غيرها، فراح يتطرّق إلى الألم الإنسانيّ، في مجمل صوره، وجميع أشكاله ومسبباته، وبمختلف مستوياته، وتواجده الزماني والمكاني، في القرية أو المدينة، في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وهكذا تبرز حاجة الإنسان للسمو على فوضى التجارب والحقائق المتناقضة، التي تؤدي به إلى البحث عن فرضية ميتافيزيقية قد توضح له مشاكله الملحة. فتعاونت المسيحية، لديه، مع وقائع الحياة المريرة لتقوداه إلى الشعر الميتافيزيقي. وهذا يدل على أثر النشأة الأولى وتمكنها من ذات الشاعر.

1- البئر المهجورة في رموزها المسيحيّة:

“عرفتُ «إبراهيمَ»، جاريَ العزيزَ،

من زمانٍ عرفتُه بئراً يفيض ماؤها

وسائرُ البشرْ تمرُّ لا تشرب منها، 

لا ولا ترمي بها، ترمي بها حجرْ.

«لو كان لي أن أنشر الجبينَ

في سارية الضياءِ من جديدٍ»،

يقول إبراهيمُ في وُريقةٍ

مخضوبةٍ بدمّه الطليلِ،

«تُرى، يحوّلُ الغديرُ سيرَه كأنْ

تبرعم الغصونُ في الخريف أو ينعقد الثمرْ،

ويطلع النباتُ في الحجرْ؟

«لو كان لي،

لو كان أن أموتَ أن أعيش من جديد،

أتبسطُ السماءُ وجهَها، فلا

تمزّق العقبانُ في الفلاةِ

قوافلَ الضحايا؟

أتضحك المعاملُ الدخانُ؟

أتسكتُ الضوضاءُ في الحقولِ،

في الشارع الكبيرِ؟

أيأْكل الفقيرُ خبزَ يومهِ،

بعرق الجبينِ، لا بدمعة الذليلِ؟»

«لو كان لي أن أنشر الجبينَ

في سارية الضياءِ،

لو كان لي البقاءُ،

تُرى، يعود «يولسيسُ»؟

والولدُ العقوقُ، والخروفُ،

والخاطئُ الأُصيبَ بالعمى

لِيُبصرَ الطريقا؟»

وحين صوَّب العدوُّ مدفعَ الردى

واندفع الجنودُ تحت وابلٍ

من الرصاص والردى،

صِيح بهم: «تقهقروا. تقهقروا.

في الملجإ الوراءِ مأْمنٌ

من الرصاص والردى!»

لكن «إبراهيمَ» ظلّ سائراً،

إلى الأمام سائراً،

وصدرُه الصغيرُ يملأ المدى !

«تقهقروا. تقهقروا

في الملجإ الوراءِ مأمنٌ منَ

الرصاصِ والردى !»

لكنَّ إبراهيمَ ظلّ سائراً

كأنه لم يسمعِ الصدى.

وقيل إنه الجنونُ.

لعله الجنونُ.

لكنني عرفتُ جاريَ العزيزَ من زمانٍ،

من زمن الصِّغَرْ

عرفته بئراً يفيض ماؤها،

وسائرُ البشرْ

تمرُّ لا تشربُ منها، لا ولا

ترمي بها، ترمي بها حجرْ”.

إنّ أوّل ما يثير انتباهنا في هذه القصيدة هو عنوانها، فالبئر وكما نعلم في الموروث الثقافيّ، ترمز للحياة كما تشير إلى الإخفاء لعمقها تحت بعد أو قصدية معينة، وهنا وصفها بالمهجورة يجعلها مناسبة للستر.

 ألم يتخذ أبناء يعقوب البئر مكانا لإخفاء النبي يوسف؟ فبرزت محنته الأولى. وعلى أساس هذه المحنة يمكن افتراض أنّ طبيعة التّجربة الّتي سيتحدث عنها “الخال”، هي تجربة مأساويّة.

 كما يعتبر “إبراهيم” شخصيّة محوريّة في هذه القصيدة، شخصيّة تنجز الفعل وتحققه من دون تراجع. فهو إنسان عادي، يحيا حياته اليوميّة ويحمل في مضمونه بعدًا دينيًّا وتاريخيًّا استمده من النبي إبراهيم من الكتاب المقدّس/ العهد القديم، الّذي صدق الرؤيا وعزم على تنفيذها، ثمّ استمده من السيد المسيح المخلص/ الكتاب المقدّس/ العهد الجديد.

 إنّ ما يميّز “إبراهيم” داخل عالم القصيدة هو علاقاته بالآخرين: هو مصدر الحياة والعطاء في صحراء تنعدم فيها شروط الحياة لكن الآخرين لايهتمون به الاهتمام نفسه. إن العلاقة غير متعادلة بينه وبين الآخرين. ففي الوقت الّذي منحهم هو الحياة باعتباره المصدر/البئر التي يفيض ماؤها/ ماء الحياة، ينعته الآخرون بالجنون:

“وقيل إنه الجنونُ.

لعلّه الجنونُ…”.

وتدفعنا هذه الواقعة النصيّة، الى القول إنّ هذه الحركة تمثّل إرادة الفعل، كما أن الذات، في غمرتها تخمن وتناظر بين حجم الفعل وما يترتب عنه. وبما أن الفعل أسمى يبلغ حد نكران الذات، وممارسة فعل الفداء لتطهير الآخر، الّذي لم تلق منه الذات غير الجحود والنكران، فإن آمال التغيير يجب أن تمس الجذور كي تبلغ غايتها المنشودة.

انطوت هذه القصيدة، ومن دون شكّ على مضامين لاهوتيّة، عميقة، تخصّ المؤمن والمشكك في آن، المواجه والعاصي والرافض والمتمرد، ولكن الذي يخبّىء تحت كل هذا، رغم كل ما تنفيه أحيانًا كلماتُ شاعرِنا المتمردة، يخبّىء تقاربًا عاطفيًّا مع الرموز المسيحيّة التي يُكثر منها في هذه القصيدة.

أخذت “البئر المهجورة”، تنمو وتتطوّر عبر التّركيز على شخصيّة “إبراهيم”، وفعل التضحية الفرديّ، يؤشر عليه بتكرار الفعل المشروط: “لو كان لي…..” التي يتكرّر خمس مرات متصلة في كل مرّة بالتضحيّة والفداء، وهي ومن دون شكّ رموز مسيحيّة:

1- “لو كان لي أن أنشر الجبين

في سارية الضياء من جديد”.

2- “لو كان لي،

لو كان أن أموت أن أعيش من جديد”.

3- “لو كان لي أن أنشر الجبين

في سارية الضياء

لو كان لي البقاء”.

يقدم “إبراهيم” على هذا الفعل، بغية بعث الجماعة. فهو المسيح الذي يفدي العالم بموته مادام يشعر بمسؤوليته تجاه الآخرين. وعمل “إبراهيم” هنا، لا ينحصر في استمرار الحياة فحسب بل لتغييرها إلى الأفضل وعلى هذا النحو، لا تحتفظ الذات من الآمال إلا بما يسعد الانسانية، وينشر المحبة والعدل بين الإنسان. ومن مظاهر هذا التغيير تحول الطبيعة التي لن تعرف غير الربيع وتحول العقبان عن طبيعتها الافتراسية فيعم السلام والأمن وتسترجع المعامل والشوارع والحقول طبيعتها الحية التي فقدها الإنسان المعاصر، كما يسترجع الإنسان كرامته ويعود الضال الخاطئ إلى أحضان أبيه السماويّ.

 لعلّ هذه المبادئ: الحياة والسلم والكرامة ومحو الخطيئة، هي نفسها التي ضحى من أجلها المسيح، وفي “البئر المهجورة”، يضحي من أجلها “إبراهيم”. فهو مخلص الإنسان حديثًا. وليس هذا المطلب بأعز من تطهر الذات، وتوقها الى اختراق الموت: اللحظة العبورية لقلب المدارات وتحويل الاتجاهات بين الأرض والسماء. وهذا هو الفارق الأساسيّ بين تضحية “إبراهيم” بابنه استجابة لأمر الله، وبين تضحية “إبراهيم” بنفسه في القصيدة لمحو الظلم ونشر المحبّة والعدالة.

من هنا، نقرأ “البئر المهجورة”، ولا نقع في الشكّ. فشاعرنا “يوسف الخال” صبّ فيها كلّ ما نشأ عليه في بيئته من إيمان مسيحيّ، كما سكب كلّ هذا في قصائد لا تزال مع ذلك موضوع تساؤل عميق حول قدرة الخال الفذة على المزج بين مفهوم الكتابة من أجل تمجيد ربّه ومفهوم الواجب الدينيّ من خلال الشّعر والحركة الشعريّة التي فجرها في مجلة “شعر”.

2- “الحوار الأزليّ” في رموزها المسيحيّة:

“متى تُمحَى خطايانا؟

متى تورقُ آلامُ المساكينِ؟

متى تلمسُنا أصابعُ الشكّ؟

أأمواتٌ تُرى نحن على الدربِ ولا ندري؟

تُوارينا عن الأبصار أكفانٌ

من الرمل، غبارٌ ذرَّه الحافرُ

في ملاعب الشمس.

تقول لي:

أنا لمّا أزلْ طفلاً، تأمّلْني

فللطوفان آثارٌ على قميصيَ الرطْبِ،

وفي عينيَّ أسرارٌ

عذارى لم تُفقْ بعدُ، تباريحٌ

سكبنَ الدمعةَ الأولى، جراحاتٌ

ملأنَ جسميَ الغضَّ وما زلنَ

أعطشانٌ؟ خذِ الصخرة واضربْها،

أفي العتمةِ؟ دحرجْها عن القبر.

وإمّا عضَّكَ الجوعُ فهاكَ المنّ والسلوى،

وإمَا صِرْتَ عُرْياناً

فخُذْ من ورق التين رداءً

يسترُ الإثمَ، يُواريه عن الناس.

وفي التجربة الكبرى

تصبَّرْ صَبْرَ أيوبٍ، ولا تهلعْ

إذا ما استحفل الشرُّ:

صليبُ الله مرفوعٌ على رابية الدهرِ.

وفي الشطّ مناراتٌ متى ضاءت

ضربنا جبهة الفجر بأيدينا، وفجّرنا

من الصخرة ماء يجرف الرملَ

إلى البحر. وفي الأفق جناحا طائرٍ

حطّا على جمجمة الليل،

وفيه نجمةٌ سمراءُ تروي قصّة

النمرود للرائح والغادي. وفي السرّ،

متى يعرى إلهٌ ملأ العينَ،

إلهٌ لم يمتْ بعدُ، إلهٌ سكبَ

الحبَّ على الجرحِ.

وفي دربي

تماسيحٌ وأشباهُ تماسيحٍ،

وبومٌ ملأ الدار، وغربانٌ.

وغيمٌ أسودٌ ينذرُ بالطوفان، بالموتِ

على قارعة الدرب: عظامٌ يبستْ

في الذلِّ، في الوحدة، في الآنِ.

وهذا الزاحف العاري أإنسانٌ،

أإنسانٌ على شاكلة الله؟

أراهُ قُدَّ من لحم الشياطينِ،

أراهُ ذبحَ التنين في الغاب وأجرى

دمه في الأرضِ يروي

غلّةَ الظامئ للفتح، لكونٍ

يبدأُ البدءُ به بعدُ.

أراه حملَ الأرضَ بكفّيهِ،

رماهُ في الدهاليز، بنى كوخاً

من الفولاذ لا يدركهُ الموتُ

أو السرُّ. أراهُ أفرغَ البحرَ

بعينيه، وأخفى رأسَهُ في الرملِ

خوفاً من أعاديه: ترى هل يبصر

الأعمى أعاديهِ:

عروقٌ لم تعدْ

تنبضُ بالحب أو البغض،

لسانٌ ناطقٌ إلا

بما كان له النطق،

وعقلٌ تاهَ في الدربِ، ولا دربُ.

عبيدٌ نحن للماضي، عبيدٌ نحنُ

للآتي، عبيدٌ نرضعُ الذلَّ

من المهدِ الى اللحدِ، خطايانا؟

يدُ الأيام لم تصنعْ خطايانا.

خطايانا صنعناها بأيدينا:

لعلَّ الشمسَ لم تُشرق لتُحيينا:

هنا مقبرةُ النورِ، هنا الرملُ،

هنا ستنسرُ البُغّاثُ، تفنَى القمحةُ

الأولى، هنا ينعدمُ الشكُّ،

يموتُ القولُ في الألسنةِ الحقِّ.

صليبُ الله لم يمحُ خطايانا،

فهل تُمحَى إذا ما سابقَ

الريحُ جناحانا، إذا ما انفَضَّ

ختمُ السرِّ أو دانت لنا الدنيا؟

غدي ضربُ مواعيدٍ مع الوهمِ.

وهذا شأنُ أجدادي من البدءِ:

غرابُ البين لم يرحمْ ضحايانا

ولم ينهضْ من القبرِ سوى الله،

سوى شيءٍ هو اللهُ. أكلنا لحمَهُ

خبزاً، شربنا دَمَهُ خمراً،

فما أشبعَنا الخبزُ

ولا أسكرنا الخمرُ.

وهلّا ينفعُ الضوءُ

إذا ما خُبِّئَ الضوءُ بمكيالِ؟

تُرى يدركُنا الموت كما نحن

حيارى؟ لا الذي صارَ فهمناه،

قبلناه، ولا ذاك الذي كان.

كفرنا، لا يدُ الإيمان تفدينا

كإسحقٍ ولا شفاعةُ الحب:

وما زالَ صليبُ الله مرفوعاً

على رابية الدهر. به تُمحى خطايانا،

به تورق آلامُ المساكين

به تلمسنا أصابع الشكِّ

وتطوى سيرةُ الموتِ على الأرض”.

قد تقوم الرموز بعمليّة إغناء الشّعر بمجموعة من الإيحاءات التي تعجز عنه اللغة العادية والتقليدية اليومية، على حدّ سواء. وقد تضمّنت قصيدة “الحوار الأزليّ”، وهي واحدة من مجموعة “البئر المهجورة” التي نحن بصددها على مجموعة من الرموز المسيحيّة التي يمكننا الدخول إلى عالمها، من دون تردّد ولا حاجة إلى فكِّ ألغاز، حيث كلّ معاني المسيحيّة، أو معظمها، تدفقتْ في هذه القصيدة، ثمّ انّه واضح ميل “يوسف الخال” إلى مناجاة ربّه، والّذي يبرز بشكل قويّ.

ونقول إننا لا نحتاج إلى فك ألغاز لأنّ الصور والرموز الدينيّة في هذه الكتابة واضحة ومنبسطة أمام إدراكِنا وسرعان ما تكشف عن معانيها، وقبل الغوص في تحليلها سنعمل على عرض أبرزها على الشكل التالي:

أ-الرموز التوراتيّة:

الطوفان، ورق التين، اسحق، أيّوب، المنّ والسلوى، إضرب الصخرة . 

ب-الرموز المسيحيّة:

-الجرح، الروح، الخطايا، دحرجة الصخرة، صليب الله، نهض من القبر، لحمه خبزا، ودمه خمرا، خُبّىءالضوء بمكيال، عذارى.

نلحظ وبعد التوقف عند هذه القصيدة، وما ورد فيها من رموز دينيّة، كيف جعل “يوسف الخال” فيها غلبة للرموز المسيحيّة/العهد الجديد، على الرموز التوراتية/ العهد القديم.

 كما أنّ الرموز التوراتيّة الّتي ظهرت في مضمون هذه القصيدة، فهي حضرت بهدف تسليط الضوء على موضوع الخطيئة، في مقابل النعمة والخلاص، وهو من مأثور اللاهوت البروتستانتيّ الإنجيليّ، وهي تساعد على التأمّل في صراع الإنسان المسيحيّ مع الخطيئة.

لا شكّ أنّ القارىء أيّ المتلقي يجد في الرموز التوراتيّة المتجليّة في “الحوار الأزليّ”، الدرب لبلوغ أيّ لفهم تجربة الإنسان الخاطىء، فهو لا يزال يحمل، في عمق ذاته آثار الخلاص العتيق (الطوفان). ثمّ أنّه ومهما عاش هذا الإنسان تجربة السقوط في الضعف، فيجب عليه أن يتناول نفس الغذاء الّذي تركه الله لموسى وجماعته المؤمنة، في الصحراء، وهو المنّ والسلوى، وأن يصبر صبر أيوب.

وقد تجلّى لنا عبور الشاعر باتجاه الرموز المسيحيّة البارزة وبقوّة في قلب هذه القصيدة، فيظهر للقارئ أيّ للمتلقي وبصورة بيّنة، صفات المؤمن المسيحيّ المعاصر، وهو المحصّن بالإيمان الحقّ الّذي يرى العالم من خلال نظرة مثاليّة، وهو يجسّد إيمانه الحيّ والمطلق بالمخلّص (إله لم يمت)، كما يستعين بعلامة الخلاص أيّ الانتصار (صليب الله) خلال التّجربة، ثمّ يبلغ يقين القيامة (نهض من القبر)، مع المسيح، وبعدها يحتفل بذكرى الإله من خلال سرّ القربان المقدّس (لحمه خبزًا، ودمه خمرًا).

انطلاقًا من ما تقدّم؛ أولا يتبادر إلى الأذهان التساؤلات الآتية:

هل يمكن القول على المستوى البياني والدلاليّ؛ إنّ هذه الرموز تستطيع أن تجعل الشاعر يتجاوز استخدام الصور البيانية، التقليدية منها والجديدة ما دامت الأولى صورا أعظم إيحاء، على ما أسلفنا؟

وهل يمكن القول، وبعد التأكّد من هيمنة الرموز المسيحيّة في شعر يوسف الخال، أنّ خطاب الشّاعر غلب عليه الطابع الدينيّ بامتياز، وأنه لا يمكن إدراجه أو تصنيفه في  صفوف الشعراء التمّوزيين الّذين غلب على أعمالهم الإتجاه العلماني والقوميّ؟

إذا اعتبرنا أن ما عرضناه دلّ على اتجاه مسيحيّ إنجيلي، كما أنّ الشاعر تمثّل في شعره أيّ في نصوصه الأولى تجربة الشكّ والإيمان التي تصيب كلّ إنسان مؤمن مسيحيّ، على ما ذكرنا. ولكنّ الشّاعر في المقابل، لم يهمل الصور البيانيّة الأخرى (غير الدينية)، ولا أهمل الرموز الأصيلة، من نصوصه الأولى ولا من أعماله المتاْخّرة، ولا من غيرها.

خلاصة

نستنتج من كلّ ما تقدّم، أيّ بعد التوقّف عند دراسة الرموز المسيحيّة في شعر “يوسف الخال”، من خلال كلّ من: “البئر المهجورة” و”الحوار الأزليّ”، كيف تجلّى أمامنا واقع الرّمز في مفهومه، فهو يعدّ عاملًا من عوامل التّعبير المهمة، في الشّعر العربيّ، كما يعمل من خلال محاورة الفكرة المطروحة بطريقة غير مباشرة، فهو وسيلة لحمل الرؤى والأفكار، وللتعبير عن مكنونات النفس وما يختلج في أغوارها. ثمّ أنّ هذا الأسلوب يتصل بخيال الشّاعر وإحساسه وثقافته، وكذلك يتصل بطبيعة الموضوع.

وقد استخدم الشّاعر يوسف الخال الرمز الدينيّ في شعره الّذي تطرّقنا له في هذا البحث، ونعني به، تلك الرموز المستقاة من الكتب السماويّة المقدّسة، وقد ارتبطت هذه الرّموز بالشخصيات الدينية، أو بطقوس العبادة والديانة، في الحضارات الدينيّة. فاستلهم “يوسف الخال” الرموز، لأنها تثري خطابه الشّعريّ، كما تعمق رؤيته الفنيّة، ثمّ أنّها ومن دون شكّ تحدّد مواقفه الخاصة من تناقضات الحياة والوجود وكذلك من الإنسان والمصير.

إذًا، هكذا يبني الشّاعر المعاصر ثقافته، ويؤسس رؤيته المعاصرة من وعي بالتجديد، ويعمد إلى استلهام الرّمز عامة والرمز الديني خاصّة، بهدف إغناء تجربته الشعريّة.

***

– المراجع:

– ابن منظور، لسان العرب، مادة: رمز.

– أبو زيد، أنطوان، مجلة نزوى، الرمز المسيحيّ في شعر يوسف الخال، البئر المهجورة، تشرين الأوّل، 2012.

– الخال، يوسف:

 البئر المهجورة، دار مجلة شعر، بيروت، 1858.

قصائد مختارة، دار مجلة شعر، بيروت، لا ت.

– خوري، الياس، دراسات في النّقد الأدبيّ، 1974.

– السالسي، جاك أماتييس، يوسف عبد الله الخال، وقائع حياة ومقابلات، دار نلسن، بيروت، 2019.

– ينظر: الأنساق الدلاليّة والإيقاعية في ديوان البئر المهجورة، للشاعر يوسف الخال، عبد القادر الغزالي، مجلة ” نزوى”، ع 11، 1997، ص87.

-فان تيغم، فيليب، المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا؛ ترجمة: فريد انطونيوس، ط3، منشورات عويدات، بيروت، باريس، 1983.

– الكتاب المقدّس:

– العهد القديم”، الرّهبنة اليسوعيّة، دار المشرق، بيروت، 1989.

– العهد الجديد”، الرّهبنة اليسوعيّة، دار المشرق، بيروت، 1989.

– كرم، أنطون غطاس:

الرمزيّة في الأدب العربيّ، دار النهار، بيروت، 2004.

 ملامح الأدب العربيّ الحديث، ط2، دار النهار، بيروت، 2004.

([1]) أنطون غطاس كرم، ملامح الادب العربيّ الحديث، ط2، بيروت: دار النهار، 2004.

([2]) جاك أماتييس السالسي، يوسف عبد الله الخال، وقائع حياة ومقابلات، بيروت: دار نلسن، 2019.

([3]) أنظر: أنطون غطاس كرم، الرمزيّة في الأدب العربيّ، بيروت: دار النهار، 2004.

([4]) انظر: الياس خوري، دراسات في النقد الأدبيّ، 1974، ص: 199.

([5]) يوسف الخال (لا تاريخ)، قصائد مختارة ، بيروت: دار مجلة شعر، ص:24.

([6]) فيليب فان تيغم، المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، ترجمة: فريد انطونيوس، ص: 12.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *