وَشمٌ صَباحِيٌّ (63)

Views: 707

د. يوسف عيد

قَبْرُ نَحلَةٍ يُفرِخُ غُرَفاً من الورد.

اليوم، لم تلِدْني الشمسُ لأني في المساء

كنتُ قد زَرعتُ شَعرَها في ترابِ حديقتي، وغَمَرتُه بالزَّنبق،

فَبَدا،ونحنُ في فَمِ الشتاء، مَوقِداً،

فلم أدرِ أيَّ إزميلٍ سِكِّيرٍ قد نَحَتَه من ضلوع الغار،

أيَّ إزميلٍ سِكِّيرٍ ِ يأتي ليلاً فيه من أرواح الناسِ رائحةُ الاخضرار.

لكنْ حينَ عَزَمت على تمشيط شَعرها،غَمَرَتني مواسمُ العاجِ.

ووجدتُموني في سريرها الخشبيِّ والشموعُ تُفرغُ الحبرَ على صدري .

ما أثارَ فضولي طَرْدٌ  من النَّحلِ مدعوٌّ قَبلي الى مائدةِ حُبٍّ من الورد.

جاؤوا وعلى رؤوسهم تيجانُ صفراءُ، وفي أرجلهم صَنادلُ من النَّرجِس،

وعلى أعناقهم عقود  من الياسمين،

استقبَلَهُم الوردُ  في غُرفٍ حمراءَ، مدلوقٌ فيها العطرُ،

وبهوٌ أشدُّ اخضرارا من عُشبةِ ساقيةٍ ،عمَّرَ حجارتَه الحُبُّ .

وبعد وقتٍ، عزموا على العودة الى القفير، فحمَلوا سلالَهم، وداروا في أروِقَةِ حَديقتي،

ورجَعوا الى خَليَّتِهم ، ما عَدَا واحدة ، لقَّبَها أخوانُها بالعاشقة 

فهي لم تَعُدْ ،وحَبَسَتْ نفسَها في غُرفة الوردِ حتى وَقَعت على الثَّرى مائتةً.

لم يُقَمْ لها جنّازٌ .

غيرَ أن مَباخِرَ كانت تهرِقُ الطيبَ في الحديقة .

ولشدّةِ حُزنِ الغُرفة عليها، اصفَرَّت أوراقُها كأكفانٍ لها، ووَقَعَت عليها، وغَطَّتها.

مِنْ ثُمَّ حَمَلَتها الريحُ إلى قبرٍ صغيرٍ، ونثَرَت فوقها التُّرابَ الجافَّ .

أما الوردةُ الأمُّ وَلشغَفِها بالعاشقةِ مَدَّت جذورَها الى القبر،

وراحت تسقي الجُثّةَ بدمٍ جديدٍ،

فأفرخَ الثَّرى ورداً عُلِّقَ بأطرافِ قناطِره أجراسٌ، وتعالى بُنيانُ الغِرفِ،

وتمَّت دَعوةُ جماعةِ النَّحلِ إلى وليمةٍ على موائدها لأنها أحسَّت بأواصرِ المحبَّةِ  تربط بينها .

هذا وفاءُ الوردِ للنَّحل ، فكيف وفاءُ الإنسان إذًا؟؟؟؟

(صبَاح الأمل)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *