توت عنخ أمون بعد مائة عام على اكتشاف مقبرته

Views: 17

إميل أمين*

في الرّابع من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1922، أي قبل مائة عامٍ من حاضراتِ أيّامنا، اكتشفَ عالِمُ الآثار والمُختصّ بتاريخ مصر القديمة، البريطانيّ ” هوارد كارتر”، مدخل النَّفق المؤدّي إلى قبر رمسيس السادس في وادي الملوك، وهناك لاحَظَ وجود قبوٍ كبير، فاستمرّ في التنقيب الدقيق إلى أن وصل إلى الغرفة التي تضمّ ضريح توت عنخ أمون.

في 16 شباط/ فبراير من العام 1923، كان كارتر أوّل إنسانٍ منذ 3000 سنة تطأ أقدامه أرض الغرفة التي تحوي تابوت توت عنخ آمون، وباقي كنوزه التي أَذهلت العالَم، ولا تزال منذ ذلك الحين، وتُعرَض في المتحف المصري منذ عقودٍ طويلة، وغالباً ما رآها العالَم في عروضٍ متنقّلة.

على أنّه وبعد مائة عام، لا تزال قصّة الفرعون الصغير متّشحةً بالألغاز حول حياته وموته، ولاسيّما أنّه جاء إلى الحُكم في فترةٍ عصيبة، وتحديداً بعد أربع سنوات من حُكم أخناتون، حيث حَدَثَ التحوُّلُ في زمنه من عبادة آلهةٍ متعدّدة إلى عبادة إلهٍ واحدٍ هو آتون، وبعد رحيله عادت مصر مرّة جديدة إلى عبادة الإله أمون وزمن الطوائف المُتبايِنة عقديّاً.

بادئ ذي بدء، مَن هو توت عنخ أمون؟

باختصارٍ غير مخلّ، هو أحد فراعنة الأسرة المصريّة الثامنة عشرة في تاريخ مصر القديم، ويعني اسمه “المظهر الحيّ لأمون”.

هو ابن الملك أخناتون (أمنحتب الرّابع)، وهو ما أكّده المجلس الأعلى للآثار في مصر في شهر نيسان/ إبريل من العام 2010، بناءً على اختبارات الحمض النووي DNA.

تبقى ظروف وصوله للحُكم يشوبها لغْطٌ كثير، فقد جلس على العرش حين كان في التّاسعة من عمره، كان ذلك في العام 1332 قبل الميلاد، وظلّ إلى أن توفّي في عمر التاسعة عشرة، أي في العام 1322 ق.م. بعدما حَكَمَ عشر سنوات وليس أكثر.

أمّا والدته، فالاعتقاد الأكبر أنّها الزوجة الرئيسة لأخناتون، الملكة نفرتيتي ذائعة الصيت، وصاحبة أشهر تمثالٍ فرعوني مسروق خارج مصر ومعروض في متحف برلين في ألمانيا.

هل كان توت عنخ أمون شخصيّةً ثانويّة أم رئيسيّة في تاريخ المصريّين القدماء؟

علامة استفهام لها علاقة بالمقبرة التي اكتشفها كارتر في وادي الملوك، والتي يبدو أنّه تمّ تجهيزها على عجل لدفْنه المُفاجئ، ذلك أنّ غرفة واحدة من الغُرف الأربع المُكتشَفة مدهونة بالطلاء ومكسوَّة بالجصّ، على خلاف بقيّة مقابر الفراعنة الكبار. وقد جَرتِ العادة أن يبدأ بناء مقبرة الفرعون بعد تنصيبه مباشرةً، وغالباً ما كان يُشرِف على تفاصيلها، وتُنقش على جدرانها سيرته، ولاسيّما انتصاراته، الأمر الذي كان يستغرق عشرات السنين، وهو ما لم يتوافر في المقبرة التي اكتشفها كارتر.

لكن، وعلى الجانب الآخر، كيف يكون فرعون ضعيفاً، وقد احتفظَ معه بخمسة آلاف قطعة، بعضها لا يزال يُدهش العالَم، ومنها الغطاء الذهبي الذي كان يُغطّي وجهه، ويُعتبر بدعةً في كوكب الأرض حتّى الساعة، ولا يُعرف سرّ صناعته على هذا النحو من الدقّة التي تعجز عنها تكنولوجيا القرون المُعاصِرة؟

ولعلّ التساؤل الأكثر غموضاً في قصّة الفرعون الصغير هو حول طريقة وفاته التي لم يَجزم بها أحدٌ بعد.

يقول تحليل البصمة الوراثية أنّه كان مُصاباً بمرض الملاريا، غير أنّ أشعّةً مقطعيّة لموميائه تُخبر بأنّه كان مُصاباً بمرضٍ نادرٍ في العظام أثَّر على قدمه اليمنى، وجَعَلَها تبدو مشوَّهة، ولهذا عُثر في مقبرته على 130 عصا للمشي، ما يدلّ على استخدامه إيّاها في أثناء حياته.

هل تعرَّض توت لكسرٍ حادّ في ساقه، ما أَحدث نزْفاً أدّى إلى وفاته بسبب تسمُّمٍ في الدم؟ هذه رواية أخرى.

وإلى جانب ما تقدَّم، تبقى هناك احتمالاتٌ لتعرُّضه لحادثِ اغتيال، إذ وُجدت في جمجمته فتحةٌ، ما دعا البعض إلى القول إنّه تلقّى ضربةً على رأسه أدَّت إلى وفاته.

يرفض الأثريّ المصريّ، زاهي حواس، هذه الفكرة، ويُرجع الفتحة إلى التحنيط، لكنّه قولٌ مردودٌ عليه، إذ إنّ تفريغ الجمجمة في تلك العمليّة كان يتمّ عادةً من خلال كلّابات تدخل في الأنف، وليس من خلال فتْحِ الرأس، والدليل أنّه لا توجد مثل تلك الفتحات في مومياواتٍ أخرى.

ولعلّ ما يرجِّح قصّة الاغتيال، أنّه في الأعوام 1968 و1978 على التوالي، جرى فحص المومياء باستخدام أشعّة إكس في جامعتَيْ ليفربول وميتشيغان، وتوصَّلت الجامعتان إلى اكتشاف بقعة داكنة تحت جمجمة توت من الخَلف، ما تمَّ تفسيره كنزْفٍ في الدماغ، ما أدّى إلى انتشار فرضيّة أنّه تلقّى ضربةً على رأسه قادته إلى مصيره المحتوم.

هل هناك غرفٌ أخرى لم يكتشفها كارتر؟

في العام 2015 أجرى خبيرُ الرادارِ هيرو كاتسو واتانابا، سلسلةً من أعمالِ مَسْحٍ لأرضِ المقبرة بواسطة الرادار، وأَظهرت نتائج هذا المسح الراداري احتماليّة وجود غُرف دفنٍ أخرى مُختفيَة خَلف مقبرة الملك الشابّ. وقد دَفَعَ هذا الخبر الكثيرين لتوقُّع مُفاجأة قد تكون صاخبة بدَورها، إذ يدور حديثٌ منذ زمنٍ طويل عن احتمال وجود مقبرة والدته نفرتيتي بالقرب منه، وربّما ضمن الغرف المخفيَّة.

غير أنّ البعض الآخر من الأثريّين يرى أنّ هذا الطرح غير واقعي، إذ إنّ كهنة أمون لم يكونوا ليُوافِقوا على دفْنِ نفرتيتي، زوجة أخناتون، الرجل الذي يُعتبر مُجدّفاً على معبودهم الأعظم أمون، في أراضيهم، ويرجّحون أن تكون مقبرتها في منطقة تلّ العمارنة في منطقة محافظة المنيا في صعيد مصر، هناك حيث كانت مقبرة أمون.

من جهته يقول عالِم الآثار “فرانك رولي” من جامعة زيورخ في سويسرا إنّ “هناك قائمةً باسماءٍ يُمكن إيجادها بالفعل في تلك الغُرف، على رأسها ‘ميريت آتون’ أخت توت الكبرى.

لكنْ ماذا عن جثّتَيْ الرضيعتَيْن اللّتَيْن عَثر عليهما كارتر ضمن مقبرة توت وبالقرب من تابوته؟

عبر الحمض النووي تأكَّد أنّهما ابنتاه، أمّا السرّ فتُميط عنه اللّثام عالِمةُ المصريّات “جويس تيلد يسلي”، وهو أنّ ابنتَيْ توت عنخ أمون، كانتا بمثابة بوليصة تأمين له في رحلته للحياة الأبديّة. فقد كان دائماً ما يتمّ تصوير النساء والفتيات على أنّهن يمثّلن حضوراً وقائيّاً ضمن تعاويذ فرعونيّة كثيرة، تَضمن للمصري القديم عبورَ روحه إلى العالَم الآخر، هناك حيث يَقفْنَ بجواره في وقتِ مُحاكمته.

هل توت أحد الفراعنة الفضائيّين؟

تساؤلٌ يستهجنه عُلماء الإيجبتولوجي، في ردودهم على أنّ الحضارة المصريّة القديمة حضارة فضائيّة شيَّدها سكّانُ كواكب أخرى. والقصّة هنا مردّها إلى وجودِ خنجرٍ للفرعون الصغير لم يصدأ بعد 3 آلاف سنة ومصنوعٍ من مادّةٍ نَيزكيّة، ويحتوي على نسبةٍ كبيرة من النيكل والكوبالت، شأن العديد من النيازك التي وُجدت على ساحل البحر الأحمر المُمتدّ على ألفَيْ كيلومتر، ومؤخّراً عُثر في مقابر جديدة على حديدٍ من النَّوع ذاته، وهناك جملة مكتوبة باللّغة الهيروغليفيّة على مقبرة توت تقول: “إنّ الحديد هديّة من السماء”.

هل تنتهي ألغاز توت هنا؟

قطعاً لا، فهناك قصّة أبواق اللّعنة، إن جاز التعبير، فقد اكتشفَ كارتر في المقبرة بوقَيْن، واحد من فضّة وآخر من نحاس، ويُرجِّح البعض أنّ النَّفخَ فيهما يقود إلى كوارث عالَميّة.

يَذكر موقعُ “ذا صن”، أنّ هيئة الإذاعة البريطانيّة أَقنعت مصلحةَ الآثار المصريّة بإعارتها البوق الفضّي في العام 1939، وما أن قام “جيمس تابيرن”، عازف البوق من فوج الفرسان الملكي بالتجهُّز للعزف، حتّى انقطع التيّار الكهربائي وانطفأت الأنوار، وانكسر البوق، ثمّ اندلعت الحربُ العالميّة الثانية.

لاحقاً وفي العام 1967، وفي مُحاولةٍ من أحد أُمناء المتحف المصري في ميدان التحرير إنكار فكرة وقوع الحروب والكوارث حال النَّفخ في البوق، قامَ بالنَّفخ، وبعد قليل وقعَتْ كارثةُ حرب الأيّام الستّة.

عطفاً على ذلك، فإنّ قصّة البعوضة التي لَدغت اللّورد كارنافون بعد حلاقة ذقنه في فندق كونتينتال، وسط القاهرة، وهو مَن قامَ بتمويل حملة الكشف عن قبر توت، لا تزال حاضرة عبر الأجيال.

هل من حقيقة مؤكَّدة في قصّة الفرعون الصغير؟ الجواب هو أنّ ثمّة حقيقة واحدة فقط، وهي موته منذ ثلاثة آلاف سنة.

***

*كاتب من مصر

*مؤسسة الفكر العربي-نشرة أفق

(https://cityoflightpublishing.com/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *