صِبًا لَوْ يَعُوْد!
مُورِيس وَدِيع النَجَّار
شَجانِي مَسارٌ مَضَى، والحَنِينْ، وناجَيتُ أَحبابَنا العابِرِينْ
أُقَلِّبُ، في أَدمُعِي، سائِلًا صحائِفَ ماضٍ، بَعِيدٍ، دَفِينْ
تُرَى أَينَ مِيثاقُنا في الهَوَى، وأَينَ حِماهُ، الدَّفِيءُ، الحَصِينْ؟!
وأَينَ وُجُوهٌ رَعَت وُدَّنا، وعَشَّشَ تَحنانُها في الجُفُونْ؟!
وتِلكَ الصَّباباتُ، ما بالُها، قَضَت، ففي القَلبِ جُرحٌ ثَخِينْ؟!
***
لَقَد مَرَّ رَكْبُ الزَّمانِ سَرِيعًا، ودَوَّى، مِنَ الأُفْقِ، صَوتُ اليَقِينْ
وأَمعَنَ كَرُّ اللَّيالِي، مُخِبًّا، يُجَرِّرُ أُلَّافَنا والسِّنِينْ
وبانَت، مِنَ الأُفْقِ، إِيماءَةٌ، فَشُدَّتْ رِحالٌ، وَرِيْعَ قَطِينْ
وعاثَ الخَرِيفُ بِوَشْيِ الرُّبَى وفَتَّ الأَزاهِرَ في الياسَمِينْ
وبِتْنا، هُنا، خَلْفَ سُوْرِ الصِّبا، نُلَوِّحُ لِلفِتيَةِ الدَّاخِلِينْ
فَنَلمَحُ أَشواقَنا عَبْرَهُم، تُفَتِّشُ عَن صِبْيَةٍ آخَرِينْ!
***
مَضَى زَمَنٌ كانَ فِيهِ الهَوَى يُنادِي، فَيَنصاعُ عَزْمٌ وطِينْ
نَرُودُ مَغانِي الصِّبا عُصْبَةً، تَهِيمُ، وفي الصَّدْرِ تَوْقٌ مُبِينْ
فَتَنهارُ، عِندَ اشتِدادِ الوَجِيْبِ ــــــــــ مَساحِيقُنا، والحِجَى، والظُّنُونْ
ونَقطِفُ لَذَّاتِها، لا نَعِي، ونَغرَقُ في الرَّاحِ حَتَّى الجُنُونْ
لَنا اللَّيلُ، سُمَّارُهُ، دِفْئُهُ، وأَوتارُهُ، وصَفاءُ الرَّنِينْ
لَنا الشِّعْرُ، يَختالُ في جَرْسِهِ، فَتَندَى العَشايا بِشَجْوٍ حَنُونْ
ويَسكَرُ مِنَّا نَسِيمُ الرُّبَى، وتَرقُصُ، لِلشَّدوِ، رَيَّا الغُصُونْ
ويَهمِسُ، في سِرِّهِ، دَوْرَقٌ: هُنا الخَمرُ، لَيلاهُ نَهْجٌ ودِينْ
هَوانا هَوَى القَلبِ في صَفْوِهِ، فَلا ما يَشُوبُ، ولا ما يُشِينْ!
***
تُراهُ سَيَخفُقُ، إِمَّا بَدَتْ، نَواعِسَ، بِالدَّلِّ، تِلكَ العُيُونْ
فُؤَادٌ، تَنُوسُ قَنادِيلُهُ، وتَخبُو جِمارٌ لَهُ كُلَّ حِينْ؟!
فَنَركَعُ في عَتَباتِ الهَوَى، ونَدفَعُ مِنْ كِبْرِنا صاغِرِينْ
أَمِ انْهَدَّ حَتَّى إِذا أَومَأَتْ، تَمَزَّقَ في شَجْوِهِ والأَنِينْ
وما عادَ في دَفْقِهِ لاهِبًا، ولا هَلَّ بِالزَّغرَداتِ العَرِينْ؟!
***
غَزَت عَرَباتُ الزَّمانِ مَدانا، وحَطَّتْ مَنائِرَها في الجَبِينْ
وما زالَ في النَّفسِ شَوْقٌ إِلى رِحابِ الهَوَى، ومَغانِي الفُتُونْ
أَنَهزَأُ بِالعُمرِ؟! أَنَّى لَنا؟! وآثارُهُ فَوقَ تِلكَ الغُضُونْ
وفي البالِ ما أَشعَلَ القَلبَ هَمًّا، وفي النَّفسِ ما شاقَها مِن شُجُونْ
سَنَبقَى، على الذَّكْرِ، ما ضَرَّنا، وفي الذِّكْرِ دِفْءٌ لَهُ نَستَكِينْ
ونَرحَلُ، والكَونُ يُومِي لَنا، وفي مُقلَتَيهِ ارتِشاحٌ حَزِينْ
فَتَبقَى، على الدَّهرِ، أَخبارُنا، وأَشذاءُ مِلْءَ الرُّبَى والحُزُونْ!
