ورشة تفكير ونقاش “دور الشباب في الأزمات/ بين تحدّي البقاء أو الهجرة، أيَّ اتجاه؟”  

Views: 298

إعداد د. مصطفى الحلوة

في مقاربة إشكالية الهجرة اللبنانية ، لا سيما هجرة الشباب، وهي معضلةٌ قديمةٌ/ مستجدّة، يُواجهها لبنان منذ ما قبل قيام الكيان، نظَّم ” مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، بالتعاون مع مؤسسة Hanns Seidel الألمانية، ورشة تفكير ونقاش، في قاعة المحاضرات 1188، جبيل القديمة، وذلك على مدى يومَي 28 و 29 نيسان 2023، وهي بعنوان:” دور الشباب في الأزمات/ بين تحدِّي البقاء أو الهجرة، أيَّ اتجاه؟”. وتأتي هذه الورشة استكمالاً لورشة سابقة، عقدها “مركز تموز” في 24 و25 آذار 2023، عنوانُها ” لبنان والهجرة: بين الأمس واليوم”. وهذا ما يُؤشِّر على راهنيَّة هذه المعضلة واتّسامها بصفة الديمومة.

 

الجلسة الافتتاحية، مهّد لها وأدارها د. مصطفى الحلوة، وقد تكلّم فيها على التوالي: رئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره، مندوب مؤسسة “هانس زايدل” الأستاذ طوني غريِّب،  منسِّق أعمال الورشة د. خليل خير الله، الذي أضاء على الأسباب الموجبة لعقد هذه الورشة، مستعرضًا العناوين/ المداخلات، التي تضمّها جلساتها الستّ. علمًا أن هذه الجلسات اتخذت العناوين الآتية: مفاهيم جديدة في إدارة الأزمة والتغيير/ حدود الأزمة الراهنة وصعوبات الاتجاه/ دور الشباب في الحياة السياسية/ دور التربية والثقافة في بناء مجتمع جديد/ بين تأمين فرص العمل وتهجير القطاعات المنتجة الحيوية / استراتيجيا إنقاذ في زمن الأزمة المالية الاقتصادية. وقد كانت عشر مداخلات، قدّمها على التوالي: د. ميلاد السبعلي، د. جمال واكيم، د. فداء أبو حيدر، الإعلامي سركيس أبو زيد، د. ماري – لين كرم، د. نديم منصوري، د. خليل خير الله، د.بشير المرّ، أ. فادي سنان، أ. أمين صالح. وقد تولى إدارة الجلسات السادة : د.حنّا الحاج، د. بلانش أبي عسّاف، د. أسامة الحايك، د. كلود مرجي، أ. أمل صانع، د. سوزان مُنعم.

 

وعلى جاري العادة، طغى الحضور الشبابي الجامعي، من محافظة عكار ومن طرابلس. وقد كانت نقاشات وتعقيبات، شكَّلت عنصر إثراء للورشة.

في ختام اليوم الأول من الورشة، استقبل “مركز تموز” الأمينة العامة لـِ” البيت العربي لتعلّم الكبار والتنمية” (عهد)، برئاسة الأمينة العامة السيدة ألسي وكيل، مع وفد دولي، يُمثِّل القارات الخمس. وقد قدّم الوفد هدية عبارة عن كتب ومنشورات ، تسلَّمها د. أدونيس العكره، وكانت كلمات موجزة، دعت إلى التشبيك بين هاتين الهيئتين.

 

لدى انتهاء أعمال الورشة، صدر البيان الختامي، مُتضمِّنًا النقاط الآتية:

أولاً – في الأسئلة/ الهواجس المطِلَّة على إشكالية الورشة؟

  • هل من الممكن منع حدوث الأزمات؟ وإذا كان ذلك متعذِرًا، فكيف السبيل إلى مواجهتها، أو أقلَّهُ إدارتها، بُغية التخفيف من وطأتها، ريثما ينضج الحل الناجز؟
  • لماذا ينجح اللبنانيون كأفراد، ويفشلون كمواطنين ومجتمع؟
  • كيف يمكن بناء قطاعات مُنتجة،وتحمُّل المسؤولية الاجتماعية، في ظلّ الكمّ الكبير من هجرة اللبنانيين، لا سيما الشرائح الشبابية المتعلّمة والمتخصّصة؟
  • أين لبنان من تطبيق مفاهيم إدارة الأزمات،ومن استخدام تقنيات العصر الرقمي؟
  • أين لبنان من التحوُّل الرقمي، في مختلف القطاعات، وصولاً إلى بناء اقتصاد المعرفة؟ 
  • كيف نتعامل، كلبنانيين، مع أزمة انقلاب سُلَّم القيم المترجِّح بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة؟
  • ما هو دور الشباب لدينا، وما هو مستوى تصميمهم للبقاء في لبنان، وثقتهم بالقدرة على التغيير؟
  • ما هو دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في مواجهة الأزمات؟ وهل يستطيع المساهمة في عملية التغيير، من دون اعتماد أسس مناقبية جديدة ورؤيا اقتصادية واجتماعية جديدة؟ 
  • أين لبنان راهنًا من ثقافة الابتكار والتجديد؟ وكيف نطبِّقُ هذه الثقافة في المجالات المتنوعة؟
  • كيف نستطيع تكبير حجم الاقتصاد، كي يستوعب أعداد المتخرّجين الجامعيين سنويًا، من طريق العمل عن بُعد، وإمكانية تصدير منتجاتهم وخدماتهم بدل تصديرهم هُم؟
  • أية رؤيا اقتصادية اجتماعية، يجب أن نعتمد لمواجهة أزماتنا الحالية، والتي تتناسلُ من بعضها بعضًا؟

 

ثانيًا- في تحديد المفاهيم والمصطلحات

من منطلق علمي ومنهجي، لا بُدَّ من تحديد المصطلحات والمفاهيم، كونها تُشكِّل مفاتيح أساسية ومداخل إلى مختلف جوانب الإشكالية، العائدة لهذه الورشة:

1.الأزمة؟: مصطلح قديم، ترجع أُصوله التاريخية إلى الطب الإغريقي، وتعني نقطة تحوّل حاسمة، في حياة المريض. وقد شاع استخدام هذا المصطلح في القرن السادس عشر، في المعاجم الطبيّة . وقد تم استخدامه في القرن السابع عشر،للدلالة على تأزُّم العلاقة بين الدولة والكنيسة. وبحلول القرن التاسع عشر،تواتر استخدام المصطلح للدلالة على ظهور مشكلات خطيرة أو تحوّلات، في تطوّر العلاقات الاجتماعية- السياسية– الاقتصادية .

وبحسب هنري كيسنجر، وزير خارجية أميركا الأسبق، فإنّ الأزمة هي علامة مَرَضية، تشي بمؤشرات، تسبق الانفجار.

2.الشباب ؟ ، وفق الأمم المتحدة هم الأشخاص، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة. وقد ظهر هذا التعريف/ التحديد، في سياق الأعمال التحضيرية للسنة الدولية للشباب (1985)، وأقرّته الجمعية العامة، في قرارها 36/28، لعام 1981. علمًا أن جميع إحصاءات الأمم المتحدة، بشأن الشباب، تستند إلى هذا التعريف. وفي المعجم اللغوي الإنكليزي، تُطلق لفظة الشباب على المرحلة العُمرية، التي تمتد من مرحلة الطفولة إلى ما قبل سنّ الرشد.

 

3.الثقافة؟ تعرَّف الثقافة Culture، من منظور لغوي عربي، على أنها السيف (صفة القطع والحسم). وهي تعني أيضًا الخشبة التي تُسوّى بها الرماح (الاستقامة/ التقويم). كما تُُعرَّف في المعاجم العربية بأنها الفطنة والحذق، و كل ما يُضيء العقل، ويُهذِّب النفس والذوق، ويُنمِّي موهبة النقد الخ.

أما في الاصطلاح، فتُعرّف الثقافة بأنّها نظام يتكوّن من مجموعة المعتقدات، والإجراءات، والمعارف، والسلوكات. إشارة إلى أن الثقافة تدلُّ على مجموعة من السمات، التي  تُميِّز مجتمعًا عن سواه، وفي عِداد هذه السمات: الفنون والموسيقى، والدين والأعراف، والعادات والتقاليد السائدة، والقيم وسوى ذلك.

  • مالينوفسكي، يرى إلى الثقافة وسيلة، تُحسِّنُ وضع الإنسان ، بحيث يستطيع مواكبة التغيُّرات ، التي تجري في مجتمعنا.
  • تايلور، يعتبرها (أي الثقافة) نظامًا متكاملاً، يشتمل على دعائم مكينة: المعرفة، الفن والقانون، والعادات، والتقاليد، والأخلاق وسواها.
  • في مكسيكو، خلال أحد المؤتمرات، الذي أخذَ جانب الثقافة (1988)، تمّ التوقف عند 150 تحديد للثقافة. وفي تبيان العلاقة بين الثقافة والسياسة وعدم انفصالها عن السياسة، فهي تغتذي من السياسة، ليس من عنعناتها وتفاهتها، بل من حيث جوهرها، كتدبير للشأن العام وحياة الناس.  

4.القيمة؟ تعني ثمن الشيء وسعره. في العلوم الإنسانية، فهي المعيار، لمعرفة الصالح من غير الصالح. وهي تختصّ بالحياة الإنسانية دون سائر الكائنات الحية (الفارق: دور العقل والمشاعر).

من منظور العلوم الاجتماعية، فإن القيمة مجموعة من التفصيلات المثالية، إلى حدّ ما، داخل الجماعة، تتجسد في القواعد، التي يجب على الأفراد الامتثال لها، والسلوك بموجبها، تحت طائلة المساءلة، حالَ عدم الامتثال.

 

5.الدولة:هي الدولة، بكل سلطاتها وأجهزتها، وحصرية احتكارها للسلاح والدولة هي نحن المواطنين، في علاقة جدلية خلاّقة معها. وهي لا تقوم لها قائمة إلا عَبْرَ الإقرار بحقوق المواطن، وحقوق الإنسان، وثقافة الديمقراطية، وثقافة المواطنة، والتربية عليها، عبر جعلها سلوكًا مُعاشًا.

6.الإعلام؟ الوسيلة الاجتماعية الرئيسة، للتواصل مع الجماهير.. هذا هو المفهوم التاريخي التقليدي للإعلام. بيد أننا راهنًا في خضمّ الإعلام الإلكتروني، فهو وسيلة من وسائل الإعلام الحديثة، التي تعتمد على الإفادة من تكنولوجيا المعلومات الإلكترونية، التي تشمل شبكة الانترنيت، وأية وسيلة أخرى، من الوسائل المرتكزة على المعلومات الرقمية.

 

ثالثًا- في المعطيات العائدة للإشكالية، وفي الرؤى

– ليس عبثًا أن يغدُوَ الشباب المقياس المعتمد، في تصنيف الدول والأوطان والمجتمعات، لما يختزنون من قدرات وطاقات ومواهب.

– ماري شاتاردوفا، رئيسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، تذهب إلى أن القرارات التي يتخذها الشباب، في حياتهم اليوميَّة، تؤثِّر على إمكانيات تحقيق أهداف “التنمية المستدامة” (عددها 17). وقد أكدت على أهمية أفكار الشباب وابتكاراتهم، لتحقيق هذه الأهداف.

– الشباب هم الفئة الأكثر تقبّلاً للتغيير، والأكثر استعدادًا للتعامل مع الجديد والإبداع فيه. وهم الأقدر على التكيُّف، مما يجعل دورهم أساسيًا بإحداث التغيير في مجتمعاتهم.

 

– يتجلّى دور الشباب في العمل التطوّعي والخدمة العامة ، مما يُحتِّم على المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني بناء شخصيتهم ، وتعزيز روح المواطنية لديهم . 

– للشباب تأثير كبير في المجال السياسي ، وأدوار هامة ، يمكن أن يُساهَموا عبرها ، في التصدّي للأزمات . وهم يمثّلون قوة أساسية في الانتخابات على خلافها (النيابية والبلدية ومجالس الأقضية والنقابات المهنية، وسوى ذلك من أطُر جامعة ..) ، لها تأثيرها على السياسات العامة وصُنّاع القرار .

– يمتلك الشباب التكنولوجيا الحديثة ، والقدرة على التحكُّم بأدوات التواصل الاجتماعي . وهم في هذا المجال ، أصحاب أفكار خلاّقة ومهارات، تُفضي إلى الابتكار والإبداع . ناهيك عن الطاقة الجسدية (القدرة على الاحتمال). 

 

– يُناهز عدد الشباب في لبنان حاليًّا مليون وسبعمائة ألف شابًا وشابة، يُعانون بغالبيتهم من الأزمة الطاحنة (الانهيار المريع على جميع الصُعُد ) ، مما عزّز لديهم مشاعر الإحباط واللامبالاة ، ونزوعهم إلى الهجرة ، في ظل فقدان الأمل ، بإمكانية تحسُّن الأمور ، في المستقبل القريب . 

– ومن تجليّات أزمة الشباب ، ارتفاع البطالة بين الشريحة ، التي تتراوح أعمارها بين 15 و 24 سنة ، من 23 % عام 2019 / إلى 48 % في العام 2022 ، أي ما يُعادل الضعف . 

– الأزمة المصيرية الوجودية ، التي تستبدُّ بلبنان راهنًا ، جعلت غالبية الشرائح الشبابية في حالة من التمزّق ، واضعةً إياها بين مطرقة البقاء في البلد وسندان الهجرة . 

 

– الهجرة الشبابية ، دافعُها الأساسي البحث عند فُرص عمل في الخارج، لا تتوافر في البلد الأم ، وإن توافرت ، فبشقِّ النفس ، وهي لا تُؤمِّن الحدّ الأدنى من سُبُل العيش الكريم . 

– مما يزيد من مخاطر موجة الهجرة السادسة (إنطلقت غداة العام 2019 ، مع حراك 17 تشرين أول ) أن غالبية المهاجرين الشباب ، فقدوا إيمانهم بمعافاة بلدهم ، فقرّروا عدم العودة ، وباع الكثيرون ممتلكاتهم ، وكانت هجرة عائلات ، وليس هجرة أفراد . 

– بين عامي 2018 و 2020 ، بلغ عدد المهاجرين من لبنان مائتي ألف ، بينهم 68 ألفًا في العام 2021 ، وتُشكِّل الشريحة الشبابية 70 % من مهاجري تلك الفترة . 

 

– أُجريت دراسة جادة وموثّقة (د. سوزان منعم) على 1023 شابًا لبنانيًّا، تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا ، في العام 2022 ، أظهرت أن 75,6 % يأملون بالرحيل عن لبنان . 

– 35 ألف جامعي ، يتخرجون سنويًّا من جامعات لبنان ، لا تستطيع غالبيتهم الحصول على فرصة في سوق العمل . علمًا أن فرص العمل ، التي تتوافر هي في حدود أربعة آلاف أو خمسة آلاف وظيفة . مع الأخذ بعين النظر أن التوظيف ، في القطاعين العام والخاص ، يخضع لعملية الولاء والزبائنية ، ولا يخضع غالبًا لمعيار الكفاءة . 

– انعكاسات الهجرة ، لا سيما الشبابية ، تُسهم ، بطريق غير مباشرة ، في إِطالة عمر منظومة الفساد والإفساد ، كونها تُفرغ لبنان من العنصر الشبابي ، الذي يُشكّل العمود الفقري لأي حراك تغييري . 

 

– من تداعيات الهجرة السلبية ، لدى الشرائح الشبابية ، نزوعُها إلى الإحباط والتهميش ، وفقدان الأمل بالأحزاب السياسية “العقائدية” ، لإحداث التغيير المطلوب . 

– في إطار الانهيار العام وتداعياته ، هاجر حوالي 3500 طبيب ، إلى أعداد كبيرة جدًّا من الممرضين والممرضات ، والفنيين والإداريين العاملين، في المجال الصحي . 

– استكمالاً ، في المجال الصحي ، وبحسب المدير العام لوزارة الصحة، ثمة تخوّف من عدم إمكانية الوزارة الاستمرار ، في تقديم الرعاية والخدمات ، في حال تصاعد الأزمة العامة ، وعدم إيجاد حلول جذرية . علمًا أن في لبنان 130 مستشفى خاص ، و 32 حكومي، إضافة إلى وجود 500 مستوصف . 

– من تداعيات الهجرة الحديثة انقلاب الهرم العمري رأسًا على عقِب، أي توسُّع شريحة كبار السنّ ، على حساب شريحة صغار السنّ ، التي يُفترض أن تُشكِّل قاعدة الارتكاز الأوسع لهذا الهرم . وهذا يعني أن لبنان يحث الخُطى في طريق الشيخوخة ، حيث يشهد تراجعًا في النمو السكاني هو بحدود 2,68 % سنويًّا ، وهذا التناقص سيستمر ، بحسب الديموغرافيين، حتى العام 2035 . 

 

– المهاجرون ، وفق المستوى التعليمي (الموجة الأخيرة) : جامعي 46,10 % ، ثانوي 30,40 % ، متوسط 15,20 % ابتدائي 5,10% مهني 1,60 % ، دراسات عليا 1,60 % . 

– عن أعمار المهاجرين ، فالمشهد على الوجه الآتي : 32 % للشريحة العمرية : 25-29 سنة / 28 % للشريحة العمرية : 30-34 سنة / 39,1 % للشريحة العمرية : 20 – 44 سنة . 

– بموازاة الهجرة اللبنانية ، ثمّة هجرة عكسيّة ، عمادُها اللاجئون السوريون ، الذين بلغ عددهم ، بحسب الباحث في الديموغرافيا العميد د. علي فاعور ، نصف عدد اللبنانيين ، ووفق الدولية للمعلومات ، فإن في لبنان حوالي 8 ملايين مُقيم . بهذا العدد الضخم ، يُشكّل السوريون عبئًا اقتصاديًا على لبنان ، لا  يُمكنه احتماله ، ناهيك عن تكريس الخلل الديموغرافي (المختلّ أساسًا ) بين مكوِّنات الشعب اللبناني . 

– لعلّ الأكثر خطورة ، في أزمتنا المتمادية ، على الأجيال ، ترك الجامعة اللبنانية لمصيرها المشؤوم ، وشلّ التعليم الرسمي ، موئل غالبية أبناء الفئات الفقيرة والمتوسطة . علمًا أن تجهيل الأجيال الطالعة له منعكسات مدمّرة ، سنتبيّنها في الآتي من السنين . 

– تراجع دور الأحزاب – وهي القوى الطليعية في المجتمع – لا سيما الأحزاب العقائدية العلمانية ، وطغيان الأحزاب الدينية والتيارات ذات التوجّه الطائفي . وهذا ما سوف يُطيل من عمر الأزمة وتفاقم العطب البنيوي لنظامنا السياسي . 

– لم تتبلور هوية وطنية جامعة لكل المواطنين. فالهويّة اللبنانية المعلنة لم تستطع أن تُؤمِّن الحماية بالتساوي لجميع أفراد المجتمع . من هنا بقي الانتماء للجماعات الصُغرى (الطائفة ، العشيرة ، المنطقة ..) هو الغالب. 

– الأسُس الناظمة للمنهاج اللبناني (التعليمي) تُشدِّد على عناصر الابتكار، التي تتمثل في الآتي : التفكير / خلق شيء جديد/ مبني على المعرفة / يُلبّي حاجة محدّدة / التطبيق والتنفيذ .. وكلها كفايات تُمكِّن العنصر الشبابي من مواجهة الأزمات . 

– الابتكار ، زمن الأزمات ، هو الأساس ، وذلك عبر المشاركة في المسؤولية / لإظهار القدرة على المواجهة / لتقديم الحلول السريعة/ لتحقيق المواطنية الصالحة . 

 

رابعًا – في المقترحات والتوصيات : 

1- بإزاء الواقع المزري ، الذي يعيشه لبنان ، على مختلف الصُعُد، ينبغي القيام بخطوات جذرية ، بسعي من قوى جديدة ، ذلك أن المنظومة في حال عجز تام . ومَن أوصل البلاد إلى الهاوية لن يكون قادرًا – أو راغبًا – في انتشالها من هذه الهاوية ، التي تتردّى فيها . 

2- إنّ التحوّل إلى الاقتصاد الرقمي في لبنان هو أحد الأوجه الرئيسة لحلّ الأزمة المزمنة ، في بُنية الاقتصاد ، وأزمة الانهيار المالي المتفاقمة ، بحيث تشمل الممارسات الجيّدة ، في إدارة الأزمات ، إِستخدام التقنيات الرقمية الحديثة . 

3- يمكن أن يتمّ استخدام تقنيّات الواقع الافتراضي والواقع المعزّز ، في تحسين الاستجابة للأزمات ، وذلك في العديد من المجالات ، من مثل الصحة والطوارئ الطبيّة ، والتعليم ، والإنقاذ ، والطاقة والنقل ، والمياه ، والأمن والدفاع إلخ .. 

4 – على لبنان الإفادة من تجارب عالمية ، في مواجهة أزماتِهِ وإدارة هذه الأزمات . وعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما يخصّ قضية اللاجئين السوريين ، فيُفيد من تجربة أوروبا في تعاطي هذه القضية (2015) ، كما تجربة تركيا . 

5- تأسيسًا على الدور الوازن ، الذي يستطيع الشباب تأديته ، يجب أن يُعمل على استقطاب طاقاتهم وتوظيفها ، كأولوية ، لدى جميع المؤسسات والمجموعات الاجتماعية (التطوّعية) الساعية إلى التغيير . 

6- طالما أن الشباب ، بغالبيتهم ، غيرُ منضوين إلى أحزاب ، فيجب ، أقلّهُ ، أن ينخرطوا في الشأن العام ، لا سيما في المجال الاجتماعي . 

7- آن الأوان لوضع سياسات ورسم خطة طريق ، بهدف معاجلة اللامبالاة السائدة حاليًّا بين الشباب ، وإعراضهم عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وعن المشاركة في صُنع القرار ، بما يُكرِّس مواطنة شبابية فاعلة ، والعبور بلبنان إلى الدولة المدنية الحديثة ، دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية. 

8- للشبابَ دورٌ حاسم يُؤدّونه بإدارة الأزمات ، في العصر الرقمي ، شرط تمتّعهم بمهارات تكنولوجية عالية ، وامتلاك قدرات إِبداعية ومهارات التواصل الاجتماعي . 

9- كي يُساهم الشباب ، في إدارة الأزمات ، يجب إِمدادهم ، تحديدًا ، بالمهارات الآتية : مهارات التكنولوجيا / التفكير الإبداعي / مهارات التواصل والتعاون / إدارة الوقت والتخطيط / مهارات إدارة المعلومات . 

10- استكمالاً ، يجب إعتماد آليات فاعلة لمشاركة الشباب اللبناني في التنمية ، تتمثّل في الآتي : إيجاد نقابات ومراكز لرعاية أفكار الشباب ودعم حقوقهم / الاستماع إليهم من خلال المؤتمرات والاجتماعات الهادفة/ توفير المناخ الديموقراطي للعمل والتطوير وتقديم المقترحات / كبح المعوّقات والمساهمة في تمهيد مجال الإبداع وإثبات المهارات من قِبلهم / تدريب الموارد الشبابية وتقديم منح علمية وثقافية لهم / الدعم المادي والمعنوي للمشروعات الهادفة والمتميّزة التي يقومون بها / إيجاد قنوات مفتوحة بين الحكومة والشباب وعدم ترك فرصة للدخلاء من خارج الوطن . 

11- يجب الاستجابة وفق  الأمم المتحدة ، وهي تُشدِّد على شباب العالم، لجهة تبنّي خطة العام 2030 في بلدانهم ، وذلك لضمان نجاحها. علمًا أن عدد الشباب في العالم يُقدَّر راهنًا بـِ مليار و 800 مليون ، وهو عددٌ قادرٌ على صُنع المعجزات ، فيما لو أُحسن توظيفه في دعم هذه الخطة . 

12 – كون قضية الهجرة تحتلّ الأولوية ، في وضع السياسات السكّانية والاقتصادية ، فإن ذلك يُحتِّم التخطيط وصياغة استراتيجيات ملائمة لتخصص الموارد الكافية للتنمية والتعليم ، والقيام باستثمارات جادة ، في قضية الهجرة.

13- بما يخصّ جرائم التعبير ، يجب أن تضمّ محكمة المطبوعات، وسائر الأُطر المعنية،  ممثِّلاً عن الرأي العام ، من منطلق أن من الواجب معرفة ما يجري بين الجدران المغلقة . 

14- يجب على لبنان أن يستكمل توقيعه على كل الاتفاقات الدولية ، التي تحفظ حقوق الإنسان بعامة ، وحقوق المرأة والطفل وسائر القضايا العادلة والمحقة . 

15 – بما يعود إلى عودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم ، وفي حُمَّى السجالات حول هذه العودة ، بين مختلف الأفرقاء السياسيين ، يجب مقاربة الملف بعيدًا من التشنّجات غير المجدية . فهذا الملف تتقاطع لديه عناصر وتعقيدات مُتعدِّدة ، من محلية وإقليمية ودولية . علمًا أن معظم دول العالم ، لا سيما أميركا وأوروبا ، تدعو ، بشكل صريح ومن طرف خفي ، إلى دمج اللاجئين السوريين في المجتمع اللبناني . 

16- يجب الإفادة من وظائف المستقبل ، وهي 157 وظيفة شائعة حتى العام 2040 ، بحسب بعض الخبراء الدوليين ، وعلى لبنان أن يكون في عِداد الدول التي تواكب هذه المسألة . هذه الوظائف فعّالة للمولودين بعد عام 2010. وهناك عشرون اختصاصًا جديدًا ، تتسع لمئات الآلاف من الموظفين: الروبوتات/ البيانات الضخمة / طواقم العمل الخاصة بقيادة الطائرات من دون طيّار/ خبراء في الصحة الشخصية لأنظمة الذكاء الاصطناعي / النقل ذاتي القيادة/ تكنولوجيا  بلوك تشين / الطباعة ثلاثية الأبعاد إلخ . 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *