إرتَحَلَت ليل الجمعة العظيمة/السبت بعد أن اكتحلت عيناها بكتاب إبنها المرحوم زياد سعادة/ وداعًا..الشيخة الجليلة نزها القرطباني سعادة!

Views: 658

د. مصطفى الحلوة

بين 13 أيار 2023 وليل الجمعة العظيمة/السبت 29/ 3/ 2024 على مرمى يومين من الفصح المجيد، فترة زمنية، تَشغَلُ 320 يومًا، لتختزل قصة بل مأساة سيدة زغرتاوية تسعينية، فُجِعَت، منذ اثنتين وثلاثين سنة، بفلذة كبدها، الباحث العبقري زياد سعادة، وقد كان له من العمر واحدٌ وثلاثون عامًا (1961-1992) !

منذ ذلك اليوم، وهي  تتزيّا السوادَ ثوبَ حِداد! وقد سلّمت أمرها لله، الذي هو وحده يُحيى ويُميت !

 

هذا الإبن العبقري أخذه علم البارابسيكولوجيا إلى لججه العميقة، فغاص فيه، وليغدو أحد كبار منظّريه. وقد كتب مئات الدراسات والمقالات باللغتين العربية والفرنسية، نُشر بعضها في دوريات وصُحُف لبنانية.

راحت الوالدة المفجوعة تتساءل والعائلة، لا سيما شقيقته عايدة، المغتربة في كندا، كيف لهم أن يستعيشوا زياد؟ كيف لهم أن يخرجوه من عتمة القبر إلى النور، فتُكتب له حياة جديدة!

 

هكذا جُمع بعضٌ من  هذه الأوراق بين دفّتي كتاب، عنوانه :”البارابسيكولوجيا والانسان”. وقد نسّقت مواده وحقّقته الأديبة إبتسام غنيمة.

كان تواصلٌ معي ومع صديق التلمذة الناقد د.جورج طراد، لتنظيم ندوة حول هذا الكتاب، في “مركز الصفدي الثقافي”، طرابلس، في 13 أيار 2023، برعاية وزير الإعلام المهندس زياد مكاري ووزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى. كان يومٌ مشهودٌ، إذْ امتلأ المسرح عن آخره. وقد أدليتُ، لضيق المقام، بملخّص لمراجعتي النقدية (40 صفحة)، التي ستعرف طريقها إلى  كتاب لي، سيصدر في الآتي من الشهور.

 

كانت ندوةٌ نوعية حاشدة، إذ امتلأ المسرح عن آخره، وغالبية الحضور من منطقة زغرتا، الزاوية ومن طرابلس.

ومما جاء في مُستهلّ  مراجعتي: تكثّفَ زياد سعادة عمرًا، حين لم يرتضِ عمره كَرَّ أيام وعدّ سنين! وتَكثّفَه زمنُ العبقرية، واستعجله الرحيل، وهو في فوران عطائه الفلسفي!..فيا أُمَّه المؤمنة، التقيّة، النقيّة، الصابرة المصابرة لا تبكِهِ! ويا شقيقَه وشقيقاتِه، ويا زوجتَه، ويا كلَّ عارفيه وقادريه لا تحزنوا، فزياد انهزم منه الجسد، لكنه باقٍ روحًا، ينبعثُ اليوم في كتاب، ينبعث في ما أبدع فكره، وما خطّت يده! وإذا كان جرس سيّدة زغرتا قد دقَّ حزنًا، يوم رحيله، فإنّ هذا الجرس وأجراس طرابلس تدقُّ فرحًا، هذه العشيّة، وهي تحتفي بمولوده الفلسفي الأوّل “البارابسيكولوجيا والانسان”!

..في الأيام الفاصلة عن موعد الندوة، قصدتني والدته بصحبة ابنتها السيّدة  عايدة، ثلاث مرّات كي تطّلع على التحضيرات، ورغبت في رؤية المسرح لتزداد اطمئنانًا! ولم تكن لتُصدّق بأنها ستُدرك ذلك اليوم، الذي يُشكّل لها حلمًا. فهي لا تبغي سوى الاحتفاء بالكتاب، بل بإبنها، فتقرَّ عينًا، ولترحل بعد ذلك إلى الأبدية!

 

..في اليوم الموعود، طفح وجهها بِشرًا، وغمرتها السعادة، وراح منها ما تراكم من حزن، طيلة ثلاثة عقود!

..29آذار 2024، خلال الأيام الفصحية المجيدة، تُسْلمُ الشيخة الجليلة نزها القرطباني سعادة الروح، راضيةً مَرْضِيّة لتلتحق بزياد!..إرتحلت، كما قال كاهن رعية زغرتا، إهدن، لتكون لها قيامةٌ مع قيامة السيد المسيح! وهذا يُضفي على رحيلها هالةً من عميق إيمان ومن قداسة!

 

..رحِمكِ الله أُمَّ وليد، وجعل مثواكِ جنّةً، عرضُها السموات والأرض،  وعزاؤنا لبكرها وليد  ولبناتها، لا سيما العزيزة عايدة، ولزوجة زياد الإعلامية هدى شديد، ولآل سعادة  وقرطباني وللأنسباء..وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *