ميشلين البارد… فارسة الشعر

Views: 416

أنطوان يزبك

عرفت ميشلين البارد من سنوات ، زميلة في مدرسة سيدة اللويزة – زوق مصبح ،سيدة أنيقة مشرقة دائمة الابتسامة ،وفي ربيع من سنة دراسية، رأيتها وبنشاط منقطع النظير ، تعدّ أمسية شعرية عمادها كوكبة من كبار الشعراء على مسرح المدرسة ؛ وتعهدت الأمسية من ألفها إلى يائها إعدادا وتقديما للشعراء وإلقاء ، فكانت ميشلين امامهم ومضيفتهم وسيدة المسرح وزينة الدار!

ومنذ تلك الأمسية الرائعة، أدركت أن ميشلين هي شاعرة فريدة في شخصيتها وحضورها وخاصة في قوة شعرها الذي يشق طريقه مثبتا راياته وسط حشد من القصائد المنهمرة كزخ المطر كذلك وسط حضور  أعداد كبيرة غير مسبوقة  من الشاعرات .. والشاعرات في لبنان والمشرق العربي عموما، وحتى في سائر البلدان العربية البعيدة عنا  نحو المغرب وصولا إلى المغتربات ، بتن ظاهرة وعلامة فارقة ؛ مثل رفوف الطيور المهاجرة، يزدهرن بكثافة وسرعة نشوء وانتشار ؛ أعدادهنّ المتوالدة  تكسو السماء لدرجة أنها تكاد تحجب نور  الشمس !

 هذه الوفرة تشكل ظاهرة ولعلّ العدد بات يفوق عدد الشعراء الذكور حيث سهرات الشعر تسابق بعضها البعض وتتماهى مع الغيمة العابرة في ليلة صيفية بامتياز ؛ حيث يحلو السهر ويطيب للأذن أن تصغي لتطرب القلوب وتبتهج الأنفس !

ولكن هل يليق لقب شاعرة بكل من سوّلت لها نفسها و تجاسرت وأطلقت على نفسها اللقب ، أو انتدبت من يغدق عليها المدائح ويقدّم لها أوراق اعتماد في محافل الأدب ومنابر الشعر؟ 

وحدها من تستحق لقب شاعرة هي تلك  الّتي انتزعت لقبها انتزاع فارس في ساحة الوغى !  خاصة أن ميادين الشعر اللبناني العاميّ هي ميادين ذكورية بامتياز وعلى المرأة أن تكون بطلة صنديدة لتثبت جدارتها وتحفر اسمها على لوحة الشعر الخالدة أسوة بالشعراء الآخرين..

هكذا تبدو لي ميشلين البارد في قصائدها التي تضجّ أنثوية وشفافية وفي الوقت عينه تحمل قوة غير مسبوقة  وصلابة لا نظير لها، تبدد الشكوك وتثبت نفسها على سلاسة ودفء آسر يعيد إلى لحظات الحب حميميّاتها مخافة أن يقضي برد الشتاء على رومنسية اللقاء إذ تقول ميشلين في قصيدة عناونها بليلة شتي :

كان المسا متل الحلم مشوار

عجقة شتي  والبرق لونو نار

وجُوّا الدفا كمشة حطب عندو

كاسي خمر وشفاف مني تغار

إسقي الوقت تا صار عمري نهار

بحضن الحلم وغفيت عا زندو

وفي قصيدة أخرى تنقل الينا الشاعرة حقيقة الاشتياق وما يمكن أن يتركه لنا الغياب بعد زمن من الشوق والانتظار . إذ  تقول  وهي في ذروة من حبّ وشغف:

 حدّي مَرَق

حدّي مرَق والشوق رفّة عين

وكلّ  الوجع يفتح بمفتاحو

كيف الدني بتهرب معو ولوين

بتوب العشق تا تلبس جناحو

رحت وبقي بي مطرحك عطرين

واحد مرق تا يفرحوا العينين

وواحد فتح شوقي على جراحو

يصعب علينا في بضعة كلمات ان نصف ما نكنّه من مشاعر تجاه من نحب ولكن الشاعر يختصر لنا ما نريد قوله في مجلّد ، ببضعة أبيات سريعة خاطفة تستطيع أن تدور حول الكرة الأرضية وتعود إلينا مثل شعاع ذري وتحفز قلوبنا على الحب جراء بضع همسات. إنها طاقة الذاكرة وموهبة الشعر متحدتان :

  وترجع ع فكري

وترجع ع فكري غمزة عيونك

تمشي بقلبي تحرك الدقات

وكلما بسحرك يرمشو جفونك

تولع بجسمي رقصة جنونك

يطلع ع بالي إكمش الغَمزات..

قال أعرابي ذات مرة إن ظلّ القمر على جدار منزل حبيبته احلى من ظله على باقي جدر المنازل…

ميشلين الشعر لديك هو قمر وظلّ في آن واحد، شعر ينتظر بزوغ أقمار عديدة آتية في مستقبل مشرق من حب وفرح…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *