مخاطر الطلاق بين الحل والأزمة!

Views: 307

العراق-د. سلاهب طالب الغرابي

 

الطلاق: في اللغة هو حلُّ الوثاق وهو مأخوذ من الترك والإرسال، أمّا في الاصطلاح فهو حلّ عقد الزواج. 

تعتبر الأُسرة هي الكيان الأساس الذي يعتمد عليه المجتمع، وأي خلل في هذا الكيان يؤدي إلى تدمير اتزان المجتمع، حيث انّ كثرة النزاعات بين الزوجين قد تقود إلى الطلاق والذي يعدّ أكثر المشاكل الاجتماعية المستمرة، وارتفاع حالات الطلاق في الآونة الأخيرة فهو حدث جلل وله مخاطر كبيرة على الأسرة والمجتمع. 

أعلنت الاحصائيات الرسمية في العراق لعام 2022 بأن مجموع حالات الطلاق تقدّر بما يقارب 10000 حالة شهرياً في مختلف محافظات العراق، و 3% من المتزوجين ينفصلون سنوياً، و20% من حالات الزواج تنتهي بالطلاق خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج، وهذه النسب من أعلى نسب الطلاق في العالم ولها تأثيرات كبيرة وخطرة على بنية المجتمع .

وقد وصف المختصون في علم الاجتماع ارتفاع مجموع حالات الطلاق المسببة للتفكك الأُسري مؤخراً بأنّهُ نتاج طبيعي لتراكم الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والوجدانية والصحية خلال الأعوام الماضية.

 

 أنواع الطلاق حسب المادة الثامنة والثلاثون من قانون الطلاق في العراق:

1) طلاق رجعي: وهو ما جاز للزوج مراجعة زوجته أثناء عدتها منه دون عقد وتثبت المراجعة بما يثبت به الطلاق.

2) طلاق بائن: ويقسم إلى نوعين:

*طلاق بينونة صغرى وهو ما جاز فيه للزوج التزوج بمطلقته بعقد جديد.

*طلاق بينونة كبرى وهو ما حرم فيه على الزوج الزواج من مطلقته التي طلقها ثلاثاً متفرقات ومضت عدتها.

مما لا شك فيه أن في الطلاق كراهة وهذا ماورد عنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (ع) قَالَ: “مَا مِنْ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّه الله عَزَّ وجَلَّ أَبْغَضَ إِلَيْه مِنَ الطَّلَاقِ وإِنَّ الله يُبْغِضُ الْمِطْلَاقَ الذَّوَّاقَ”/الكافي -الشيخ الكليني- ج 6 ص 54.

ولكن الطلاق أحياناً يعدّ الحل الأمثل عند استحالة استمرار العلاقة الزوجية وهذا بعد استنفاذ كلّ الطرق المتاحة لحل النزاعات بين الزوجين، وليس كأول الحلول، كما ينبغي على مَن يتزوج معرفة ما لهُ وما عليه من حقوق وواجبات، قد يكون الطلاق نهاية لمشكلة النزاعات ولكنه بداية لمشكلة جديدة وهي عدم استقرار الأبناء وتشتتهم.

أوجب الله تعالى انقياد الزوجة للزوج وحُسن التبعل في غير معصية الخالق، كما أوجب على الزوج القيام بكلّ حقوقها، والاهتمام بركن عظيم عند تأسيس أسرة و قاعدة العدل والرحمة الإلهي.

(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) البقرة/٢٢٨

ويرجع الحقوق بين الزوجين إلى المعروف، وقد رفع الإسلام شأن المرأة التي هي مربية الأجيال وشقيقة الرجل فلا يضيع لهما عمل ولا سعي.

وبين رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ) عندما سألوه عن حقوق الزوجة: (أَن تُطعِمَهَا إِذَا طَعِمتَ، وَتَكسُوَهَا إِذَا اكتَسَيتَ، وَلا تَضرِبِ الوَجهَ، وَلا تُقَبِّح، وَلا تَهجُر إِلا فِي البَيت) 

تتساوى الحقوق والواجبات في كل من الزوجين في أمور معينة مثل إحسان المعاشرة، عدم تحريم الحلال وتحليل الحرام، الرعاية، المشاورة وغيرها. ولكن الحقوق والواجبات تتباين بمقتضى الشرع والفطرة، ورجح الإسلام كفة الرجل بمنحه القوامة لأن به تأسست العائلة، ودفع توهم المطلق للمساواة.

يعدّ الطلاق من الأحداث المؤثرة في استقرار أفراد العائلة ويسبب الشدّة النفسية، وغالباً ما يزيد نوبات الغضب والعدائية فيما بين الزوجين المنفصلين، وبالإضافة إلى ذلك قد يكون لديهم ابناء الذين سوف يعانون من ضغوطات نفسية ورهاب من خسارة حب الوالدين – قلق الانفصال أو يتصورون بأنهم منبوذون إذا تم تجاهلهم.

من الطبيعي حدوث مشاكل وخلافات عائلية لكن قوة العائلة المثلى تتجلى بإيجاد الحلول الممكنة، وهذا يتمثل بدور الزوجين مما يعزز الانتماء لدى الأبناء وترسيخ مبادئهم والدعم لبعضهم .

 

أكثر الأسباب المؤدية إلى الطلاق :

*الزواج المبكر، والتقصير في أداء الحقوق والواجبات .

* السكن المشترك مع أهل الزوج أو الزوجة، والتدخل السلبي من قبل أهل الزوج أو الزوجة في كلّ صغيرة وكبيرة وتحريضهم على الطلاق.

*الخيانة الزوجية التي تؤدي إلى القطيعة والكراهية بين الزوجين تدفعهم إلى الطلاق.

*تدهور الوضع الاقتصادي، والفقر، والبطالة، وكثرة الديون تدفع الزوجين إلى الإنفصال .

*الرغبة بتعدد الزوجات مع عدم العدل .

*ضعف التواصل بسبب الإدمان الالكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي أو الألعاب أو على مواد كالكحول والمخدرات.

*فقدان ثالوث نجاح الزواج المتمثل بالحب، والاحترام، والاهتمام.

*الغيرة المفرطة والشكوك قد تكون ضاغطة للطرف الآخر وتعزز رغبة الإنفصال .

*العنف اللفظي والجسدي يغير الحب إلى بغض وكراهية ويعزز الطلاق.

وقد منح القانون العراقي الحق للزوجة في طلب التفريق القضائي من زوجها إذا أضر بها ضرراً يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية، وإذا طلق الزوج زوجتة وتبين إنه متعسف في ايقاع الطلاق فقد ألزمه القانون العراقي بتعويض الزوجة عن الطلاق التعسفي وهذا التعويض يجب أن يتناسب مع درجة التعسف والتعويض يعادل نفقة الزوجة لسنتين وذلك استناداّ لاحكام المادة 39/3 من قانون الاحوال الشخصية رقم188 لسنة 1959. 

*الملل من تقديم الرعاية للزوج أو الزوجة أو لذويهم عند الإصابة بمرض مزمن .

*عدم القدرة على التحاور وعدم فهم الطرف الآخر وعدم استيعابه لتفاوت الدرجة العلمية أو الثقافية أو فارق كبير في السن.

*التسرع في اقرار الطلاق اثناء نوبة غضب ناجمة عن استثارة من الطرف الآخر.

*عدم حل النزاعات في حينها بشكل نهائي وتراكمها يخلق فجوة بين الزوجين .

*سعي المرأة في فرض قوامتها على الرجل وتهميش دوره مما يسبب نزاعات تنتهي عند عتبة الطلاق .

*أفكار خاطئة عن تصوّر الزواج والظن بأن الحياة ستكون زاهية ومثالية بلا كلل أو ملل.

 *رغبة المرأة بخلع زوجها لسبب عاطفي أو مادي أو تعنيف جسدي مع تنازل عن حقوقها.

* اهمال الحقوق والواجبات الزوجية والاستهانة بها. 

*الرغبة بالتحرر من الزوج أو الزوجة وتعزيز الحرية والاستقلال.

عندما يقرر الوالدان الطلاق يمر افراد العائلة بثلاثة مراحل للتكيّف :

1) المرحلة الحادة: هي فترة ضاغطة بالمشاكل والتي تسبق اتخاذ قرار الانفصال وقد تدوم لمدة تتراوح مابين عام إلى عامين. 

2) المرحلة الانتقالية: هي المدة الزمنية التي يتم فيها الطلاق الفعلي وتدوم لأسابيع، يتم فيها التكيّف مع الوضع العائلي الجديد بين الوالدين.

3) المرحلة التالية للطلاق: هي المدة الزمنية التي تكون بعد الطلاق يتم فيها نمط استقرار جديد.

 

أضرار الطلاق على الأبناء :

  • مرحلة الطفولة: اضطرابات ملحوظة النوم والطعام، قلق الانفصال عن أحد الأبوين،الرُّهاب، نوبات غضب، تدهور في قدرات والمهارات .
  • مرحلة المراهقة والشباب: الشعور بالحزن، وتدهور المستوى الدراسي، فقدان الأمان، التمرد، بغض الزواج، انحراف سلوكي ومصاحبة أقران السوء، الإدمان على مادة كالكحول والمخدرات أو على سلوك قهري كالمقامرة، ميول اندفاعية ومخاطرة.  

دور الوالدين في دعم الأبناء وتجاوز محنة الطلاق:

  • عدم الاساءة للطرف الآخر أمام الأبناء.
  • مناقشة الاحتياجات وتقديم الرعاية اللازمة.
  • احتواء غضب الأبناء حول الطلاق وتقديم الطمأنينة لهم وشرح بأن الطلاق هو الخيار المناسب لهما.
  • عدم جعل الابناء يتحيزوا لطرف واحد واقصاء الطرف الآخر.
  • الانصات إلى الأبناء بانتباه وتقديم الاحترام والنصح والمودة لهم .
  • قد يؤثر الزواج الجديد بعد الطلاق إلى أزمة نفسية جديدة، بسبب عدم قبول زوج جديد لأحد الوالدين، فينبغي تقديم الأعذار المناسبة وتبيان الحاجة لاستقرار أسري جديد.
  • استشارة الطبيب النفسي إذا ظهرت أعراض نفسية شديدة عند الأبناء.

 

نفقة الزوجة والمطلّقة:

قد نصت المادة (58) من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 1188 لسنة1959 أنّ نفقة كلّ انسان في ماله إلا الزوجة فنفقتها على زوجها .

 * نفقة الزوجة :

تجب النفقة على الزوجة شرعاً وقانوناً وإن كانت ثرية، و حسب المادة 23 من قانون الأحوال الشخصية العراقي: 

  1. تجب النفقة للزوجة على الزوج من حين العقد الصحيح ولو كانت مقيمة في بيت اهلها الا اذا طالبها الزوج بالانتقال إلى بيته فامتنعت بغير حق .
  2. يعتبر امتناعها بحق ما دام الزوج لم يدفع لها معجل مهرها أو لم ينفق عليها.

أنواع النفقة التي تستطيع الزوجة المطالبة بها:

‌أ. النفقة المستمرة: وهي النفقة التي تستحق من تاريخ اقامة الدعوى و لغاية اعداد البيت الشرعي أو ايقاع الطلاق من قبل الزوج .

‌ب. النفقة المؤقتة: هي النفقة التي يقدرها القاضي الذي ينظر دعوى النفقة إذا وجد انّ الزوجة بحاجة شديدة إلى هذهِ النفقة و انّ اجراءات الدعوى تطول مما تتضرر معه الزوجة من جراء ذلك و القاضي هو الذي يقدر هذهِ النفقة. 

‌ج. النفقة الماضية: هي النفقة التي تستحق من تاريخ امتناع الزوج عن الإنفاق إلى حين لجوء الزوجة إلى المحكمة.

وقد نصت الفقرة (١) من المادة (٢٥) على حالات سقوط النفقة بقولها :

‏لا نفقة للزوجة في الأحوال الآتية :

‌أ. إذا تركت بيت زوجها بلا اذن، وبغير وجه شرعي.

‌ب. إذا حبست عن جريمة أو دين .

‌ج. إذا امتنعت عن السفر مع زوجها بدون عذر مشروع.

ولانفقة للزوجة إذا مرضت الزوجة قبل الزفاف، وكان مرضها عائقاً دون انتقالها إلى بيت الزوج، وكذلك إذا امتنعت الزوجة عن الانتقال إلى بيت الزوج وهي مقتدرة على ذلك. 

* نفقة الزوجة بعد الطلاق:

استيفاء المهر المؤجل مقوماً بالذهب، وحقها في نفقة العدة، ونفقة الطفل المحضون، وحق الزوجة المطلقة في السكنى وهو حق السكن في منزل الزوجية بعد وقوع الطلاق لمدة ثلاث سنوات بعد الطلاق بموجب قانون حق الزوجة المطلقة في السكنى المرقم 77 لسنة 1983.

 

أضرار الطلاق على الزوجين المنفصلين :

  • استياء الزوجين المنفصلين من نظرة المجتمع الدونيّة لتجربة زواجهم الفاشلة وخاصة إلى المرأة مما يؤدي إلى تدهور العلاقات الاجتماعية والخجل والاحباط. 
  • التشتت الفكري، الحزن، نوبات غضب غير مبررة.
  • جلد الذات لعدم حُسن الاختيار.
  • الإصابة باضطرابات نفسية كالقلق والتوتر، والأرق، وظهور أعراض اكتئابية وأعراض مابعد الصدمة PTSD 
  • ميول انتحارية عند بعض المنفصلين.
  • فقدان السيطرة على توجيه ورعاية الأبناء بعد الإنفصال.
  • الإحباط الناجم عن الحرمان من رؤية الأطفال لأحد الزوجين المنفصلين.
  • النفور من المطلقة وعدم الاقبال على زواجها بسبب شكوك عند البعض حول سلوكها وغالباً ما تتعرض للإهانة واللوم والتجريح أما اضرار الرجل في المجتمع فهي أقل ولكن بعض العوائل يتعاملون مع المطلق بحذر ولايزوجوه بناتهم .
  • اضرار مادية تلحق بالزوج في تسديد النفقات المالية، والقانون لايلزم الزوج المنفصل بالإنفاق على طليقته مالم يوجد أطفال مسؤولة عن رعايتهم وحضانتهم.

أهم الإرشادات النفسية لتجنب أو الإقلال من حالات الطلاق:

*الالتزام باحكام الشريعة في حل النزاعات الزوجية وتعزيز الصبر والسماح والسعي لإصلاح العلاقة الزوجية.

*اعداد برامج توعية للشباب وتنمية روح المسؤولية فيهم وكيفية حل النزاعات الأسرية.

*تعزيز دور الباحثين الاجتماعيين في دورات تخصصية تطويرية حول موضوع الطلاق والمعالجات قبل وقوعه.

*عدم السماح لأي شخص في التدخل في حياتهم الزوجية.

*تعدد الزوجات مباح لكن كثير من النساء لا توافق بذلك فعلى الزوج ألّا يهدم أسرته ليبني أسرة أخرى وعليه أن يحافظ على زوجته وأولاده.

*حل المشاكل بالهدوء والتودد وبضبط النفس وليس بالتهور والعنف والقسوة .

*صبر الزوجين كل منهما على الآخر، فشريك الحياة ليس بملاك، ولابأس بالثناء عليه في خصاله الجيدة وتطويرها وتقويم عيوبه ليدوم الزواج بالمودة. 

* لا بدّ من مراعاة التقارب في العمر بين الزوجين كما يفضل ألّا يقل عمر الزوج أو الزوجة عن سن الرشد إذا توفرت القدرة على تحمل المسؤولية .

*التوافق الثقافي بين الزوجين من حيث القيم، والعادات والتقاليد، كما ينبغي عدم الاستعجال في قرار الزواج خوفاً من العنوسة أو العزوبية.

*الحذر من الزواج المرتبط بمطامع مادية .

 

أهم الإرشادات النفسية لتكيّف الزوجين المنفصلين بعد الطلاق:

*الإيمان والرضا بما كتب الله لهما، والتسليم بقضاء الله وقدره، والاستزادة في العبادات والنوافل والدعاء والصبر .

*العلاج المعرفي السلوكي المتمثل بتقدير الذات واعادة الثقة بالنفس من جديد، والتكيّف على استقرار جديد بالإضافة إلى العلاج الدوائي لمنع تفاقم أعراض الاكتئاب بوصف الطبيب أدوية مثل مضادت الاكتئاب ومضادات القلق.

* تقديم الدعم النفسي للأبناء ورعايتهم وعدم اهمالهم ومتابعة وضعهم الصحي و الدراسي، وعدم التركيز المفرط بالدعم المالي لسد عوزهم العاطفي، لأن الأسراف والتبذير قد يقودهم إلى الضياع مستقبلاً .

 *التمسك بالحكمة و العبرة من الزواج السابق وعدم تكرار الأخطاء بل الاستفادة من التجربة للمستقبل.

 *العزم على تخطي الحزن واعادة الرغبة في الحياة، وأداء العمل والتفاؤل من جديد .

* السماح والالتزام بمشاهدة المحضون مع تحديد المكان المناسب ومراعاة عمر المحضون دون ترك آثار سلبية بعد المشاهدة، وتكون المشاهدة تسوية رضائية أو قضائية تحددها المحكمة، ولقد نظمت قوانين الأحوال الشخصية العربية وفي مقدمتها قانون الأحوال الشخصية العراقي موضوع مشاهدة المحضون في مادته ( ٥٧ )فقرة ٤ : (( للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه، حتى يتم العاشرة من العمر، وللمحكمة ان تأذن بتحديد حضانة الصغير حتى اكماله الخامسة عشره، اذا ثبت لها بعد الرجوع الى اللجـان الطبية المختصة منها والشعبية، ان مصلحة المحضون تقتضي ذلك، على ان لا يبيت الا عند حاضنته )) .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *