“السّادِسَة والرُّبع” جديد جنان خشوف عن دار نلسن في بيروت

Views: 284

صدر عن دار نلسن في بيروت كتاب “السّادِسَة والرُّبع” للكاتبة والشاعرة جنان خشوف (لوحة الغلاف: للفنانة التشكيلية غنى حليق). في ما يلي مقتطفات من الكتاب:

 

 

أَبْكي

أبْكي لِأنّي طهَوْتُ دجاجَتي البلاستيكِيَّةَ،

ولِأَنَّ نشّافةَ الغسيلِ الجديدةَ ستجعلُ حبلَ الغسيلِ وحيداً

أبكي لأنَّ جَوربي الزَّهرِيَّ ليس دافِئاً

ولأنّي لستُ سُلَحْفاةً أَلْجَأُ إلى بيتي كلَّما حلَّ الخوفُ

أبكي لأنَّ جبيني لا يتَّسِعُ لأكبرِ نجمةٍ ذهبيَّة، وأنا تعِبتُ حقّاً مِنْ أجلِ نجمةٍ ذهبيَّة…

أبكي أَلَمَ إصبَعِ يدي السّادِسِ في يدٍ مِنْ خمسةِ أصابِع،

أبكي شَعْرِيَ الميتَ على الوسادَةِ، ولم يكنْ لهُ رثِاء،

أبكي لأنَّ الحَلَقَ يتركُ أثَراً أخضرَ على أُذُنَيَّ، أثَراً تغسِلُهُ قطرةٌ واحِدَة

أبكي لأنَّ رائحةَ قنبلةِ الحمّامِ رائعةٌ، وأنا أكرهُ القنابلَ،

أبكي لأنَّ تحتَ السَّريرِ لم يعُدْ مخبئي السرِّيّ

أبكي لأنَّ أُمّي الرائِعَةَ أنجبَتْني أنا،

أوْ رُبَّما أبكي فقطْ لأنّي أنا!

 

اِمرأةُ العَجَلَة

هذا الضَّجيجُ ليس في الخارِج،

هذا ضجيجي أنا، لا يسمعُهُ أحَدٌ

أصخبُ وأصخَبُ لأُخفِيَهُ

صاحبةُ الضَّحكاتِ الرنّانَةِ،

ضجيجي يتكلَّمُ لغةً أجنبِيَّةً

أُشارِعُهُ وأُساوِمُهُ، فيتملَّكُهُ الغضَبُ

ضجيجي نَزَقٌ، وعالي النَّبْرَة

ضجيجي يُحِبُّ السَّهرَ والسَّمَرَ،

يغارُ مِنَ المَعنى!

كلَّما ابتدأَ لِأَيِّ شأنٍ معنى، كلَّما حلَّ ضجيجي ضيفاً ثقيلاً نكِداً

ضجيجي لئيمٌ، أسفلُ من الموتِ

حتى الموت رحيم، يسرقُكَ ولا يُلاعِبُكَ، يغدُرُ بِكَ ولا يُواجهُكَ

أمّا ضجيجي فمُلِحٌّ، وقاسٍ

يريُد أن يأخذَني ببُطْء،

كعاشقٍ يُمارِسُ الحبَّ ولا معنى للنشوةِ بقدرِ الحبِّ نفسِهِ

يريدُ أن ينظُرَ في عيْنَيَّ، فيما أنهارُ

هذا الضجيج الأحمق، أريدُ أن أُسمِّمَهُ

ببطءٍ شديدٍ، بصبرٍ شديدٍ وأنا امرأةُ العجلة

هذا الضجيجُ الأحمقُ، أنا

 

قَصَصٌ

يُطارِدُني أربعةَ عَشَرَ عُضواً في جمعيَّةٍ سرِّيَّةٍ لم أنْتَمِ إلَيْها،

وقِطٌّ جائِعٌ الْتَبَسَتْ عليهِ رائحةُ خوفي،

وعقارِبُ ساعةِ الحائطِ قربَ سريري،

وشرشفي الأزرقُ رَغمَ انسحابِهِ كلَّما أَنام

كوبُ قهوتي، ينظرُ إليَّ عبرَ الفُوَّهَة

شوكتي بين الشُّقوق

حتّى الضوءُ في غرفتي يُرسِلُ ظِلاً على أثري

يعرفُ عاملُ توصيلِ البيتزا إلى بيتِ جاري، أنّي هُنا،

كما يعرفُ الجروُ الَّذي ربَّيْتُهُ مِن سنين وأرسلتُهُ إلى عائلةٍ حقيقِيَّة

يعرفُ صديقي أنّي هنا، هو أخبرني مِراراً

لا أعرفُ لِمَ يدعونهُ الناسُ “شهيداً”

جمعْتُ كلَّ قصصِ النّاسِ وأخفيتُها في قبَّعتي

كنتُ أهوى سردَ القَصَص، فجمَّعْتُها جميعاً

ونسيتُ في نشوتي كيف أسرِدُها.

تقول جدَّتي إنَّ لكلِّ الناسِ قصصاً،

مِسكينةٌ جدَّتي، لا تعرفُ أنَّ غير المرئِيّين لا قصصَ لهمْ

لم تلتقِ جدَّتي بغيرِ المرئِيّين،

لم تلتقِ بي قطُّ

تُلاعِبُ فقط نُسْخَتي الْمُنقَّحَةَ الَّتي أُرسِلُها إلَيْها

تنازَلَتُ عن قِصَّتي عندما ارتديتُ طاقِيَّةَ الإِخفاء!

ورغمَ ذلكَ ما زال المطاردونَ يقتفونَ أثَري لِسَرِقتِها

 

عزيزي الغَضَب

عزيزي الغَضَبُ

لا أُريدُ أن تكونَ علاقتُنا حصريَّةً بعدَ الآنَ

أريدُ مشاعرَ أخرى!

أعرِفُ أنَّكَ تتنكَّرُ برداءِ الخوفِ في الأعياد

توأمُكَ ليس مشاعرَ أخرى

شكراً على سَماحِكَ لي بتجربةِ الجوع

لم تكنْ تجربةً لطيفة

أرسِلِ الدِّفءَ إذا أرَدَتَ،

أو الشَّبَعَ، أرسِلْ حتّى الغرورَ لو أردْتَ، فقط أرسِلْ شعوراً آخَرَ

عزيزي الغضبُ،

لا تقلقْ لستُ غبيَّةً لأتوقَّعَ أنْ تُرسِلَ الحُبَّ

أعرِفُ أنَّهُ وَهْمِيٌّ

 

كيسٌ هائِلٌ يتَّسِعُ لِهَرائي

أستَستثمِرُ في حبّي عندما

أبصُقُ بدلَ الكلماتِ بلغَماً

ويزدادُ الصَّقيعُ في قدَمَيْ،

بحيثُ لا تكفي ساقاك لتَدْفِئَتي

أستستثمِرُ في حبّي عندما

أمضُغُ طعامي مع صوتٍ لا أسمَعُهُ

يُسافِرُ فوْراً إلى أذُنَيْكَ

أستستثمِرُ في حبّي عندما

تتجعَّدُ ساقايَ فوق قدرتِكَ على تحليلِ وَشمي

وأفقِدُ قُدرَتي على الضَّحِكِ مِنْ دونِ نوْباتِ سُعال

ربَّما مِنَ الأفضلِ ألّا تقعَ في حبّي أصْلاً

وتعِرفَ أنّي لا شيءَ،

أنتَ مُغرمٌ بالزَّوائِدِ،

وأنا أشلحُ الزَّوائدَ كلَّما خَلَوْتُ إلى نفسي

لا أُريدُ الحبَّ الآنَ

أُريدُ كيسَ ماءٍ ساخِنٍ لرِجْلَيْ

وموسيقى تُغطّي على صوتِ المَضْغِ

ووَحْدَةً أتدرَّبُ عليها حتّى لا تُفاجِئكَ تجاعيدي يوماً ما

وكيسٌ هائلٌ يتَّسِعُ لِهَرائي

 

مِلعَقَة

لِمَ أنتَ رجلٌ استثنائِيٌّ

لا أعرِفُ رجلاً يُحِبُّ الحِياكةَ

أو رجلاً يسكُنُ في سريرِهِ

ولا يهوى سَيّارتَهُ

لا أعرِفُ رجلاً لا يُحبُّ الْقَهْوةَ

ويتعشّى الجُبْنَ واللًّيْمونَ

أو سلطةَ الزَّعترِ مِنْ دونِ بَصَل!

رَجُلٌ حيوانُهُ الأليفُ ضَفدَعٌ

وينامُ على خريرِ المِياهِ

ربَّما أُحِبُّ الجانبَ الأُنثَوِيَّ مِنْكَ!

وأنَّ هرموناتِكَ تُنافِسُ هرموناتي في التسلُّقِ والسُّقوطِ الحُرّ

ربَّما أُحِبُّكَ لأنَّكَ أسوأُ مِنّي

لا أعرفُ رجلاً يُصنِّفُ جوارِبَهُ بِحَسَبِ الدِّفءِ وليس بِحَسَبِ اللَّوْنِ

ولا يملِكُ في مطبَخِهِ مِلْعَقَةً ولكنَّهُ يملِكُ 13 مِصفاةً

أزيحُ الكتابَ عن المِنضَدةِ قربَ سريرِك،

الكتابُ نفسُهُ منذ 23 شهراً منذ التقيْنا

وتُصِرُّ أنَّكَ تقرؤهُ وأنْ لا داعٍ لأحشُرَ كوبي بجانِبِهِ

أريدُ أنْ أتركَ فرشاةَ أسناني هُنا

ومشّايَةً لأنَّكَ حريصٌ على جوارِبِكَ وليس على رجلَيْ

ليس لأنّي سأعودُ

أريدُ أنْ لا أعودَ

سأسبُقُكَ في الهُجْرانِ

لكنّي سأهديكَ مِلْعَقةً أوَّلاً

لأبقى هُنا

 

وجهُكَ النَّعِسُ التَّعِسُ

لم أقعْ في غرامِك

وقعتُ في غرامِ صورتِكَ في رأسي

هذِهِ الرَّغبةُ المستَعِرَةُ

كقطَّةٍ في موسمِ التزاوُج

ليست لكَ

هي في رأسي

هذه الروحُ غيرُ السّائِدَةِ

تستعِرُ في مخيِّلَتي

لا شعرَ يوقِدُها ولا ألوان

ولا حتّى جواربَ وسُتْرات

أنا عالقةٌ في علاقةِ تعجُّبٍ!

كعلامَةِ التعجُّبِ تماماً

مليئةٌ بالتعبِ والِانتِظارِ

على فُوهَةِ عِقدةِ الصِّدقِ

مَعَ إشكالِيَّةٍ كبيرةٍ

الصدقُ عدوُّ الوَهْمِ والحُلْمِ، وأشياءَ كثيرةٍ أخرى

أنا المتلعْثِمَةُ الحمقاءُ

أنا العنيفَةُ الهوْجاءُ

أنا المغرومَةُ بشكلِ رأسِكَ

ووَجهِكَ النَّعِسِ التَّعِسِ باستِمرار

رأسي مثلَّثُ بَرمودا

داخِلُهُ مفقودٌ

وأنَتَ قَعْرُهُ، أيكونُ للفراغِ قَعْرٌ

رأسي الفارغُ إلّا منكَ معقودٌ

عقدةَ البحّارَة

لا تنحلُّ، أنْتَ حَبْلي الَّذي لا يُحَلُّ… يُقطَعُ

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *