كَيفَ الرُّجُوعُ؟!

Views: 370

 مُورِيس وَدِيع النَجَّار

(إِلى قَريَتِي دارشمِزِّين الكُورَة)

كَيفَ الرُّجُوعُ إِلى حِماكِ المُلْهِمِ،               يا جَنَّةً هَجَعَتْ بِحِضْنِ الأَنْجُمِ؟!

ماتَ الصِّبا، والعَزْمُ شاخَ، وَلَمْ تَزَلْ            تَخْبُو، على الأَيَّامِ، نارُ الأَعْظُمِ

تِلكَ المَرابِعُ أَينَ مِنْ أَحوالِها        ــــــــــ        حالِي، وقد حالَتْ لِطَعْمِ العَلْقَمِ

يا جَنَّةً لِلحُبِّ كَمْ غَنَّيْتُ في                  أَفيائِها، وقَطَفْتُ طِيْبَ المَوْسِمِ

ورَقَصْتُ نَشْوانًا ودِفْءُ تِلالِها             أَضْحَى النَّجِيْعَ بِمَتْنِيَ المُتَنَعِّمِ

يا قَريَتِي لم يُلهِنِي عَنكِ النَّوَى،            وأَظَلُّ حَولَكِ كَالطُّيُوْرِ الحُوَّمِ

أَنا هَهُنَا في حَمْأَةِ الزَّمَنِ الَّذِي             قَضَّ الحُبُوْرَ بِمُهْجَتِي وبِمَبْسِمِي

أَغْدُو، فَأَعْدُو لاهِثًا، والقَلبُ في            خَدَرٍ، وفي العَينَينِ طَيْفُ الدِّرْهَمِ

هل تَعتَبِينَ على فَتًى أَودَى به             عَبَثُ المَصِيرِ إِلى السَّبِيلِ المُظْلِمِ؟!

هل تَعتَبِينَ، وما دَرَيْتُ لِلَحظَةٍ             إِلَّا وقَلبِي في حَنانِكِ يَحتَمِي؟!

جابَ المَدَى، لِيَعُودَ يَهدَأُ هانِئًا             بِرَفِيفِ حُسنِكِ كالسِّوارِ بِمِعْصَمِ

مَهْدَ الطُّفُوْلَةِ كم رَجِعْتُ بِلَيلَةٍ              عَصَفَ السُّهادُ، بِها، بِقَلبِي المُضْرَمِ

لِلفَجرِ فَوقَ رُبًى تَناثَرَ سِحرُها،             كَالوَشْيِ، تَحتَ نَدَى البِساطِ الأَكرَمِ

كَالدُّرِّ في الجِيْدِ المُدَلَّلِ، تاهَ في            زَهْوِ الجَمالِ بِفَيْحِ صَدْرٍ أَنْعَمِ

يا قَريَتِي شَطَّ المَزارُ، فَهاجَ بي              شَوقٌ إِلى الماضِي البَعِيدِ المُبهَمِ

وهَفا الصَّبِيُّ بِخاطِرِي فَتَفَتَّقَتْ              بِالزَّهْرِ أَكمامِي، وَجُنَّ بِها دَمِي

هل في التِّلالِ إِلى فَتاكِ تَشَوُّقٌ،            أَمْ باتَ عَهدِيَ في النَّسِيِّ المُعْتِمِ؟!

أَتُرَى سَلَوتِ، وما أَنا سالٍ ولا               هَجَرَتْ رُبُوعُكِ مُقلَتَيَّ ولا فَمِي؟!

يا لَهفَةَ الذِّكرَى على ماضٍ نَأَى،            وَطَوَى الصِّبَا الغَالِي بِجِنْحٍ أَقتَمِ

لِلقَلبِ، فِيكِ، هَوًى، ودِفْؤُكِ وَحْيُهُ،            فَإِذا دَعاكِ لِعَدْنِهِ لا تُحجِمِي

أَوَتَسأَلِينَ لِما الغِيابُ، وهل أَنا                فَرِحٌ على النَّأْيِ العَتِيِّ المُجرِمِ؟!

أَنا لم أَزَلْ، رُغمَ البُعادِ، على لَظًى            لِأَعُوْدَ لِلحِضْنِ الأَحَبِّ الأَسلَمِ

هل تَسأَلِينَ لِأَيِّ أَرضٍ ساقَنِي       ــــــــــ       زَمَنِي، فَبِتُّ إِلى ثَراها أَنتَمِي؟!

أَنا مِنْ تُرابِكِ ذَرَّةٌ، ما هاجَرَتْ                  طَوْعًا، ولا بَرِمَتْ بِتِلكَ الأَنسُمِ

ولَسَوفَ تَرجِعُ، ما تَمادَتْ غُربَةٌ،            حَرَّى الجَنانِ، وفَوقَ صَدْرِكِ تَرتَمِي!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *