وإذا ابتُليتُم بمَرضِ التباهي فاستَتِروا!

Views: 24

د. مصطفى الحلوة

الصديق الدكتور دال الحتّي طالعنا، عبر صفحته على الفايسبوك (8 آب 2023) بنصّ، يتوجّه فيه بالشكر إلى كلّ مُتعفّف وغير متباه ومتشوّف، إبتعد في تصرّف له أو ممارسة عمل عن الأضواء الكاشفة، واستتر!

هذا النص ننقله من دون اجتزاء، إستنفادًا لفائدة منه  قُصوى: “شكرًا لمن ذهبوا إلى أرقى الفنادق، ولم يكتبواعلى صفحتهم أنّهم موجودون الآن فيها/شكرًا لمن قابل شخصية مشهورة، ولم يطلب منه صورة ليظهر أمام متابعيه أنّه شخص مهمّ/شكرًا لكل من يُحبّ زوجته ويُغازلها يوميًّا، من دون أن تعلم الناس كل ذلك، على مواقع التواصل/ شكرًا لكلّ من يعمل في مكان مرموق ولم يُصوّر مكتبه مراعاةً لمشاعر أصدقائه العاطلين عن العمل/شكرًا لمن يأكل في المطاعم أكثر مما يأكل في بيته، ولم ينشر صُوَر الطعام على مواقع التواصل الاجتماعي، مراعاةً لظروف الآخرين/شكرًا لمن يُساهم في مساعدة الفقراء والمحتاجين من دون أن يُصوّرهم، ليظهر أمام الناس/شكرًا لكلّ من كانت أخلاقه حسنة، وراعى مشاعر الناس”. ويختم د.الحتّي بقوله، محذّرًا: “الله يراني! (https://www.almostthererescue.org) ”

في مراجعة التعليقات على النص، فقد أثنت غالبيّتُها على ما جاء فيه، باستثناء أحدهم الذي وافقه بتحفظ، حيث قال: “كلامك منطقي، إلى حدّ ما. بالطبع، الإنسان يفتخر بما يُحقّقه في حياته، ولا يوجد مانع من ذلك. فالتفاخر بالإنجازات ليس بعيب. لذلك يجب على الإنسان أن يفتخر بإنجازاته بطريقة متواضعة، وأن يتذكّر أنّ التواضع هو السلوك الأفضل في الحياة.

– تعقيبًا على النص، الذي جاء، بصيغة الثناء على من ذَكَرَهم الكاتب(نزلاء الفنادق الفخمة/من يلتقي شخصية مشهورة/المتغزل بزوجته/العامل في مكان مرموق/المتردّد بكثرة على المطاعم/المتصدّق على المُعوَزين/حَسَن الأخلاق)، نرى أنّ الواقع الذي نعيشه هو نقيض ما أتى عليه الكاتب د.الحتّي! فمعظم الناس مُبتَلون بحبّ الظهور والتشوّف، وغارقون في عُقد نقصهم، من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين! ولنا أن نستعرض بعض مشهديّات، عبر زوايا متعدّدة، فيتحصّل لنا: نزلاء الفنادق ذات النجوم يحرصون على تصوير “فندقهم”، بدءًا من عتبته، مرورًا بقاعاته وردهاته، ووصولًا إلى الغرفة أو الجناح الذي يحلّون فيه! وحدّث ولا حرج عمّن يلتقون بإحدى الشخصياّت (وزير، نائب، مرجعية سياسية أو دينية..)، فيطلبون إليها التكرّم بصورة معها، للذكرى وليس لمآرب أخرى، ويسارعون إلى نشر هذه الصورة، مع “صديقهم” الوزير فلان، أو النائب علّان  أو.. أو..ويذيّلون الصورة بخبر، يصطنعونه، ليُعطوا لأنفسهم اعتبارًا!

وعن المتغزّلين بزوجاتهم، على وسائل التواصل، فأكثرهم تغزّلًا هم الأكثرُ نفاقًا، والموضوعون في دائرة الاشتباه، بممارسة الخيانة الزوجية! ويكون التغزّل المزعوم تغطيةً لسوء فعلتهم! وعن أصحاب “الكروش” المنتفخة، الذين يستعرضون، على وسائل التواصل، ما لذّ وطاب في موائدهم العامرة، لا سيما في شهر رمضان المبارك، سواءٌ في بيوتهم أو في المطاعم التي يرتادونها، فهم يقومون بأكبر عملية استفزاز للفقراء، أصحاب الأمعاء الخاوية والبطون الجائعة!

وفي ذروة عمليات الإذلال والاستفزاز لمشاعر المعوزين، ما يقوم به بعض السياسيين والجمعيات “الخيرية”، من توثيق لتوزيع المساعدات، فيكون  تسجيل لها، بالصورة والصوت، ونشر لها، على مختلف الوسائط الإعلامية!

ويبقى السؤال: ألم يتناهَ إلى هؤلاء المتصدّقين الحديث النبوي الشريف: “سبعة يُظلّلهم الله في ظلّه، يوم لا ظلّ إلّا ظلُّه(..) ورجلٌ تصدّق بصدقة، فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفقُ يمينه!”

في كلّ ما ذكرنا، ثمّة تصرُّفٌ يرقى إلى مصاف “المعصية”، التي تدينها الشرائع الدينية، وترذلها منظومات القيم الأخلاقية!..من هنا دعوتُنا إلى أولئك المبتلين بمركّب النقص، و عقدة التبجّح والتباهي والتفاخر، بأن يرعووا، ويعودوا إلى رشدهم، ويتظلّلوا القول المأثور: ” وإذا ابتُليتم بالمعاصي فاستتروا!”

***

* من بيادر الفسابكة/قراءة نقديّة في قضيّة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *