“نُحبُّك  شربل!”

Views: 29

د. مصطفى الحلوة 

كم كنتُ أخشى أن يُباغتني الموتُ ، أو يُباغتَ شربل بعيني ، فلا ألتقيه وجهًا لوجه ، وأنا الذي لم ألتقِهِ البتّة من قبل! كم كان هذا الهاجسُ ، يستبدُّ  بي ، آناء الليل وأطراف النهار ! .. فشُكرًا لك ، صديقي النحّات اللبناني العالمي نايف علوان ، إذْ طوّعت يداك الصخر ، وأبدعت هذا التمثال الناطق ، الذي كان له فعلُ المغناطيس ، فجذبتَ شربل إلى الربوع اللبنانية ، بعد انقضاء عشرين عامًا ، على آخر زيارة له إلى لبنان ! .. اليومَ ، لا تسُعنا الدنيا ، ونحن ، بك شربل ، سُعداءُ سعداء ! 

فيا مجدليا هلّلي ، ويا أهلَ شربل “البعاينة ” الكرام هلِّلوا ، لعودة ابنكم غير الضال إلى مسقطِهِ ، ويا نحنُ نهلّل ، وقد جئنا جميعًا إلى هذا العُرس الأدبي ، نحتفي بواحدٍ من عظماء لبنان الانتشار ، دوَّخ قارة أستراليا ” ، على حدّ قول الشاعر الكبير نزار قباني ! 

د. مصطفى الحلوة

 

أجل دوّخها شربل ، بعظيم شعره ، بنتاجه المسرحي المدرسي (14 مسرحية للأطفال ) ، بإعلامه ، واسع الانتشار ، عَبْرَ موقع الغُربة الالكتروني، ومن خلال نتاجه الثرّ ، فغدا ، كما يصفونه، “طاحونة نشرِ كُتُب”! 

ولنا ، في هذا المقام ، أن نروح إلى ابن رشيق القيرواني ، فنقايسُ على ما قاله في المتنبي ، فنقول : “.. ثم جاء شربل بعيني، فملأ دُنيا الاغتراب وشغل الناس “، وهو لمَّا يَزَلْ شاغلَها ! 

ففي أوستراليا ، كيفما يمّمت وجهك ، فثمَّ وجه شربل الوضّاءُ يرمُقُك، وثمَّ صوتُهُ يُدوّي في مسامعك ، و ثمة شمسُهُ اللاهبة تلفحُك، وثمَّ نورُه يعشّي منك البصر ! 

 

أيها الحفل الكريم ، 

صلتي بشربل بعيني ، إذْ ترقى إلى العام 2020 ، عَبْرَ الأثير “الإنترنيتي”، لا تُقاسُ بالسنين ، فما السنون والشهورُ والأيام سوى محطّاتٍ اصطلاحية ، ابتدعها الإنسان لتنظيم الوقت والعمل  ! صلتي به ، وإن قصُرَ زمنُها ، فهي خارج الزمن الاصطلاحي .. هي صلةٌ صوفيّةٌ ، أزليَّةُ المبتدى ، أبديَّةُ المنتهى! معرفتي بشربل ، مُنطلقُها مراجعاتٌ نقدية لأربعة من دواوينه ، تُضاف إليها مراجعة، حول كتاب الأديبة المحامية د. بهية أبو حمد ” شربل بعيني منارةُ الحرف” . وقد جمعها شربل في مؤلّف لي ، صدر في سيدني ، بعنوان :”شربل بعيني بين الفصحى والعاميَّة” . وهذا الكتاب، حسبما يزعم شربل ، من أبرز الدراسات الأكاديمية ، التي سلّطت الضوء على إبداع شاعرنا ، بجمعِهِ مجد الفُصحى إلى مجد العامِّية ، في بوجِهِ الشعري . 

أيها الحفل الكريم ، 

شربل بعيني ، ذلك الأديب الموسوعي ، لم يبقَ رهينَ الفضاء الاسترالي ، ولا رهينَ اللغة العربية ، فالعديد من دواوينه ، تُرجمت إلى لغات العالم الحيَّة : من “المربديَّة” . التي زاوج فيها بين الفصحى والعامِّية وبعض فنون الزجل ، إلى ديوانه “مُناجاة عليّ ” – وهو بالمحكيّة – إلى سواهما من المؤلفات . ماذا أخبّركم عن الألوان الشعرية ، التي خاض شاعر الغُربة غمارَها ؟ فإذا تغزّل ، فهو يرقُّ يرقُّ حتى ينفلق ! وإذا رفع الصوت في مواجهة المعضلات الاجتماعية لبني قومه، فهو الجبراني الثائر على العادات والتقاليد البالية ، كما الثائر على ذك الحلف الجهنمي بين المتاجرين بالدين وبين الساسة الفاسدين والمفسدين ، الذين باعوا أوطانهم وأفقروا شعوبهم ، وذرّروا شباب لبنان ، في أربع جهات الأرض ! 

 

وتسألونني ، لماذا شربل بعيني ، ولماذا اصطفيناه من بين شعراء المهجر؟ 

– شربل بعيني لأنه المتقدّم ، بل مُتصدِّرٌ أقرانَهُ ، من شعراء الصفّ الأول في المغترب الأوسترالي ! 

– شربل بعيني لأنه المتوهِّج المتأجِّجُ أبدًا ، في الدفاع عن قضايا الأمّة ، وواسطةُ عقدِها قضيةُ فلسطين ! 

شربل بعيني لأنه الداعية إلى العيش الوطني الواحد . فما يهمُّهُ الإنسان،

والإنسان وحدَهُ ، بريئًا من كل انتماء ديني أو عقدي أو عرقي أو جهوي ! 

– شربل بعيني ، إذا لم يجهر باسمِهِ ، فإنك لا تعرف إلى أي طائفة أو مذهب ينتمي ، فهو عابرٌ الطوائف والمذاهبَ والزواريب ، عابرُها إلى فضاء الإنسان الإنسان  ! 

– شربل بعيني لأنه باقٍ ذلك “الطفل السبعيني ” ، المترع حبًّا ، طيِّب القلب والسريرة ، لا يُماري ولا يُداهن ،المتواضع ، الذي لا يُصعِّرُ خدّه للناس ، ولا يمشي في الأرض مَرَِحًا ! 

 

أيها الأحباء ، 

يحلو لي أن أختم بما أنهيت به آخر صفحة من كتابي “شربل بعيني بين الفُصحى والعامِّية ” ، فأذهب إلى أنّ في زمن الرُخص والتسطُّح والابتذال.. في زمن التفاهة والتافهين ، على جبهة الشعر وسائر الجبهات .. في زمن تُخلعُ فيه الألقاب على غير مستحقّيها من الشعارير .. https://microbeonline.com/ في زمن منح الدروع التكريمية من دون حسيب ولا رقيب ، لمن سَمُّوا أنفسهم أو سُمُّوا شعراءَ وكُتّابًا.. وفي زمنٍ باتت فيه شهادات التقدير “الكرتونية” والشهادات الفخرية، من دكتوراه و “نازل” ، تُوزّع من قِبل جمعيات ومنتديات وهمية ، تكاثرت كالفطر ، كما يُوزَّع “البونبون” على الأطفال ، في الأعراس والأفراح .. في هذا الزمن الرديء – وهو من علامات الساعة – ما زال شربل بعيني شامخًا كالطود ، قابضًا على شعره “الحلال” ، مُصعِّدًا إلى عليّين ، كما القابض على جمر دينه ، في زمن الهرطقات والكفر، بين مُهرطقين كَفَرة ! 

مُباركٌ لك ، أخي شربل ، هذا التكريم المستحقّ ، فأنت مُكرِّمُنا ، اليوم ، بعظيم حضورِك ، ولا نملك إلا أن نتوجَّه إليك بالقول : “نُحبُّك  شربل!”. 

***

*كلمة د. مصطفى الحلوة في حفل تكريم الشاعر شربل بعيني مجدليا (زغرتا) / السبت 19/آب/2023

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *