عدالة السماء وعدالة الأرض

Views: 457

أنطوان يزبك

 

ثلاث منجّيات :

خشية الله في السرّ والعلانية،

والقصد في الفقر والغنى

والعدل في الغضب

 والرّضى !

 عليّ بن أبي طالب عليه السلام…

 

ضربنا بالزلازل ،  بعدما ضربنا بالمعاصي التي هي من جنى أيدينا، ضربنا بالمهازل بعدما سخرنا من كلّ ما هو إلهيّ ربّاني ومقدّس!

اهتزّت الحواضر والمدن وعمّ الخوف ، إنها دينونة قادمة على عربات من نار وخيل الآخرة المفزعة بصهيلها الشيطاني المسكون بالرجس والابلسة! .

 صار سافل الأرض عاليها وعاليها سافلها ؛ في شرق المتوسط في تركيا وسوريا والاسكندرون التي هي حقيقة أرضنا وبلادنا.. وفي كل أنحاء العالم ، بدأت ترددات الهزات القويّة :

في مصر وإيران وكازاخستان وباكستان وسومطرة واندونيسيا ولبنان والأردن وفلسطين..وهلمّ جرّا إلى وقت بات فيه الناس ينتظرون قيام الساعة ونهاية العالم ! !..

ومع هذه الزلازل اندفع البشر  وأخذوا يطرحون الأسئلة التي ما فتئوا يرددونها منذ أن بدأ الإنسان يصير إنسانا عاقلا  يدرك ويفكّر ويسأل ويحلل:

– هل الله هو الذي أعطى الأمر بهدم المسكونة تمهيدا لفنائها؟

-هل يسمح الله بالعذاب والهلاك والقهر والموت بهذه الطريقة الشنيعة ؟

-هل الإنسان حقيقة مسيّر أم مخيّر ، أم أن ثمة حتميّة لا مفرّ منها على الإطلاق؟!  هل أن ما يحدث من كوارث يحدث في هذا الكون من تلقاء ذاته،  فلا يتغيّر شيء على الإطلاق!؟!…

أي أنّ ما حصل مكتوب وما منه مهروب والتاريخ واضح لا نستطيع تبديل قيد أنملة من تداعياته، مهما فعلنا ومهما حاولنا، كما تقول فيروز : يا قلبي لا تتعب قلبك…

وأعود بالذكرى إلى رواية “كانديد ” للفيلسوف الفرنسي الرائع  فولتير ، حيث يؤتى إلى ذكر الحروب والزلازل وخاصة زلزال “لشبونة” الشهير الذي راح ضحيته الآلاف في ذلك الزمن، وقد أدّى ذلك إلى استعار حمّى كبيرة من الجدل المرير والآفاق المسدودة،  بين فلاسفة عصر الأنوار؛ من أمثال ديدرو ولايبنتز وروسو وفولتير، حول مسألة الإرادة الإلهية والقضاء والقدر والحتمية والدهريّة والإيمان والتسليم وغائيّة الوجود وما اذا كان هناك ثمة إرادة تتحكم بالكون ام لا وما علاقة الخالق الاعظم بكل شؤون الإنسان والأرض والكون والفلك والنجوم.. إلى غير ما هنالك من قضايا تؤرق عقل الإنسان وذهنه وترهق وعيه ….

بصراحة  قد تكون هذه الأسئلة عصيّة على الفهم البشري ولكن هناك مدوّنات ومقالات لأصحاب عقول نيّرة مؤمنة ومنطقية لفتتني في هذا الصدد وفي هذا  الموضوع بالذات،وأذكر مقالتين تحديدا :

واحدة للقسيس الدكتور إدكار طرابلسي في مجلة رسالة الكلمة.

وأخرى مدوّنة للخوري الدكتور إدكار الهيبي، على صفحته في الفايسبوك .

وعليه أدعو الجميع إلى قراءة مقالات “الادكارين” ففيهما ما يفيد ويغني ويجيب على كل التساؤلات ويعفي من الجدل العقيم وغير المجدي؛  لأنني صراحة تعبت من عقليّات تمعن في البقاء في عصور الجهل والعماء والغباء والتفاهة والجهل وقلّة الإيمان والتمترس وراء عقليات بائدة وأفكار ساقطة وخبل أسطوري وصراخ جهوري لثرثرات نافرة وسالفات عاثرة، أسقطت الإنسان في وحول سبخة واوساخ زنخة!!

ما أريد أن أذكّر به القارئ الكريم أننا قبل أسبوع الزلازل الرهيب ، كنا نشكو من ظلامة كبيرة ومهزلة عسيرة ودوّامة مريرة، ونطلب عدالة وانصافا لكلّ ما ألمّ بنا من مشاكل مستعصية وحروب اقتصادية ومالية ومعيشية سياسية واجتماعية ، وكنّا نصرخ من كل مكان طالبين الحق والحقوق ولم نكن نحصل سوى على الغبن والعقوق في زمن الموت والنفوق ..

وفي المحصّلة تأكد لنا أنّه ما من مجيب ولا من يسمع كل هذا الألم وأن الأنانية لا حدود لها كما العنف والجريمة، كما تذكرنا قول  جبران خليل جبران شعرا :

والعدل في الارض يبكي الجنّ لو سمعوا به

ويستضحك الأموات لو نظروا

فسارق الزهر مذموم ومحتقر

وسارق الحقل فهو الباسل الخطر …

تبيّن ان لا عدالة في أيّ مكان على المدى القصير أو البعيد ، لا في المخفي  ولا في  المنظور … بعدما  كانت الحناجر ترسل عقيرتها بالصراخ ، خفت الصوت واختنق في كلّ مكان ، كما زفرات الضحايا تحت الركام والموتى في القبور، أجل كان جميلا لو  ابقينا لوحة الشروق والحب والفرح،  لكن ما دخل فيه العالم من لوحة نهاية البشرية ، واحترقت فيه العواطف والمشاعر لا يوصف !!

يقول الشاعر :

لا تطلب الود ممن ليس يعرفه

أو تسأل الشوق قلبا قدّ من حجر

لا يرتجى الماء من بئر معطلة

أو يجتنى تمر من عاقر الشجر !

فعلا لقد جفّ حليب الإنسانيّة من صدر البشرية والعقم عمّ الوجود في حالة متواصلة بين المكان وانعكاسه لدرجة أننا بتنا لا نعرف ماهية الوجود أو ندرك حقيقة الأشياء…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *