“الجيلُ الطالع”، بل “النازل” ثقافيًّا إلى الدَرْك الأسفل!

Views: 736

د. مصطفى الحلوة

نشر الصديق بلال عبد الهادي، في صفحته على الفايسبوك (2/7/2023) نصّين، من طبيعة واحدة، إذْ يُنبئنا فيهما عن الجهل العميم، الذي يتّسمُ به ما يُطلق عليه “الجيل الطالع”، بل “النازل”، إذا صحّ القول!

– في النصّ الأول، نقرأ: “تقع تحت عيني عبارات، لم تخطر ببال صموئيل بيكيت (المنتمي إلى التيار العبثي في كتاباته)، ولا ببال يوجين يونسكو (من مسرحيّي اللامعقول)، ولا ببال العفاريت الزُرق، من قبيل: أخذ الجاحظ علومه اللغوية من فرديناند دي سوسير”! (لمن لا يعلم، الجاحظ عاش في العصر العباسي بين عامَي 776 و 867م، في حين عاش سوسير بين عامَي 1857 و 1913)..هنا نجدُنا بإزاء الطُرفة المتداولة بأن جُحا أكبر من أبيه!

– وفي النصّ الثاني نقرأ: “وقال لي، ذات يوم، ضابط، غير لبناني، إنّ أفلاطون أخذ أفكاره، حول المدينة الفاضلة، من إبن خلدون!”. ويُتابع د.بلال أنه حاول، بطريقة لبقة، إعادة الضابط إلى جادة الصواب، فقال، متوجّهًا إليه: “أظنّ أنّ أفلاطون وُلد قبل إبن خلدون”، فردّ الضابط: “لا، إبن خلدون وُلد قبل أفلاطون، ولكن الغرب لعب بتاريخ الميلاد ليقول إنّ إبن خلدون هو من سرق أفكار أفلاطون”!..(للعلم فقط، أفلاطون عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، في حين عاش إبن خلدون في القرن الرابع عشر للميلاد!)..وختم د.بلال :والغرب، لا أُنكر أنه لصّ كبير، ولكن لم يخطر ببال لصوصيّته الجهنّمية هذه المسألة!

…نحن أمام “عيّنتين”، أو نموذجين من بلدين عربيين، لبنان وبلد آخر، لم يُفصح عنه د.بلال، لعدم كشفه عن جنسية الضابط. فأوّل النموذجين طالب جامعي، في كلية الآداب-قسم اللغةالعربية، يُعدُّ نفسَه لسلوك سبيل التعليم مستقبلًا، فيكون “وكيل المجتمع لدى الأجيال”، كما يُطلق على المعلّم! وعن النموذج الثاني، فهو ضابط، جاز مرحلة التعليم الثانوي، التي أهّلته للدخول الى السلك العسكري، ولربما أكمل دراسته الجامعية، وحاز إجازة، في أحد الاختصاصات. بل نحن أمام شخصيتين هما من الفئة المتعلّمة، يُفترض بهما أن تكونا على حظّ من المعرفة والثقافة العامة، بقدر معلوم، ولا يمكن أن نتصوّر البتّة ما أسفرتا عنه من جهل، ومن فقر ثقافي مُدقع. علمًا أنّهما صورتان “طبق الأصل” عن أجيالنا الطالعة، إلّا من رَحِم ربي، حتى لا نقع في التعميم!..هما نموذجان لهذه الأجيال، التي ستحمل الشعلة وتكتب مستقبل بلادنا، كما يتردّد في الزجليات، التي يُتحفنا بها معتلو المنابر، من كلّ فجّ عميق!

من الآخر، كما يُقال، أين مكمنُ الداء وأصل العلّة؟..المطلوب واحد:  الاقتداء بجيلنا، الجيل، الذي حفيت عيناه، وهو يعبُّ من بطون الكتب، بمختلف الألوان المعرفية، ما شاء له العبّ! لقد كان جيلنا، الجيل القديم، كما يدعوننا، يُكرّس وقته، في عهد التلمذة للكتاب! فقد كنتُ وأضرابي، منذ بدايات المرحلة المتوسطة نبذل كلّ ما نملك من “خرجيّة” لابتياع الكتب من “البسطات” المنتشرة في منطقة التل في طرابلس( من بسطة أبو علي بلال ذي الطربوش الأحمر، والمرحوم علي خليفة، ومن مكتبة المرحوم الشيخ حسن الملاح في سوق العطارين وسواهم)، ولا زلنا حتى اليوم مبتلين بلوثة المطالعة، لتحصيل المزيد من التعلّم والتثقُّف!

لا سبيل لأجيالنا الطالعة إلّا أن تترسّم  بعض حُطانا، وتُزاوج بين المطالعة وبين إكبابها على وسائل التواصل الاجتماعي، ذات التوجُّه المعرفي، بما يُعزّز من مخزونها اللغوي ومعارفها العامة، التي لا يضبطها ضابط!

المدرسة تُعلّم، وقد تحشو الرؤوس، بما هبّ ودبّ، من معطيات علمية نافعة، وقد تمهّد السبيل إلى الثقافة، والجامعة على غرارها، ولكنهما (المدرسة والجامعة) لا تبنيان مثقفًا ! القضية هي على عاتقكم، ومن فعل أيديكم، يا أجيالنا الطالعة.

قديمًا، كانت العرب تُعرّف الإنسان المثقّف – الموسوعي- بلغة ذلك العصر:  “المُلمّ من كلّ علم بطَرَف”، أي بجزء.

وليكن معلومًا أنّنا بالثقافة نُحقّق وجودنا المعرفي، بل كينونتنا، بسائر أبعادها!

***

* من بيادر الفسابكة/قراءة نقديّة في قضيّة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *