نِسرُ الفُنون محمد علي الخطيب العالِمُ في عقْلِ فنان

Views: 109

الزمن يظلمكِ يا شجرة الحق والخير والجمال. لكن جذورك لا يستطيع اي زمنٍ ان يقتلعها، فلها رب الكونِ يحميهاأنت خطُّ الدفاع الأخير في صراع الخير والشر. ذلك الشرُّ الشيطانيُ الذي كَبُر واستفْحَلَ في زمننا. إن قلَّتْ ثمارُكِ الآن، ستعود قريباً الى النمو. فما غرَسَتْهُ سابقاتها من جمال ينمو كما شقائق النعمان. ولا جمال بلا خير، ولا خير بلا حق. هذا منطق العالم في عقل فنان.

  من أثمارِ زمنك الجميل رجالات يودعوننا في كل زمن. إلَّا أنَّ ثمراتك تتساقط علواً وترتفع الى أجمل جنان الكون، الى جنة الخلد. إنها اول ثمرات تتمتع بأجمل ما خلق الله دون انتظار، كما الشهداء، بعدما ترَكْتْ لنا إرثاً رائعاً من اعمالها العملاقة.

      كل ثمرة من ثمراتك امتلكت موهبةً خلاقةً يصعب تكرارها، بل يعجز الزمن عن تقديم مثيل لها. لكن بعض فروعك تنتج عجائباً في الدنيا؛ كلّ ثمرة من غصون العجائب ميزها الله بمواهب عدة كما ميزها بالتواضع والإبداع.

      جبران خليل جبران احدى تلك الثمرات من لبنان والولايات المتحدة الامريكية. هو الذي يلون نفسه بفن الرسم، ويصف العالم بالكلمة، ويجمّل الكون بالشعر.

كذلك صلاح جاهين، من مصر التي عشقتها وعرفت حضارتها وفنونها أكثر من خلال علاقتها بإيطاليا وروما منذ بدئ الحضارات. وجاهين هو صاحب المواهب المتعددة الذي اتحف العالم العربي برسومات الكاريكاتور وبالشعر، وبكلمات الأغاني، والنصوص، والأفلام…  يا له من مُبدعٍ تمُرُّ ذكرى رحيله كل نيسان/أبريل ولا نشعر بعبيره كما يجب. لكن لن نيأس لان ما غرسه جاهين من حق وخير وجمال سيُنْبِتُ القوة التي لا بد ان تأتيلينجلي الليل ولينكسر القيد،قيد عبودية الفكر الذي أسَرَ العالم العربي كما اسر كثيراً من العقول في كل العالم، وكذا شرحَ لنا الفيلسوف فرانس فانون (Frantz Fanon).  تلك الثمرة هي واحدة من ثمراتك ذات جذور القوة المبدعة

        وكما علّمَ محمد علي الخطيب كيف نكون احترافيين صادقين في العمل، ومن خلال أحاديثي معه في ايطاليا، ارى من واجبي العلمي ان أذكر ان ما ألهمني للبحث والتدقيق والكتابة في مجال تعدد مواهب الفنانين هو مقال رائعٌ مُلهِم (وصلني منذ بضعة سنوات وقرأت ترجمة سريعة له) للدكتور وحيد عبد المجيد بعنوانالخطيب.. وجاهينفي صحيفة الأهرام المصرية التي صدرت يوم الثلاثاء 2 فبراير 2016 (السنة 140 العدد 47174). يا له من مقال جميل من قلمٍ يعبرُ عن روعة عقل حامله أحسن تعبير، فهو مثقف كبير ذو عقل نير يلتقط بدقة التشابه بين الفنانين. انه عميق الاحساس، خيرٌ ومُخلصٌ لقضايا بلده، مصر، وامته العربية، وللإنسانية جمعاء. انه ثمرة خيرٍ وحقٍ وجمال.

       وما ألهمني لربط واقع الزمن الحالي بعبودية العقول هو حديثي في اوروبا مع الكاتبة والمسرحية المثقفة ثقافة لامتناهية، ذكُاء عارف الحر، زوجة الفنان المفجوعة، والأم الثكلى التي فقدت ابنها قبل فقدها زوجها بعشرة أشهر فقط. وهي الاخت الحزينة التي فقدت اختها بعد ثلاثة أشهر فقط  على رحيل ابنها البكر. وهي السيدة التي لا تزال ترسم الكلمة اشعاعاً يُنير طرائق التفكير لتقود من يقرأها ويحادثها الى الحق والخير والجمال.

 وبعد هذا الالهام للبحث في ذلك الفضاء من المواهب، وَجَدَ قلمي انه لا يستطيع اللا ان يذكر ضوء شمس العبقري ليوناردو دا ڤينشي (Leonardo da Vinci)، الذي ادخل التاريخ معه ليفرحا معاً في لعبة الفن والعلم. كان التاريخ وليوناردو يتحديان المستقبل بان يأتي بمُبدعٍ مثله، اذ كان رساماً ونحاتاً ومهندساً معمارياً واديباً وموسيقياً، وعالماً في علوم النبات والفيزياء والرياضيات والفلك والجيولوجيا والخرائط، ومخترعاً، ومهندساً حربياً. قد كان حقاً عالماً في عقل فنان

 كثيرون هم الذين انتَجَتْهُم شجرة الجمال من ثمرات فيها طعم مواهب عديدة. والوقت لا يسمح بتلوين هذا الكَلِم القليل بعبيرهم كلهم. لكن الوقت دق بابي ثمّ فتحه بدون استئذان وأمرني بان اليوم هو وقتٌ خصصه لإحدى الثمرات التي ملأها الخالق مواهباً تذكرنا بعدد مواهب الغالي ليوناردو دا ڤينشي.

       انه العالم في عقل فنان، نسر المواهب والفنون، وإحدى حراب التاريخ التي تصارع الوقت وتنتصر، انه محمد علي الخطيب، الفنان اللبناني العربي العروبي الأصيل والعالمي بجودة فنه وعمق فِكرِه الذي يخاطب عقول العالم بأسره. هو الزاهد الذي يُعطي الحياة ولا يسألها ان تعطيه شيئاً. وهو المقاوم بالفن والكلمة في كل الصراعات مع الشر، والراضي رضاً كاملاً عن عطاءات الله له فلم يسأل ان يأخذ أي شيء من الدنيا الفانية واكتفى بمواهبه فقط. فهو الذي نفث الله في روحه أكثر من تسع عشرة موهبة. كان يظهر امامنا بجسد انسانٍ متواضعٍ لكن التواضعَ خبّأ مذاقات مواهب تستطيع كل واحدة منها ان تأخذنا الى لعبة الفن مع العلم ويتسلى معهما التاريخ مرة اخرى مشاركاً. كل موهبةٍ من مواهب الخطيب ترافقها اعلى درجات الانتاج النوعي. فهو يرسم بكل انواع الرسم ابداعات تبقى مدى الحياة (لوحات زيتية، ومائية، وبألوان الاكريليك-acrylic، وباقلام الرصاص، واقلام التلوين الخشبية– crayon de couleur، والوان الفيتر-feutre، وبالحبر الصيني، والباستيل، والفحم، الخ). كما برع براعة كبيرة في رسم اللوحات الذاتية والوجوه (portrait) بكل انواع الرسم وادواته السالف ذكرها. والجدير بالذكر ان هذا البحث يعتبر الرسم موهبةً واحدة فقط وان تعددت انواع الرسم وادواته، اللا ان بعض النقاد والقارئين قد يرون ان لكل طريقة واداة رسم موهبتها الخاصة بها. وان اكتفينا بان الرسم عند الخطيب موهبة واحدة شاملة لكل انواع وادوات هذا الفن العظيم، لن يقف البحث هنا. فالخطيب عالمٌ في الألوان وكيميائها، وإذا نَفذ أي لون من السوق، استطاع الخطيب ان يُركبه كيميائياً من مواد طبيعية ونباتات! وقد علمت ذلك خلال زيارته لإيطاليا حين تحدثنا طويلاً عن الرسم والنحت. فغدا الرسام العالم بالألوان. والخطيب يَنْظُمُ الشعر، ويكتب المسرح، وينْظُمُ المسرح الشعري في أفضل اشكاله وافكاره. هو من اخرج مسرحياته بنفسه فأثبت كما أثبت العبقري وليام شكسبير أنّ أفضل نصٍ مسرحيٍ هو للكاتب الذي يمارس اخراج نصه. وهو خبيرٌ وعارفٌ بعلم تدريب ليونة جسد المُمثل، بل هو من كان يُدرب الممثلين بنفسه على الحركات الرياضية وحركات اليوغا الخاصة بالتمثيل، اذ كان بنفسه يمارس، بمهارة عالية، فن اليوغا

       وهو فنان ماكياج (ماكيير– Makeup artist) قلما له نظير، فيستطيع تغيير معالم الوجه ليعطي الشخصية شكلاً كأنه منها، فيمكنه ان يحوَل وجهاً ملائكياً ليظهر للمشاهدين وحشاً ضارساً. بالإضافة الى ذلك، هو عالمٌ في فن صناعة الاقنعة (masks) والمجسمات التي يُمكن ان يلبسها الممثل لتغطي الجسد وتوحي بانه شيء آخر كشجرة، او صخرة، او جسد حيوان، او مخلوق فضائي. والخطيب مُصمم لأزياء المسرح ومُبدع في هذا الفن. وارى انه لو استخدم موهبته هذه في رسم وتصميم الأزياء عامة لكان من أشهر مصممي الأزياء، ودعوته فعلاً ليقوم بذلك في ايطاليا اللا انه كان يحب فقط تصميم ازياء لشخصيات المسرحيات. واستغربت ان الشهرة والمال لا يغريانه ابداً، وكلمني عن ايمانه بان الله اعطاه المواهب ليُعطي وينتج للحاضر والمستقبل، وان المُبدع حين يفعل ذلك لا يموت، بل يحيا شهيداً عند ربه الذي يدخله الجنة. لذلك كان يصوم عن كل مُغريات الحياة. وعلمني ان للصائمين بابٌ يدخلون منه الى الجنة واسم هذا الباب هو الريّان. احسست حينها كأنه فيلسوف من القرون السابقة. وهو الضليع في علم تقنيات المسرح والالوان، علماً حقيقياً فيعلمنا إياهما بالفيزياء، والرياضيات، والكيمياء، والهندسة. هو فنان يُهندس ديكور المسرح والأستوديوهات والمنازل ويُدرِّس هذا الفن. هو عالمٌ في علوم الضوء وفن الإضاءة؛ يستخدم عقله العلمي ليخلق خليطاً ابداعياً في الوانٍ تتساقط على انواعٍ مختلفةٍ من المواد الصلبة او السائلة او الغازية فيعرف بالمعرفة العلمية الدقيقة كيف ستنعكس والى اين ستطير بألوانها بحسب رطوبة الهواء ويعلم ما سيكون لونها وحرارتها وكيف ستسلك طريقها. وقد شاهدت مقتطفات من مسرحيات له مسجلة تظهر فيها لعبة الاضاءة عنده لتسحر المشاهد. ويعلمنا الخطيب كيف نستخدم كل خلطة لونية ضوئية لنُعبِّر عن احساسٍ انساني خاصٍ او احاسيس كونية. فما أروعَ حظّ من عَملَ معه في هذا العلم والفن. وهو الخبير العالم بفن المجسماتالماكيت” (Maquette) فيستطيع محاكاة الواقع ويركب صوراً بأبعاد ثلاثة لأي موضوعٍ يصممه او يتخيله. وموهبته هذه استخدمها لدعم فنونه الاخرى فقام مثلاً بتركيب مجسماتماكيتتحاكي أَشكال المسارح التي صممها من خلال استخدام علمه وموهبته في تصميم المسارح وتقنياتها.  فهو يمنحنا متعة محاكاة الحياة بواقعتيها وخيالها بإبداع يحمل مواهبه وهويته الفنية وملامح عبقريته وعِلمه. وقد ألهمني كل هذا فتخيلته، للحظات، طائراً من لبنان، وحدث ذلك حين كنا نتكلم بالقرب من مبنى اوبرالا فينيتشي” (Gran Teatro La Fenice) في مدينة البندقية (Venezia- Venice) في ايطاليا، وكان مُعجباً بهذا بالمسرح. وكان الهامي يخاطبني بان يُسمى مسرحاً باسمه وكأنه هو طائر الفينيق (La Fenice- “The Phoenix”) الذي لا يموت، اللا انني كنت اشعر انه أعظم من طائر الفينيق وهو اقوى ولا يُبايع ولا يخسر ولا يحترق كما طائر الفينيق الذي يموت ثم يحيا

       وبالعودة الى المواهب فهو الكاتب الكبير الذي يُبدع بالصور الكلامية والمعاني والاساليب الأدبية في كل كتبه ومقالاته (أكثر من خمسين مؤلفاً ومئات المقالات). وبالرغم من معرفتي المتواضعة باللغة العربية التي تُعتبر ضعيفة بالمقارنة مع اللغات الاجنبية، الا انه من الواضح لاي قارئ غزارة الانتاج والجودة في كتب ومؤلفات الخطيب. وهو من يقول الحق بأسلوب جميل حين يلبس عباءة الناقد من اجل الخير والجمال والتقدم الازدهار. فهو ليس فقط الناقد الادبي، بل هو ايضاً ناقد فني من الصف الأول، وعالمٌ في هذا المجال. انه النحات الذي عانى في بلده واشتكى من عدم وجود مكان عنده ليمارس تلك الموهبة كما يود وكما مارسها العظماء في لعبة تشريح جسد الانسان على الصخر لتظل صخوراً من التاريخ تتحدى المستقبل، كما تماثيل عظيم ثمار شجرة الجمال، الإيطالي ميكيل آنجلو، حامل موهبتي الرسم والنحت. والخطيب عالمٌ فذٌ في علم التشريح، ليس فقط للإنسان، بل للحيوانات والنباتات، فهو الخبير في علم تشريح واسماء واماكن كل عضلة في الجسم وكل عظمة وكل وتروغضروف. حين تكلمت معه عن علم التشريح أدهشني وشعرت انه طبيب دارس للجسد، اللا انه بدراسته الدقيقة هذه وبتطبيقها في رسوماته انما يكلم الروح ليُمتعها فيغدو طبيباً للروح والعقل. كما يعْلَمُ حركات الجماد وتضاريس الارض التي تناديك في لوحاته كأنها مخلوق حيٌ يتحرك داخل جماد. فعلاً، قد علّمَهُ ربُّهُ الأسماء كلها. والخطيب عالِمٌ في طرائق ترميم لوحات مرسومة بأسلوب غير اسلوب الرسام المُرمِّم، وهذا علمٌ بحد ذاته يحتاج الى ابداع فنانبل هو اختصاص في ايطاليا )واوروبا عموما (واميركا، وله اناسه العاملين به فقط. والجدير بالذكر انّ لكل موهبة من تلك المواهب وعلم من هذه العلوم اختصاص بحد ذاته في مدارس وجامعات القارتين الاوروبية والأميركية، ولا علم لي عن تلك الاختصاصات خارج هاتين القارتين. لذلك يدهشنا الخطيب بتعدد اختصاصاته التي وصل فيها كلها ليكون استاذاً بكل ما في الكلمة من معنى وهدف. ويذكرني هذا بما يقوله النقاد الغربيون عن العظيم ميكيل أنجلو لغزارة انتاجه وعلمه: ‘ان انتاج ميكيل أنجلو يحتاج الى حياة ثلاثة فنانين ليعطوا ما اعطى من رسم ونحت.’ 

       فكم من حياة فنانٍ يحتاج انتاج الخطيب؟ لنترك هذا السؤال للنقاد والباحثين في اوروبا والعالم.

 الخطيب هو ايضاً عالم عاش في عقل فنان. لكن بلده جعله حبيسه والزمن حاول التغلب عليه مرات ومرات وما أكثرها مرات مُرّة كلمني عنها. لكن الزمنَ فشل وكان الخطيب هو النِسر في قلب العاصفة كأن الاعاصير حوله تحاول الاقتراب لضربه لكنها في آخر لحظة تهابه وتتراجع، فيعلو النسر ليحمي جودة الفنون لكي تبقى رصينة ملتزمة، ولان نسر الفنون، محمد علي الخطيب، ثمرة من ثمار شجرة الحق والخير والجمال. وحاول الزمن الرديء ضربه أخيراً فسرق أغلي ما عنده، ابنه البِكر، نِسر الأُمَم الباسل، الذي خدم بلده وكل بلاد الأمة العربية بشجاعة الفارس من لبنان. فكان من موقعه في جمهورية مصر العربية، كمدير وممثل للمكتب الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO) ، خير فارسٍ يغدو على ظهر جواده العربي الأصيل (Arabian stallion) فرحاً في التنمية وطرباً في الازدهار. وزاد الزمن من رداءته ليضرب الأب المفجوع مرة اخرى بانه لم ير اي إخلاص من العديد ممن ساعدهم ابنه، نسر الأمم، في بلده لبنان. فعاش في عذاب والم لا يوصفان، وما اراد الله لهذا النسر ان يظلَّ في عذاب. فأرسل القرار الإلهي بالعودة الى عالم النجوم لان ربه احبه منذ لحظة خلقه ولا يرضى ان يراه على هذه الحال.

وحين جاء الملاك المهيب ليصطحب روح عقلٍ وقلب فنان، خرج ملاك النسر الحارس مدافعاً وطلب مصاحبة الروح دون ألمٍ ولا لأهلِ الارض بوداعفأجابه الملاك المهيبإنما أمرنا الاله بمهمة استقبال النسر ومعنا روح ولده البكر، نِسرُ الأُمَم الباسل، في أعظم احتفال. ولِكُلِ موهبة من مواهب محمدٍ العَلَّي استقبال تدق فيه ملائكة باب الجنة، الريّان، طبولاً لا قبلها ولا بعدها طبولُ، وتُعزف فيه أرقى القصائد وبعدها سنمتعه بأجمل اللوحات التي خصصها له الاله.’ 

لكن الملاك الحارس نبّه زميله وأجاب،عظيمٌ ما تقول لكنني انا من مَنحَه الرّبُ شرف ومتعة حراسة الفنان الزاهد والعالم المتواضع، وعرفته في كل لحظاته الارضية وشهدت على الوحي الذي يصيبه حين يزوره ملاك وحي الفنون فيُبدع ويعطي دون مقابل. ولم يسأل يوماً او يطلب من دنياه اي شيء، حتى حين جاءت اليه الشهرة طالبة له شرط ان يقبل رداءة الزمن، لم يُبايع. كان زاهداً لا يأخذ، ومعطاءَ فنٍ بلا حساب. انه الفيلسوف الذي يُعلّم ان من اعطته السماء مواهباً إنما وُلِدَ ليُمْطِرَ عطاءاته بغزارة على بني الانسان. وصرنا، هو وأنا، بعد نزول آلاف الابداعات عليه صديقين. فهل رأيتم يا زملائي صداقة ملاكٍ، قبل الآن، لإنسان؟ إذن اعلموا قيمة ما خلق الربُ وما نَفَثَ في روح نسر الفنون. انني اعلم بدقة ما رسم له الإله. يا ملائكة الاستقبال العظيم ويا ملائكة الريّان، إحذروا كل الحذر من غضب الله ان أخطأتم في حقِّ استقبال نسر الفنون، لان الرب راعيه وحاميه وهو كما اخوته في الفنون: أحسن تقويمٍ عاقلٍ يتفكّرُ عاش في عقل فنان. واحاطه خالقه بهالة من الحب مذ كان بُرعماً على غصن شجرة الحق. اذن عاملوا هذه الثمرة بما تستحق من حق وخير وجمال.’ 

وكذا كان

      وإذا بالثمرة تتساقط عن الغصن نسراً هوى مُرتفعاً الى الريّان. وعاد ملاكه الحارس عارفاً ان صديقه كما كل النسور لا تُفارق الارض الا علواً لتُسلم الروح في اعلى فضاء وتتحول نجوماً في السماء. عاد الملاك الحارس بسرعة ضوء الحق ليحمي فنون صديقه لأنه كان شاهداً على حياة الفنان نسراً مُحلقا ذو عين ثاقبة، يَثِبُ على الشر بيدٍ ترسم الجمال، وكفٍ يكتب الحق، وانامل تنحت الخير لكل زمان ومكان.

واشار ملاكه الحارس الى الخيّرِيْن من اهل الارض وقال،يا أهل مكان الارض الفانية بعد زمان، اعلموا علم السماء انّ نسر الفنون خالدٌ ايضاً في ارضكم التي ستعرف قيمة الخالدين من الفن أكثر فأكثر كلما مرَّ زمنٌ على زمانكم وصار بينه وبين زمن الخير والجمال القادم زمان. فإن زمنكم كما وصفه نسر الفنون لأمرّ زمان.’

 والآن يخاطبني الوقت عن الزمن بسيفه، فيطلب مني ان انهي تكريمي لفنان كلّ زمان ومكان بلعبة مع التاريخ ولآخذ بيتاً شعرياً من أعظم شخصياته وهي لشاعرٍ عشقه الفنان، كما أخبرني كثيراً عنه وهوالمتنبي.” وسأحول هذا البيت الى زمني وحدثي الآن، ولأتقدم بعزائي الى زوجة الفنان ورفيقة دربه في كل مكان، كما يُشير عليَّ سيفُ الوقت الرنان، 

 حيث رثى المتنبي جدته مُستشعراً قائلاً

 ولَوْ لمْ تَكُوني بِنْتَ أكْرَمِ والِدٍ 

 لَكانَ أباكِ الضّخْمَ كونُكِ لي أُمّا” 

 فسمح لي المتنبي بتنفيذ امر الوقت، لأقول لزوجة نسر الفنون، محمد علي الخطيب، العالم في عقل الفنان،

 ولَوْ لمْ تَكُوني بِنْتَ أكْرَمِ والِدٍ

 لَكانَ أباكِ الضّخْمَ كونُكِ له حُبّا

***

(*)  ترجمة عما كتبه ج. سبيلوتشي

“Arts Eagle”

خلال رحلة في الاتحاد الاوروبي

 حزيران/يونيو 2023

(fleshbot.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *