معرض حول العلّامة عيسى اسكندر المعلوف في الجامعة الأميركيّة-بيروت
د. باسم فليفل
افتتحت دائرة الأرشيف والمجموعات الخاصَّة في مكتبة يافث التذكاريَّة بالجامعة الأميركيَّة في بيروت، الخميس 9 أيَّار 2024، معرضًا للعلَّامة عيسى إسكندر المعلوف، في بهو مكتبة يافث، بالتعاون مع برنامج أنيس المقدسي للآداب.
يُعد المعلوف أحد كبار أعلام الثقافة والفكر والعلم في الوطن العربي، ممن ساهموا في النهضة الحضاريَّة للمنطقة خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، في ما اصطُلح على تسميته «عصر النهضة العربيَّة»، وكان له بصمة واضحة على جوانب علميَّة عديدة دُوِّنت بالعربيَّة، أبرزها تاريخ الديار الشاميَّة وأنساب أُسرها وأصولهم، ونحت المصطلحات الجديدة، وحفظ اللغة العربيَّة وآدابها، وأمور كثيرة أُخرى يصعب شملها.
وُلد المعلوف في بلدة كفرعقاب بالمتن يوم 11 نيسان (أبريل) 1869، وتتلمذ بمدرستها ثُمَّ بمدرسة الشوير التي قامت عليها الإرساليَّة الإنكليزيَّة، إلَّا أنَّه أكمل الدراسة على نفسه، وأتقن عدَّة لُغات إلى جانب العربيَّة لُغته الأم، هي: الإنكليزيَّة والفرنسيَّة واليونانيَّة والفارسيَّة واللاتينيَّة والعبرانيَّة.
درَّس الأدب العربي والرياضيَّات واللغة الإنكليزيَّة في بلدته وفي الكورة والبترون، وبعد زواجه وانتقاله لزحلة، درَّس في الكُليَّة الشرقيَّة اللُغتين العربيَّة والإنكليزيَّة إلى جانب الرياضيَّات. أدار لفترةٍ مدارس الطائفة الأرثوذكسيَّة في بيت المقدس وحمص وبيروت، ومارس الصحافة باكرًا، فأنشأ مجلَّة شهرية سمَّاها «الآثار» لكنها لم تعمّر أكثر من خمس سنوات.
ساهم في إنشاء المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1919 مع العلَّامة مُحمَّد كُرد علي والشيخان عبد القادر المغربي وطاهر الجزائري. اختير عضوًا في المجامع العلمية للغة العربيَّة، فإلى جانب المجمع العلمي العربي في دمشق، كان المعلوف من أبرز أعضاء مجامع مصر وبيروت والبرازيل، إلى جانب المجلس الإسلامي الأعلى في بيت المقدس.
توفى في زحلة سنة 1956.
ترك المعلوف مكتبةً ضخمة حافلة بكُتُبٍ قيِّمة ومخطوطاتٍ نفيسة، حصلت الجامعة الأميركية في بيروت على قسمٍ منها سنة 1925 عندما ابتاعتها من المعلوف، بعد مُعاينة وتدقيق المُؤرِّخ الدكتور أسد رُستم. وفي سنة 2015، أي بعد سبعةٍ وثمانين سنة، اشترت الجامعة الأميركيَّة المكتبة بأكملها من حفيد العلَّامة المذكور، ونقلتها إلى مكتباتها لتُحفظ وتُفهرس حتَّى تُصبح مُتاحةً أمام الطُلَّاب والباحثين.
وبعد عملٍ دؤوب على هذه المجموعة، تقرَّر إقامة معرضٍ للاحتفاء بذكرى المعلوف وإعطائه قدرًا يسيرًا من حقِّه، ونظرًا لحجم المجموعة الكبير، وكثرة مُحتواها المُهم، وبسبب ضيق المساحة، فإنَّ هذا المعرض يكشف النقاب أمام زُوَّاره عن جُزءٍ يسيرٍ من مجموعة العلَّامة الكبير، هي في واقع الأمر نُقطة في بحر مُقتنياته، لكنها من أبرز وأنفس ما تحتويه.
افتُتح المعرض الساعة الخامسة بعد الظهر، وحضره أُسرة المعلوف ورئيس الوزراء الأسبق تمَّام بك سلام، ورئيس الجامعة الأميركيَّة في بيروت دكتور فضلو خوري ومدير المكتبة الدكتور لقمان محّو، وبعض أساتذتها.
كانت الكلمة الأولى لرئيس الجامعة الدكتور فضلو خوري تحدَّث فيها عن أهميَّة حفظ الوثائق والمخطوطات كونها جزءًا من هويَّة وتاريخ أهالي هذه المنطقة، وإنَّ حفظها هو حفظ لذاكرة وهويَّة الناس، تلتها كلمة مدير مكتبات الجامعة الدكتور لُقمان محّو تناول فيها أهميَّة مجموعة عيسى إسكندر المعلوف والتحديات التي واجهت فريق العمل في المكتبة في التعامل معها، ثُمَّ حفيد العلَّامة عيسى إسكندر المعلوف، الكاتب والمؤرخ د. فوَّاز طرابلسي، الذي أعطى لمحةً عن حياة جدِّه وحُبِّه للعلم وسعيه لتأريخ هويَّة هذه المنطقة والحفاظ على لُغتها العربيَّة، وما جمعه من مُؤلَّفاتٍ بعضها طُبع وبعضها الآخر لم يُطبع إلَّا بعد عشرات السنين من وفاة المعلوف، وما زال غيرها بانتظار الباحثين لينفضوا عنه الغبار، ثُمَّ كلمة رئيسة دائرة الأرشيف والمجموعات الخاصَّة السيِّدة سمر الميقاتي القيسي تحدثت فيها عن خصائص المجموعة وميزاتها والتحديات التي واجهت المُوظفين العاملين على فهرستها لكثرة تشعُّب مواضيعها وعناصرها، وأخيرًا كلمة السيِّدة إلهام معلوف الزناتي، حفيدة العلَّامة المعلوف، شكرت فيها الجامعة الأميركيَّة ومكتبتها لاهتمامها بمجموعة جدِّها ورعايتها.
اشتملت المعروضات على مجموعةٍ كبيرة من الصور القديمة، إلى جانب وثائق عُثمانيَّة بعضها كُتب بالتُركيَّة وبعضها بالعربيَّة، وعدد من الكُتُب المخطوطة التي وضعها عيسى مُسوَّداتٍ لكُتُبه، وبعض أعداد الجرائد النادرة الصادرة في أرياف لُبنان أو في بعض دُول المهجر، وبطاقاتٍ شخصيَّة لعددٍ من أعلام لبنان والوطن العربي مثل شارل دبَّاس، رئيس الجُمهُوريَّة اللُبنانيَّة في عهد الانتداب، والعلَّامة مُحمَّد كُرد علي، والعلَّامة الأب لويس شيخو، وغيرهم، وبعض المُقتنيات الشخصيَّة للمعلوف مثل ميداليَّاته وأوسمته التي نالها تكريمًا من الحُكُومات العربيَّة اعترافًا بفضله وجُهده العلمي.
يستمر المعرض قائمًا في مكتبة يافث التذكاريَّة طيلة شهرٍ من تاريخ افتتاحه.