الثقافة الشاملة في فكر علي محمد الشرفاء الحمادي

Views: 1315

د. جورج طراد

ينتمي المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمّادي (علي الشرفا) إلى جيل المفكرين العرب الروّاد والمؤسّسين، ذلك انه يستند إلى ثقافة شاملة لا تقتصر على إتجاه فكريّ واحد، وإنما تأخذ من كلّ اتجاهات المعرفة وتنهل منها لتكوّن شخصيّة فكريّة مستقلّة تحجز لنفسها مكانا لائقا في تاريخ الفكر العربي المعاصر.

وتتجلّى مظاهر هذه الثقافة الشاملة في مؤلفات علي الشرفا جميعًا. فهي تنتمي إلى الفكر الإسلامي المستنير، وهي تنتسب إلى الفكر القومي العربي الصلب، كما أنها تستند إلى روحٍ وطنيّة ثابتة تبدو واضحة في كلّ مواقفه وكتاباته.

وهذه الثوابت الوطنيّة القوميّة الإسلاميّة يتوّجها علي الشرفا بأفكار إنسانيّة متقدّمة وعادلة، ذلك أنه يؤمن بأنّ الدين الحنيف إنما جاء للإنسانيّة جمعاء، وأن مَنْ يكون صادقًا في إيمانه لا بدّ من أن يكون إنسانيّا مع أخيه، بصرف النظر عن المعتقَد الديني أو الإنتماء العرقي أو القومي أو الجغرافي.

 

ومَنْ يقرأ الجزء الثاني من كتاب علي الشرفا الصادر حديثًا في القاهرة (2023)، في طبعته الخامسة والجديدة، إنما يكتشف كلّ معطيات هذه الثقافة الشموليّة الواسعة الأطراف. أمّا عنوان الكتاب فهو: “ومضات على الطريق” (أحوال العالَم العربي- حوار واستفسار).

وتتوزّع أبواب الكتاب على المناحي الوطنيّةوالقوميّة والإنسانيّة جميعًا، صيغتْ بفكر منفتح وراسخ في الإيمان الواعي والمتقبّل للفكر الآخر إلى أقصى الحدود.

فالباب الأوّل يقتصر على دولة الإمارات العربيّة المتّحدة حيث يتناول الكاتب، بتفصيل علمي دقيق، أحداثًا تاريخيّة بالغة الأهميّة والدقة تتعلّق بتأسيس دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، متوقّفًا من موقع الشاهد، عند أحداث لا يعرفها إلاّ مَنْ عايش تلك الحقبة واطّلع على خفاياها وعلى ما دار في الكواليس من حوارات ومفاوضات. وعلي الشرفا، باعتباره كان مديرًا لديوان رئيس دولة الإمارات من العام 1973 إلى العام1995، إطّلع على كلّ الأسرار التي رافقت إنشاء دولة الإتحاد من موقعه الوظيفي أوّلا،وثانيا وخصوصًا من ثقة” حكيم العرب” الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان به وبأفكاره التي أخذ بالكثير منها.

 

والحقيقة، إن مَنْ يقرأ هذا الباب يكتشف الصعوبات التي رافقت مخاض قيام دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، أي دولة الإتحاد، التي كانت فكرتها في الأساس تساعيّة ثم اقتصرت على أن تكون سباعيّة. وهذا رأي علي الشرفا الذي كان قد رفعه إلى الشيخ زايد وإلى حكّام الإمارات وقطر والبحرين.

وفي الباب الثاني تنفتح ثقافة علي الشرفا الفكريّة والسياسيّة أكثر فأكثر، إذ يتناول موضوع العالم العربي. ولا يُبقي نظرياته مقتصرة على المنتديات الفكريّة المغلَقَة، إنما يسارع دائما إلى تجسيدها في رسائل يوجّهها إلى القادة والمسؤولين العرب ويضمّنها أفكارًا ومشاريع مستقبليّة لخطط تتعلّق بالوحدة العربيّة وتمتين الإقتصاد وإعادة النظر في العلاقات العربيّة مع الدول الكبرى، لاسيّما الولايات المتّحدة الأميركيّة، واضعًا نصب عينيْه ضرورة حل القضيّة الفلسطينيّة في شكل حاسم ونهائي عِوض التلهّي بمقترحات أميركيّة غربيّة إسرائيليّة لا تهدف إلا إلى ضعضعة العرب وتشتيت عوامل القوّة الهائلة التي يتمتعون بها ولا يعرفون كيف يوظفونها لخدمة قضيتهم الكبرى.

أمّا في الباب الثالث، فإن المفكّر علي الشرفا يتوقّف مليّا، وبمحبّة وتقدير، عند الدولة العربيّة الكبرى، جمهوريّة مصر العربيّة، وما تختزنه من طاقات بشريّة وثقافيّة وحضاريّة وتجربة سياسيّة تخوّلها لأن تتولّى توحيد الصف العربي بالتنسيق مع الدول العربية الأخرى، بما يكفل صلابة الموقف العربي ووحدته وتماسكهمن أجل المطالبة بالحقوق العربية المهدورة، وما أكثرها!

 

ويلاحظ علي الشرفا، في هذا الباب، مدى شراسة حرب الشر التي تُشَنّ على مصر، حيث يستخدم مُشْعلوها تارة قوى داخليّة مأجورة من أجل ممارسة التخريب وإلحاق الأذى بالأمن والأمان في البلاد، وطورًا ينسجون مؤامرات خارجيّة يشترك فيها أكثر من طرف، تخطّط دائما لإضعاف مصر وإخضاعها لمشيئتهم، تمهيدا لإضعاف العرب وإخضاعهم لمشيئة أصحاب تلك المخطّطات السوداء.

وهنا أيضًا يتوجّه علي الشرفا مباشرة إلى رئيس جمهوريّة مصر العربيّة، المشير عبدالفتّاح السيسي، ويخاطبه من خلال رسالة مفصّلة، مقترِحًا على سيادته خطّة عمل متكاملة من أجل زيادة منعة مصر وبالتالي منعة العالم العربي كلّه. ولا يكتفي علي الشرفا بهذا، بل هو يدعو، كمفكّرٍ خليجي عربي، دول الخليج العربي إلى الإجتماع مع مصر لوضع استراتيجيّة كاملة لعدم التصادم مع إيران.

هذا هو علي الشرفا باختصار شديد: مفكّر عربيّ مستنير ومخلص لإنتمائه، ينهل من معين كلّ الثقافات والتجارب الإنسانيّة الكبرى ليُعطيَ فكرًا شاملا يصلح لأن يكون دستورًا متينًا يستند إليه العالم العربي والإسلامي للخروج من المتاهات التي يغرقونه في لججها من أجل إلهائه عن بناء قوته بالشكل الذي يتناسب مع أهميّته التاريخيّة.. وكم نحن بحاجة إلى مثل هذه الأصوات الفكريّة الهادئة والمخلصة كي ننهض من كبوتنا التي طالت قرونا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *